أقلام فكرية
علي محمد اليوسف: تعقيب فلسفي حول مفهوم الزمن
نشر د. جواد بشارة وهواستاذ باحث في مجال علوم الفيزياء المعاصرة مقالة بعنوان (مفهوم الزمن) على موقعي المثقف والحوار المتمدن تاريخ 4/4/2023. وطبيعي ان يكون باحثا اكاديميا بعلوم الفيزياء مثله ملتزما جانب المنهج العلمي التخصصي الصرف منهمكا تمرير مغالطات عن مفهوم الزمن لا تتقبلها الفلسفة من جهة وتحتاج مناقشة نقدية تمحيصية من لدن علماء في الفيزياء والفلك لتبيان هل استنتاجات بشارة التي ذكرها بمقالته تقر بها النسبية العامة لانشتاين كما وردت في المقالة؟ وهل بشارة نشر المقال في مجلة بحثية رصينة متخصصة بفيزياء الكون بلغة غير العربية وحتى العربية؟ .
1. لم يعالج بشارة مفهوم الزمن الارضي كتحقيب تاريخي تحده الطبيعة نسبي نطلق عليه الوقت بل اوهم القاريء ان ما يقوله العلم الفيزيائي عن المطلق الكوني وما جاءت به نسبية انشتاين عن الزمن يصادر طواعية كل الاجتهادات الفلسفية والفكرية حول الموضوع لان قوانين الفضاء يجب ان تحكم قوانين الطبيعة والانسان على الارض وهذه مغالطة مدانة. لذا كان الاجدر به نشر سلسلة مقالاته الفيزيائية العلمية في مجلات ومنصات تخصصية لها الكلمة الفصل بحقيقة ما يذكره بمقالاته وينسبه الى النسبية لانشتاين وعلماء فيزياء معاصرين فمثل هؤلاء يستطيعون وضع كل اجتهاد علمي عن عالم فيزياء الفضاء في مكانه الصحيح.
2. ذكر الدكتور بشارة في مطلع مقالته (لا يوجد زمن الهي بالمعنى الحرفي للكلمة) الكاتب لا يخفي في كتاباته عدم ايمانه بالاديان كي ينسجم على الاقل مع منهجه التخصصي العلمي في مواضيع الفيزياء الكونية وهذه مسالة خاصة به. وفي تعقيبي على ماجاء بمقالته لا التزم منهج لاهوت الاديان وميتافيزيقا الخلق بل منهج ما تقوله الفلسفة عن قضايا مشتركة بين العلم والفلسفة... في عبارة بشارة اشارة واضحة ان علوم الفيزياء الحديثة لا تعترف بغير الانفجار الكبير عمره 13/7 مليار سنة ضوئية كفرضية علمية في بداية انخلاق الكون الفضائي بصدفة لا يوجد ما يدحضها. والكون في حالة من التمدد المتسارع التي تصل سرعة الضوء بالثانية.
3. في الفيزياء النسبية لانشتاين كما استشهد صاحب المقال على ان الزمن الكوني هو انثيالات يتدفق فيها الزمن. هذا الاستنتاج لا يصلح ان يكون حقيقة لمفهوم الزمن الارضي كمطلق لا يمكن حده بشيء ولايقبل مطلقه التجزئة كما تذهب الفلسفة على ان الزمن مفهوم لا يصلح ان يكون موضوعا مستقلا للعقل البشري. الزمن فلسفيا هو دلالة معرفية لادراك الاشياء. ان تقول وتعرف لي ما هو الزمن بالعلم الدارج غير التخصصي بالكون والفضاء يقول لك ارجع الى تعريف ارسطو ان الزمن هو مقدار حركة جسم لقطع مسافة محددة بسرعة موضوعة لحركة ذلك الجسم. واضاف ارسطو الزمن ليس حركة فالحركة خاصية المتحرك المادي والزمن غير مادي.
4. قال بشارة وهو يخمط من بحوث علماء فيزياء الفضاء تعقيبا على النسبية لانشتاين ان (الجاذبية تشوه الزمن الكوني) وهذه ماخوذة عن انشتاين كعالم فيزياء ولا تلزم الفلسفة بها فهي تتحدث عن مطلق الزمان بالكون وليس على الارض كما تهتم به الفلسفة. الجاذبية كما ينسب بشارة لانشتاين تشوه زمن كوني لامحدود ولا نهائي وهو في حالة نشطة جدا من التمدد الحركي نتيجة الانفجار العظيم. اما عن علاقة الجاذبية بالزمن الارضي هو ما اردنا الباحث توضيحه فهو غير عاجز عن منهج التلفيق كلما دعت الحاجة خروجه من مازق يدخله ولا يعرف الخروج منه..
5. ذكر عبارة تفوق الكفر قوله (الزمن ينوب عن المكان في الادراك ويمكن للزمن ان يكون مكانا) ما هذا التلاعب اللفظي غير العلمي السقيم؟ اذا كان مثل هذا الافتراض التعجيزي لقوانين الطبيعة والعقل الانساني على الارض متاحا بالنسبة للزمن الكوني حسبما تذكر اقتباسات بشارة الصادمة حينما يحاول تضليل القاريء غير المتخصص ان مثل هذه الفذلكات يمكنها الحدوث طالما هي استنتاجات عن النظرية النسبية. على قدر المامي المحدود بفيزياء الكون فانه باستثناء قانون الجاذبية وبعض العلاقات في فيزياء الطبيعة الارضية مثل السبب والنتيجة، تحول الكم الى كيف وغيرها من قوانين مثل سرعة الصوت وسرعة الضوء فليس كل ما تتوصل له فرضيات ونظريات فيزياء الكون هي صحيحة اكتسبت الدرجة القطعية التسليم بها واسقاطها على القوانين التي تحكم الطبيعة والانسان اذ من المحال وانت تعيش على الارض ان تجد الزمن يتحول مكانا مستقلا يمكن ادراكه موضوعا للعقل. وكذا العكس ان يصبح المكان زمانا مستقلا عن زمانية ادراكه المكانية غير المنظورة. اعتقد اراء كانط حول وحدة الزمكان الادراكية لا زالت تفعل فعلها بالنسبة لانسان يعيش على الارض ويتعامل مع الطبيعة بمدركاته العقلية وليس بمطلق القوانين الكونية.. اذ قال الزمكان مدرك لقالبي فطريين متلازمين مركوزين بالذهن. وقالبي الادراك الفطريان بالدماغ هما وسيلتي ادراك ولا يكونان موضوعين مستقلين لادراك العقل.
6. ذكر دكتور بشارة نقلا عن نسبية انشتاين استحالة فصل ثنائية الزمكان التي بنى عليها انها كانت سببا مباشرا لاكتشاف نيوتن قانون الجاذبية. اعود تذكير بشارة اذا ما وجدت علوم الفيزياء علاقة تربط قانون الجاذبية بالزمكان كونيا فهذا حسب قوانين الطبيعة الارضية هي علاقة ليست موجودة. بامكاننا ان نسال بشارة المتخصص بفيزياء الكون هل ادراكية العقل لوحدة وعدم امكانية انفصال ثنائية الزمكان – اذكر انه في الفقرة اعلاه يقر بشارة ان ينوب الزمن عن المكان ادراكيا وبالعكس بمعنى يجوز الفصل بينهما ادراكيا – تتيح لنا امكانية ان نجد ادراكنا للزمكان يتوقف في حال انعدام الجاذبية ؟ اعتقد من وجهة نظر علمية على الارض وفلسفية ليس هناك علاقة لقانون الجاذبية في عملية ادراك العقل للزمكان بالاشياء. وفي حال الاقرار بخطأ ما اورده بشارة ان مفهوم الزمكان كان الحافز لاكتشاف نوتن قانون الجاذبية فايهما سببا للاخر هل الزمكان سببا للجاذبية ام العكس؟ ثم هناك فرق جوهري كبير بين الجاذبية كقانون فيزيائي يحكم الطبيعة والكون وبين عملية الادراك العقلي كخاصية بيولوجية عند الانسان.
7. اعود ثانية لما ذكره بشارة عن ثنائية الزمكان قوله نقلا عن انشتاين (هو كيان يوجد فيه المكان والزمان في بنية واحدة تتاثر بوجود الطاقة والمادة).كما ويتساءل (هل معنى هذا ان يتحول الزمن الى مكان وبالعكس؟).
لا باس من اعادة التاكيد انه اذا كانت الفيزياء الكونية المعاصرة توصلت لوجود علاقة من نوع ما للزمكان مع الطاقة والمادة، فهذا لا يسقط ان علاقة وحدة ثنائية الزمكان هي مع الادراك العقلي لهذه الوحدة الموجودية وربما يترتب في عصور قادمة ان يتحول هذا الادراك الخارجي للزمكان الى النفاذ نحو ادراك العقل للشيء بذاته اي ان يعرف لاحقا ماهية مدركاته العقلية من حيث وجود تاثير طاقة ومادة في وحدة الزمكان. لا يزال الادراك العقلي للزمكان ينحصر في نقل الاحساسات عن الصفات الخارجية للشيء ولا يتمكن النفاذ الى ماهيات الاشياء ومدركات العقل..
من الناحية التعقيبية العامة فلسفيا يمكن الجزم القاطع بوجود هذه المتعالقات بشان الزمكان. حينما نقول لدينا مفاهيم حول الزمان والمكان في الكوني فمعنى ذلك اننا لم نقع بعد على حقائق ومصطلحات متفق عليها صائبة تفيد واقعنا الارضي. المفهوم غير محدود اصطلاحا لذا من غير المتاح لنا معاملتنا لادراكاتنا المادية في عالمنا والطبيعة بمعايير المفاهيم الكونية.
8. كي نقف على بعض تناقضات بشارة في مقالته عن مفهوم الزمن قوله (ان انشتاين اعتبر تداخل الزمكان كيانا موحدا غير قابل للانفصال – ومن يقول غير ذلك سوى دكتور بشارة كما سبق لنا تثبيته؟ - ويمكن دمجهما بعضهما مع بعض على الرغم – والكلام لبشارة - من انه ليس من الصحيح القول تحول الزمان الى مكان وبالعكس – اذكر القاريء ما قاله سابقا وناقشته عليه انه يمكن للمكان والزمان المناوبة عن احدهما التعبير عن الاخر- حسب الفهم والادراك البشري الكلاسيكي المالوف !!). ياسلام على هذه العبقرية التي وصلت بنا ان الادراك البشري الكلاسيكي المالوف يقول امكانية ان يتناوب الزمان والمكان صفة الوجود المستقل احدهما مستقلا بالنيابة عن الاخر موضوعا ادراكيا للعقل. هل استطاع علماء فيزياء انشتاين القول بحقيقة هذا الهراء الذي اصبح كلاسيكيا مالوفا لدى البشر بلا استثناء.؟ هات لنا دكتور بشارة عالما فيزيائيا فرنسيا في محل اقامتك وفي غير فرنسا اثبت علميا انه بالامكان ان يتحول الزمان الى مكان مستقل ادراكيا.
***
علي محمد اليوسف /الموصل
.................
* لي وقفة تعقيبية ثانية اذا ما احتاج الامر
للاطلاع: