أقلام فكرية
حاتم حميد محسن: طبيعة الواقع لدى فلاسفة اليونان القدماء
ذكر هيرقليطس ان الجوهر الأساسي في الكون هو النار. هو وصل الى هذا الاستنتاج لأنه اعتقد ان كل شيء يتغير. كذلك هو اول من صاغ مقولة عدم امكانية النزول في نفس النهر مرتين. تميّز هيرقليطس بفهمه العميق للتغيير. هو لم ينظر فقط للتغيير الذي يمكن للناس تحقيقه بالافعال المقصودة، بل هو ايضا ادرك ان التغيير يحدث حتى عندما لا يوجد دليل مرئي للتحول. وهكذا، كان شهرقليطس يُعد عبقريا حقيقيا بسبب هذا الكشف وحده. غير ان هيرقليطس كان غير قادر على ان يحدد بالضبط طبيعة التغيير.
رؤية امبيدوكلس Empedocles
حاول امبيدوكلس التوفيق بين اطارين فلسفيين مختلفين لكل من هيرقليطس و بارمنديس. في الوهلة الاولى، يبدو امبيدوكلس كأنه يعرض حلا دبلوماسيا للخلاف. في لغة اليوم يبدو امبيدوكلس يحاول ان لا يقف الى جانب فيلسوف دون آخر. غير ان التمحيص الدقيق لإقتراحه خلق طريقة جديدة لفهم العالم المادي. امبيدوكلس كان من بين أوائل الفلاسفة الذين حددوا بشكل صحيح الطبيعة الحقيقية للاشياء. من الصحيح ان الاشياء تتغير،لكن عنصرها الاساسي لا يتغير. هذه الفكرة مهدت الطريق لفهم الجزيئات والذرات.
رؤية اناكسيماندر
افترض اناكسيمندر رؤية بديلة تتعارض مع رؤية هيرقليطس و طاليس. هو افترض ان أحسن طريقة لفهم العالم هو البحث عن العنصر الاساسي، حيث افترض ان الحل للمشكلة هو البحث عن العمليات الاساسية والقوى الطبيعية السابقة للتغيير. مساهماته الأصلية كانت توفير رؤية ليست ميثولوجية عن كيفية خروج الاشياء الى الوجود. لكنه لم يستطع اثبات ادّعائه.
مقارنة بين رؤيتي برمنديس و هيرقليطس
لم يكن برمنديس مهتما في اكتشاف العنصر الاساسي. هو عرف ان الناس يتغيرون وان الاشياء عرضة للتغيير. وهكذا، هو استنتج بان هذه المظاهر هي مجرد اوهام. رؤيته كانت في تناقض حاد مع رؤية هيرقليطس حول التغيير. مع ذلك، نجد ان الاطار النظري لبرمنديس قد فشل في تطوير دفاع مقبول حول مفهوم الوهم.
من السهل الإيمان بافتراض هيرقليطس وتجاهل حجة بارمنديس. هيرقليطس لم يعرض فقط اطارا فلسفيا يوضح الطبيعة الحتمية للتغيير، هو ايضا افترض ان التغيير نتاج ثانوي لنظام كوني يسمى اللوغس. هيرقليطس اعتقد ان التغيير في العالم المادي لم يكن عشوائيا ابدا. هذا الافتراض قريب من الفهم الحديث لطبيعة التغيير.
رؤية بروتوغوراس
اعتقد بروتوغاروس ان المعرفة تعتمد على تصور الكائن البشري. لذلك، أعلن بروتوغاروس بان لا توجد هناك طريقة للوصول الى معرفة مطلقة. افترض بروتوغاروس ان وجهات نظرنا الشخصية في شكلها الاساسي هي صالحة حتى عندما يرى الآخرون انها خاطئة. كان هذا منطقيا من زاوية نظر الأجهزة الحسية. شخصان قد يران نفس الحدث لكنهما يختلفان في تفسيره.
رؤية فيثاغوروس
كان فيثاغوروس اول فيلسوف اقترح توضيحا رياضيا للطبيعة الحقيقية للعالم المادي. بكلمة اخرى، هناك اساس رياضي لخلق الاشياء. هذا الافتراض يوضح ايضا لماذا هناك استقرار نسبي ونظام في الكون. هذه تُعد رؤية راديكالية خاصة عندما يقارنها المرء باعلان هيرقليطس ان كل شيء يتغير. فيثاغوروس لم يدّعي النظام فقط، هو ايضا اشار الى الطبيعة المتنبأ بها للتصميم. الفكرة احتاجت مئات السنين للتحقق من صحة ادّعائه. لكن فيثاغوروس ترك بصمته عندما افترض فكرة ان هناك طريقة لوصف الاشياء رياضيا في العالم المادي.
رؤية اناكساجوراس
عمل أناكساجوراس على خطى افكار امبيدوكلس. عندما افترض امبيدوكلس ان الاشياء لا تتغير هو وضع افتراض ان لا وجود هناك لطريقة لتجزئة الاشياء المادية الى جسيمات أبسط. اناكساجوراس طرح الحجة المضادة بان هناك طريقة لتبسيط المادة. هو قال ان الاشياء المادية مركبة من جسيمات اصغر. نقطة الضعف الوحيدة في رؤية اناكساغوراس كانت انه لم يؤمن بوجود الجسيمات الذرية او ما دون الذرة. مع ذلك،افكاره رسخت الفهم العالمي القديم للجسيمات، ومهدت الطريق لاكتشاف الجزيئات.
اليونانيون الأوائل وطبيعة الواقع
يمكن القول ان امبيدوكلس عرض نظرية واضحة وشاملة حول طبيعة الواقع. كان صائبا عندما قال ان الاشياء تتغير. وفي نفس الوقت، هو كان صائبا ايضا عندما افترض ان الاشياء آمنة في هويتها لأن العناصر الاساسية لا تتغير. فكرته توضح وجود العمليات التحويلية، بينما في نفس الوقت اوضح وجود اشياء يمكن التعرف عليها ولا تتأثر او تتغير بهذه العمليات التحويلية. فمثلا، هناك قوى تحويلية تغير الاشياء الطبيعية التي تحيط بالمنزل. لكن هيكل المنزل يبقى ذاته لعدة سنوات. النقد الوحيد لرؤية امبيدوكلس هي انه استعار عناصره من مصادر مختلفة.
نقد افلاطون لرؤية بروتوغاروس
لم يتفق افلاطون مع افتراض بروتوغاروس في ان المعرفة ذاتية. افلاطون بدأ نقده لإطار بروتوغاروس الفلسفي عبر القول ان رؤية سلفه كانت خاطئة. جادل افلاطون ان الحدس مكّن الناس من تصور المعرفة. لذلك، ادّعى افلاطون ان هناك طريقة لمعرفة الحقيقة المطلقة.
فكرة ارسطو في العلل الأربع
شكّلت فكرة ارسطو في العلل الاربع اطارا رائعا لمساعدة العالم القديم في فهم طبيعة الاشياء. كان المظهر المثير للاشكالية هو فقط العلة الاولى التي سماها ارسطو "السبب الصوري" لأن هذه ليست الطريقة التي يفسر بها الناس الحديثين مفردة السبب.
مع ذلك، التغيير في المنظور سوف يمكّن القراء من ادراك ان السبب الاول هو في الحقيقة تصميم الشيء. بالاضافة الى ذلك، يمكن القول ان ارسطو لم يزيل نهجه الابستيمولوجي من الالوهية. لذلك، يمكن تفسير السبب الاول كخالق وراء الشيء. السبب الثاني هو ايضا افتراض رائع لأنه يوضح مادية الشيء. السبب الثالث ايضا تطور رئيسي في الابستيمولوجي لأنه مهد الطريق لفهم العمليات الطبيعية في خلق الاشياء. اخيرا، السبب الرابع مكّن الناس من تنظيم الاشياء والاشياء الحية طبقا لغرضها الخاص بها.
أصناف ارسطو العشرة ونظرية الشكل
ساعدت نظرية ارسطو في الأصناف العشرة للأشياء ايجاد تصنيف باسلوب اكثر تنظيما. هو وفر طريقة لتمييز الاشياء بالاستناد على عشرة اصناف اساسية: 1-الكمية 2- النوعية 3- العلاقات 4- المكان 5- الزمان 6- الموقع 7- التكوين المادي 8- اللانشاط 9- الفعالية 10 الجوهر.
كان ارسطو صائبا عندما ذكر ان هذه الانواع من التصنيف ساعدت الناس في النظر الى الاشياء والكائنات في صورة افضل. ميز ارسطو رؤيته عبر تحديد الأشكال ضمن اشياء معينة. في حجة الشخص الثالث The Third Man Argument (1) حاول ارسطو توضيح ان الأشكال العالمية ليس لها وجود مستقل. ارسطو كان لديه توضيح افضل معتبرا ان العملات لا تمتلك احتكارا للدائرية.
مقارنة بين رؤية افلاطون وارسطو
يبدو ان فكرة افلاطون حول التغيير والأشكال تجسدت ضمن نظرية شاملة تستلزم الالوهية. بكلمة اخرى، اعتقد افلااطون في السبب الاول الذي هو الله. هو أكّد ان السبب الاول يوضح أصل الاشياء. انه توضيح معقول مرتكز على سياق الفلسفة اليونانية القديمة لأن هناك حاجة لتبرير أصل التغيير. افترض ارسطو طريقة مختلفة. هو لم يعرض تمييزا واضحا او حجة مضادة لموقف افلاطون. ارسطو من جهة اخرى وفر توضيحا لسبب اختلاف الاشياء عن اخرى. هو قال ان "جنس" الشيء او الكائن الحي يوفر نوعا من القالب، يعطي تعليمات حول أي المظاهر تختلف عن غيرها.
افلاطون وارسطو يتفقان بان احد المكونات الرئيسية للشيء هو مفهوم سمي (الشكل). بكلمة اخرى، العملة تبدو دائرية لأنها تفترض شكل اساسي للدائرة. التصميم الاساسي للعملة يتطلب مفهوم الدائرية. من المهم تسليط الضوء على هذا التشابه بين الرجلين لأن افلاطون وارسطو اعتقدا ان الاشياء تتبع تصميما معينا. غير ان ارسطو عزز الفكرة الاساسية لإفلاطون بتأكيده انه بصرف النظر عن عنصر "الشكل"،فان الشيء ايضا يتطلب مادة. بدون عنصر المادة، يمتنع الشيء عن الوجود
***
حاتم حميد محسن
..................
المصادر:
1- cohen M.(2011). Reading in ancient Greek philosophy. IN: Hackett publishing. Web
2- Moor, B., &Bruder,K.(2008). Philosophy the power of ideas. CA: California state university press. Web
الهوامش
(1) هذه الحجة هي حجة في التراجع regress يدّعي فيها ارسطو انه لكي نبيّن وجود شكل حتى وان كان شكلا واحدا، يعني ان هناك عدة اشكال لا متناهية منه. هذا التراجع (العودة الى السابق) يمكن اعتباره في ذاته كرفض لنظرية الأشكال لأن الأشكال يجب ان تكون متفردة، والتراجع سيحطم امكانية المعرفة (oxford Academic).