أقلام فكرية

حاتم حميد محسن: ارسطو وقانون عدم التناقض

قانون عدم التناقض هو أحد أهم القوانين الثلاثة في المنطق. طبقا لهذا القانون، اذا كان شيئا ما صحيحا عندئذ فان النقيض له هو زائف، مثلا، اذا كان الحيوان (س) قطة، فان نفس الحيوان لا يمكن ان يكون الاّ قطة. هذا هو التعريف البسيط للقانون حيث يشير الى ان الاشياء لايمكن ان تكون ولا تكون في نفس الوقت وبنفس الطريقة.

لماذا أهمية قانون عدم التناقض؟

انه مهم لأنه الوسيلة الرئيسية التي تسمح لنا لنفكر ونتحدث بطرق ذات معنى. بدونه، سيكون من الصعب الاتفاق على أي شيء او الثقة بما نعرف، على سبيل المثال، اذا انت لا تستطيع الجزم بحقيقة ان باب غرفتك اما مفتوح او مغلق، انت ستُصاب بالحيرة كونك لا تعرف ماذا تعمل. هذا القانون يجعل محادثاتنا وتعليمنا تحت السيطرة. في تعلّم التاريخ، لو كانت الأحداث تحدث ولا تحدث في نفس الوقت وبنفس الطريقة عندئذ سوف لن نتأكد ابدا مما يحدث حقا، او اذا كانت التجربة تعطي نتائج صحيحة وغير صحيحة عندئذ نحن سوف لا نستطيع الثقة باستنتاجاتنا لعمل دواء جديد او تكنلوجيا جديدة.

لاحظ أرسطو (384-322Bc) في ميتافيزيقاه ان الفلاسفة يدرسون الوجود او الواقع على المستوى العام، ولكي يقوموا بهذا هم يحتاجون لإستعمال المنطق، ولكي يستعملوا المنطق يجب ان يكونوا واضحين جدا حول مبادئ معينة في المنطق تسمح بحدوث أي فهم. يعتقد ارسطو ان قانون عدم التناقض هو الأكثر اهمية. صيغة القانون تتعلق بالأشياء التي توجد في العالم وليس حول عقائدنا بشأن العالم او الجُمل التي نستعملها لوصفه. هذه الصيغة لقانون عدم التناقض جرى استعمالها الى جانب قانون الهوية وقانون الوسط المستبعد ليشكلوا مبادئ اساسية لم يتم إثباتها، يجادل الجميع حولها وربما تتوقف عليها أي رؤية متماسكة للواقع.

بالطبع، بعض الفلاسفة على مر التاريخ لم يوافقوا على قانون ارسطو في عدم التناقض مثل هيرقليطس وهيجل والقس غراهام الذين اعتقدوا ان هناك بعض التناقضات الصحيحة (1). لكن هناك فيلسوف شهير جرى تجاهله وهو من أشد المعارضين لقانون عدم التناقض وهو الفيلسوف الألماني شيلينغ F.W.J.Schelling (1775-1854). في كتابه (عصور العالم، ترجمة دار Suny press) يجادل شيلينغ بانه سوف لن تكون هناك حياة او واقع او حركة او تقدّم بدون تناقضات واقعية. الادّعاءات والحجج التي يعرضها شيلينغ ان كانت مقنعة ستتطلب مراجعة لتصوراتنا الأساسية للمنطق والواقع. من بين هذه الحجج:

1- يلاحظ شيلينغ ان الناس "يبدو لديهم كراهية للتناقض أكثر من أي شيء آخر في الحياة"، هو يقول، التناقض يجبر الناس على فعل معين بعد بذل الكثير من الجهد "لإخفائه عن أنفسهم ولإبعاد اللحظة التي يجب التصرف فيها في مسائل الحياة والموت". ومن الملاحظ ان شيلينغ يطبّق هذا التحليل على قانون عدم التناقض ذاته. مدّعيا بانه تم استخدام القانون دون جدوى للهروب مما يفترضه مسبقا."لقد جرى البحث عن راحة مماثلة في المعرفة من خلال تفسير قانون التناقض والذي لا ينبغي ان يكون هناك تناقضا أبدا. كيف يمكن لأحد وضع قانون لشيء ما دون ان يكون موجودا؟ عندما يُعرف ان التناقض لا يمكن ان يكون، يجب ان يُعرف انه مع ذلك يمكن ان يكون بطريقة معينة. والاّ كيف يجب ان يبدو "ما لا يمكن ان يكون" وكيف يمكن للقانون ان يثبت نفسه، أي، يثبت انه صحيح؟

2-  شيلينغ يطبّق هذه الرؤية على الله. اذا كان الله السبب الأول لكل ما موجود، والتناقض هو ما يجبر على اتخاذ فعل، عندئذ فان الله يجب ان يكون تناقضا من نوع ما. وفوق كل ذلك، اذا كان الله وحدة متناغمة عندئذ فان الله "سيبقى هكذا" طالما "لا يمكن فهم تحولا من الوحدة الى التناقض". هو يوضح: "كيف يجب لمنْ هو ذاته واحد، وكُلّي وتام يرغب بالخروج من هذا السلام؟ التحول من التناقض الى الوحدة هو طبيعي، لأن التناقض غير مريح وصعب لكل شيء، وكل شيء يجد نفسه فيه سوف لن يستقر حتى يجد الوحدة التي تتغلب عليه او تتوافق معه". وهكذا يجادل شيلينغ ان الله "ليس في تناقض بالصدفة ولا هو في تناقض يمكن نقله من الخارج (طالما لا شيء هناك خارجه). بل، انه تناقض ضروري، برز في نفس الوقت مع وجوده، وبالتالي، هو ذاته وجوده. لذا فان كل ما يتبع من الله يتبع من التناقض، وفي الحقيقة، "كل الحياة تمر من خلال نيران التناقض. التناقض هو آلية القوة والتي هي أساس الحياة وعمقها".

لذا بالنسبة لأرسطو، يجب على الفيلسوف ان يطيع قانون عدم التناقض الذي لا يمكن اثباته اذا كان يريد النجاح في البحث عن الحكمة. شيلينغ يعرض رؤية اخرى لعلاقة الفيلسوف بالتناقض. هو يكتب: "التناقض الذي نتصوره هنا هو ينبوع الحياة الأبدية. بناء هذا التناقض هو أعلى مهمة للعلم ... وبالتالي، نحن ايضا لا نرفض التناقض. في الحقيقة، نحن نسعى لفهمه جيدا بتفاصيله".

لكن كيف يمكننا "فهم" التناقضات؟ طبقا لشيلينغ نحن لدينا قدرة بواسطتها نستطيع التفكير ونربط الأشياء مع بعضها حتى تلك المتناقضة هذه القدرة تسمى الخيال" (كتابه: نظام المثالية المتعالية، مطبوعات جامعة فرجينيا، ص230).

هاتان الرؤيتان مختلفتان جدا ولذلك فان السؤال عن مدى اختلافهما او انسجامهما الجزئي لابد ان يساعدنا في التحقيق في أعماق الفلسفة ذاتها.

***

حاتم حميد محسن

...................

المصدر:

Philosophy contradiction, philosophical Eggs, Jan 4,2017

الهوامش

 (1) حتى عندما يبدو القانون صريحا وواضحا، تسائل المفكرون عبر التاريخ ان كانت هناك حالات تكون فيها الاشياء أكثر تعقيدا. مثلا، في عالم الجسيمات الدقيقة في فيزياء الكوانتم، الاشياء تبدو متناقضة، وهو ما يدفع البعض للاعتقاد بوجود قواعد خاصة لمثل هذه الحالات. وفي نوع من المنطق المتناقض paraconsistent logic تصبح بعض التناقضات سليمة.

 

في المثقف اليوم