أقلام فكرية

حاتم حميد محسن: إشكالية العلاقة بين الجماليات والفلسفة؟

قد يرى البعض ان الجماليات (دراسة الفن والجمال) والفلسفة شريكان غير سعيدين في علاقة فاشلة، ويبحثان عن مشورة للعلاج. الجماليات تشكو من الفلسفة "انتِ لا تستطيعين منحي أي شيء"، "انتِ لا تشجعين الناس على تقدير الفن والجمال، انتِ لا تجعلين الفنانين أفضل حالا في نشاطهم الابداعي، ليست لديك مساهمات في أي تجربة جمالية مهما كانت." اما الفلسفة فترد "انا أرغب لو خرجتِ انتِ من حياتي" "انتِ لم تستمعي ابدا لصوت العقل"، "انتِ غارقة في الفوضى، لا وجود لحقائق عالمية يمكنك الحديث عنها".

اذاً، كيف نفهم الجمال الفلسفي؟ لماذا نجبر الجماليات والفلسفة ليكونا مجتمعين؟ الشك حول فضائل وحتى إمكانية وجود جماليات فلسفية كان موضوعا لخلافات مستعرة بين المفكرين. ليس من الواضح ان كان يجب اعتبار مشاكل الجماليات موضوعا للفلسفة: العديد من الفلاسفة رأوا ان تلك القضايا المتصلة بالفن والجمال لا يمكن ان تكون موضوعا للعمل الفلسفي. المفكرون العقلانييون انكروا وجود مكان للجماليات في انظمتهم الفكرية، بينما المفكرون الوضعيون و الوضعيون الجدد جادلوا انها لا يمكن ان تكون جزءاً من التحقيق الفلسفي.

ورغم ان فلاسفة اليونان علّقوا حول كل من الجمال والفن، لكنهم لم يعتبروا هذه المشاكل تستحق لتكون حقلا خاصا ضمن الفلسفة. التقسيم الثلاثي للفلسفة الى فلسفة نظرية (ماذا هناك في العالم وكيف نعرف عنه)، والفلسفة التطبيقية (ماذا يجب ان نعمل) والمنطق (كيف يجب ان نفكر) يترك السؤال مفتوحا حول أين مكان الجماليات ان كان لها مكان. الجماليات الفلسفية يمكن تبريرها لو تبيّن هناك معنى في التعامل مع مسائل طبيعة الجمال فلسفيا. اذا كان هذا هو الحال، فما انعكاسات ذلك على الفلسفة من جهة وعلى الجماليات من جهة اخرى؟

في الأزمنة الحديثة، جرت عدة محاولات لتحديد موقع الجماليات. مفكرون مثل شيلنك ونيتشة سعوا بطريقتهم الخاصة لإعادة تأهيل الجماليات لدرجة انهم ادّعوا ان هذا الحقل المتجاهَل هو أعلى أشكال الفلسفة. يرى معظم الفلاسفة، ان التفكير حول الجماليات يبدو أقل أهمية من الابستيمولوجي او الاخلاق. حتى في فلسفة كانط ، يبدو من أول وهلة كما لو ان الجماليات جاءت لاحقا كإضافة جديدة، اتخذت مكانها كموضوع فقط في نقده الثالث من كتبه الثلاثة. مع ذلك، في نظام كانط خُصص للجماليات ولأول مرة مكانا مستقلا كموضوع ضمن الفلسفة.

ان أهمية الجمال للفلسفة، لا يمكن انكارها. اذا اراد الفلاسفة استطلاع ماذا يعني ان تكون انسانا، هم يجب ان يدرسوا هذه القدرة الاسطورية والهامة للكائن البشري في عمل الأحكام الجمالية. لماذا ندّعي، على سبيل المثال، ان غروب الشمس جميل؟ كيف نقرر هذا وماذا يعني؟ أحد أهم الاسئلة التي طرحها الجمال الفلسفي – والذي نوقش كثيرا من قبل المفكرين المعاصرين – هو تعريف "الفن". هذا الحقل منقسم بين اولئك الذين ينكرون إمكانية وجود شروط ضرورية وكافية لشيء ما ليكون عملا فنيا، والمجموعة الأكبر من اولئك الذين حاولوا وضع مثل هذه الشروط. المجموعة الاخيرة تضم نظريات متنوعة جدا مثل فكرة افلاطون عن الفن كتمثيل mimesis و تعريف معهد جورج ديكي للفن كـ "نوع من نتاج ثقافي أنشيء ليُعرض على جمهور عالم الفن".

مجموعة ملفتة من الأفكار حول الفن وسياقه وعلاقته بالفلسفة تأتي من الفيلسوف الامريكي والناقد الفني آرثر دانتو Arthur Danto. ما يجعل الشيء عملا فنيا هو ليس وجوده عبر النظر الى سماته الواضحة. هو يعتقد ان "ما يجعل الاختلاف هو نظرية معينة للفن. انها نظرية تدمجه في عالم الفن وتمنعه من السقوط في الشيء الواقعي ".

لكن ماذا نعمل عندما نُسأل عن الاختلاف بين علبة برلو المعروضة في السوبرماركت وعلبة برلو المعروضة في قاعة فنية؟ جواب دانتو هو اننا نُسأل سؤالا فلسفيا. الفن الان يطالبنا بعمل فلسفة. الكثير من الفن اليوم هو حول حدود اختبار "الفن": "هل يمكن اعتبار هذا الموضوع فنا؟"، "ماهو الفن" دانتو يجادل بان الفن يعمل فلسفة، الفن يسقط في الفلسفة.

هيجل في القرن التاسع عشر أعلن بان الفن سوف لم يعد مهيمنا في المستقبل كوسيط للتعبير عن البشرية. دانتو يتفق على ذلك: الفن لم يبق لديه شيء للعمل. انه استنزف ذاته واصبح مشروعه الوحيد فلسفيا، هو تعريف الفن. وهذا من الافضل جدا ان يُترك للفلاسفة.

الجماليات والفلسفة كانا كلاهما يعيشان في أوقات صعبة، ومن المحتمل ان تستمر النقاشات حول طبيعة العلاقة بينهما، وحول أهميتهما النسبية ومحدداتهما. زواج كهذا قد يستمر لأن الشريكين يحتاج كل منهما للآخر، لكن هل سيكونا سعيدين يوم ما ؟

***

حاتم حميد محسن  

في المثقف اليوم