أقلام فكرية
نقد المسّوغ الأيديولوجيّ للعنف الجماعيّ
أفضّل أن أسمي ما يمكن أن يُدفَع به من حجج لتبرير العنف الجماعيّ "إطارا للأدلجة". وذلك من أجل التّأكيد على طابعه الشّكليّ الذي تتمّ بلورته عبر ركوب الأيديولوجيا لبناء هيكل نظريّ يوفّر السّوغ بديلاً عن التّفسير العلميّ الواقعيّ والمحدّد. وتهدف الأمثلة التي أعرضها إلى توضيح جملة من النّقاط الرّئيسة. ويمكن تقسيم الإطار الأيديولوجيّ للمفاهيم المستخدمة للتّبرير إلى خمسة "مبان" هي:
أوّلا: عقيدة التّشعّب: وتفترض جماعتين تعارضان بعضهما، فتستخدم كلّ واحدة منهما العنف ضدّ الأخرى، إنّهما منفصلتان بشكل حادّ ونهائيّ، ومنقسمتان بشكل يحجب خطّ الرّجعة والمراجعة فلا يلتقيان أبداً. ما يجعل النّظر إليهما بوصفهما ذوي طبيعتين لا تقبل الانسجام بسبب الانتماء لفئات مختلفة اختلافا جذريّا من النّواحي الثّقافيّة والأخلاقيّة؛ ومثاله الجماعات العنصريّة المنقسمة عرقيّا، والجماعات الطّائفيّة المنقسمة ملّيّا أو مذهبيّا. لغرض المناقشة سأشير إلى المجموعتين على التّوالي باسم: "المجموعة المختارة" وهي المسيطرة سياسيّا، أو هي الأغلبيّة، أو هي المجموعة في السّلطة، أو هي الدّولة، ثمّ "المجموعة الأخرى". بطبيعة الحال هناك تشعّبات اجتماعيّة وسياسيّة أخرى قد تشكّل جماعتين ضدّ بعضهما.[1]
ثانيا: الاعتقاد بعدم أهليّة الآخرين أخلاقيّا: وهو اعتقاد يُسنِد مبدأ التّقسيم على تصوّر الجماعة المختارة للمجموعة الأخرى باعتبارها منبوذة للاعتقاد السّائد بأنّ أعضاء تلك المجموعة غير مؤهّلين أخلاقيّاً ما يصنّفهم في خانة تنزع عنهم صفات البشر فيجعلهم لا يتوفّرون على الحدّ الأدنى من السّمات الضّروريّة للمشاركة أو لقيادة المجتمع باعتبارهم ناقصين بالفطرة يفتقرون للضّروريّ مثل الذّكاء، التّعليم، الشّخصيّة الأخلاقيّة، المزاج، العقيدة الدّينيّة أو الانتخاب الإلهيّ. ويُنظَر إليهم بالتّالي كما يوضّح تاكاكي[2] وفريدريكسون[3] بمرتبة الحيوانات، الوحوش، الهنود، البربر، السّود، الكفّار وخدم الشّيطان. ومن المهمّ أن نلاحظ هنا أنّ الجماعة التي تعتبر نفسها مختارة فتمارس العنف ضدّ غيرها تحدّد بنفسها المواصفات الخاصّة بها، وتعتبر أنّ المجموعة المستهدفة بعنفها لا تمتلكها.[4]
ثالثا: عقيدة المعيار المزدوج: وهي نتيجة طبيعيّة لما سبق بعد وسم الآخرين بعدم الكفاءة ووضعهم من قبل "المختارين" موضع الحيوانات خارج مجتمع الكائنات الأخلاقيّة. فالجماعة المختارة تُعمِل معيارا مزدوجا؛ لنظم العلاقات البينيّة في صوف أعضائها الذين تعتبرهم ممثّلين للمجتمع الأخلاقيّ، ثمّ لتحديد العلاقة بأولئك الذين هم خارجها ممّن لا تعتبرهم بشرًا. وتستبيح بإعمال ذلك المعيار المزدوج وغير المنصف في التّعامل مع الآخرين الذين تتصوّرهم مخلوقات غير بشريّة بدون حقوق لا يستحقّون المساواة أو الحرّيّة أو العدالة أو المسؤوليّة أفعالا جرميّة مثل القتل، التّشويه، سلب الحرّيّة، والاقتلاع والإبعاد، ثمّ الإبادة الجماعيّة .. غير أنّ الانتقال إلى هذا المعيار الثالث المتعلّق بالأفعال الجرميّة والهمجيّة يصير غير أخلاقيّ عندما يتعلّق الأمر بأعضائها ممّن تعتبر "مختارين" وأعضاء في المجتمع الأخلاقيّ.[5]
ويبني توجّس "الجماعة المختارة" من الآخرين الذين تسمهم بالعجز عن قبول الأخلاق والتّصرّف وفقاً لمبادئها جدارا سميكا يحول دون القبول بالحوار معهم بوصفهم بشرا يستحقّون المعاملة بالمثل، ويمنع من إقامة علاقات متوازنة ومنصفة معهم تتخطّى واقع الاختلاف والمغايرة فتحكم عليهم بالتّوحّش والعداوة المطلقة. فتقيم على أساسه الفاصل نظريّة لاهوتيّة ميتافيزيقيّة، معرفيّة أو بيولوجيّة، نفسيّة أو سلوكيّة، سياسيّة واقتصاديّة تكون ذات مضمون أسطوريّ متعالٍ يسعى لتبرير ما تقيم من حواجز وتبني من معايير مزدوجة، وهو ما أفضّل أن أسمّيه إطارا أيديولوجيّا.
رابعا: عقيدة الجماعة ورسالتها: وتستند في الغالب إلى صياغة تنطلق من تأويل النّصّ المقدّس تأويلا قد يكون في أحيان كثيرة متعسّفا يلوي عنق "الأمر الإلهيّ" ليمنح الأعضاء مهمّة تدخل ضمن مقتضيات الواجب المقدّس. فيصبح لازما على أولئك الأفراد في المجموعة المختارة القيام بأي نوع من أنواع العنف ضدّ الآخرين تحت شعار "الحرب المقدّسة"، أو "الدّفاع عن الحرّيّة". وتحيط الأفراد الذين يضحّون بحياتهم في القيام بهذا "الواجب" بالتّكريم فتعتبرهم أبطالا ستتمّ مكافأتهم في الحياة الأبديّة بالنّعيم المقيم.
خامسا: الوضع في صراع مقفل لايقبل التّنازل أو المصالحة كما لا يقبل التّعايش: فقد تكون الأمور الدّينيّة في بعض الأحيان بما فيها وضع الأراضي المقدّسة، أو أماكن العبادة، أو الطّقوس هي القضيّة مصدر الصّراع. يمكن أن تعتبر المجموعة المختارة مصدر النّزاع تهديدًا مميتًا فتصوغ عرضه بطريقة استبداديّة بعبارات مقفلة: "إما/أو"؛ "يجب تصفية واحدة من الاثنين سواء لنا أو لهم"! بالطّبع لا توجد هناك صراعات تستعصي على الحلّ بشكل نهائيّ ومطلق إذا كانت السّلطة السّياسيّة في المستوى التّاريخيّ والمكانة الاجتماعيّة والثّقافيّة المعتبرة. [6] لأنّ الأطراف الثّالثة لا تفسّر القضايا بمثل هذه الشّروط المطلقة ولا تتّفق على العموم مع المطالب المتطرّفة لأيّ من الطّرفين. وتجدر الإشارة في هذا السّياق إلى أنّ أطرافا محايدة هي من خارج الجماعتين غالبا ما تفشل في فهم القضايا الأساس التي تعتمد على التّصوّرات وتستند إلى الأيديولوجيا إن لم تكن مهتمّة بعقائد الجماعات المتطرّفة مطّلعة على مذاهبها. ونتيجة لذلك، فإنّها تميل إلى التّقليل من حدّة الشّغف والعاطفة (العنيفة) التي تميّز مواقف الأطراف المتخاصمة تُجاه بعضها، وتهوّن من قوّة إيمان كلّ منها بالأيديولوجيّة الخاصّة. إنّ الفشل في إيلاء الاهتمام الكافي بالخلفيّة الأيديولوجيّة لصراعات تثير العنف يفسّر رواج تلك التّفسيرات الاختزاليّة التي لا ترى فيها سوى مستوى من مستويات الصراع على المصالح، أو وجها من أوجه الصّراع غير الأيديولوجيّ ممّا يشكّل موضوعا للدّراسات الاجتماعيّة.[7] ومتى ما فحصنا ما تمّ تصويره للتّوّ من مقدّمات للإطار الأيديولوجيّ، يتّضح أنّ الطّريق المسدود لا مفرّ منه لأنّه عبارة عن حتميّة تمّ تصميمها أيديولوجيّا لكي لا يُسمح منطقيّاً بالتقاء العقول، وحتى لا تُتاحَ الفرص للحوار والتّعايش، للسّلم والاحترام المتبادل.
ترسم كلّ مجموعة مختارة خطّا فاصلا بشكل حادّ ومطلق بينها وبين غيرها؛ وإن كانت المجموعات الأخرى تعتبر نفسها مختارة أيضا فسيكون هذا الموقف متبادلا بينها. ونتيجة لذلك، فإنّ الاختلاف والعنف بين المجموعتين سيكون مستعصيا على الحلّ أقلّه على المستوى الأيديولوجيّ. وفي التّحليل النّهائيّ، فإنّ الاستعصاء يأتي من حقيقة أنّ كلّ جماعة مختارة تبني لنفسها نظاما قيميّا محكم الإغلاق يستثني تلقائيّاً عن قصد ولأسباب منطقيّة لكنّها غير مشروعة أعضاء المجموعات الأخرى من حقوق وجوديّة كحقّ المشاركة وحقّ الحرّيّة وحقّ المساواة. وإلى جانب مبانٍ أخرى، فإنّ منطق الحجّة هنا يجعل الآخرين أهدافاً طبيعيّة و "مشروعة" للعنف الجماعيّ. وبالنّظر إلى ذلك، فإنّ هذه النّتيجة لا يمكن اجتنابها لأنّ القضيّة منهجيّة في الأساس. تستحق المناقشة بما تلقي من ضوء على الجانب المنطقيّ في إثبات الفارق المميّز للعنف الجماعيّ عن غيره من أنواع العنف والإكراه.
من وجهة نظر منهجيّة عند النّظر في الإطار الأيديولوجيّ تغدو العودة إلى عقيدة عدم الأهليّة الأخلاقيّة مهمّة لما لها من عواقب أخلاقيّة وسياسيّة واجتماعيّة وخيمة حينما تفترض وجود انقسام حادّ بين من تصف بالكفاءة الأخلاقيّة ومن تنفي عنهم ذلك الوصف. فتضيّق بهذا التّقسيم الافتراضيّ معايير "المعرفة الأخلاقية".[8] لتحدّدها بشكل تعسّفيّ وحصريّ يجعل المسؤوليّة والفضيلة مشروطة بقدرة الشّخص على السّلوك الأخلاقيّ وبقدراته "الفكريّة" على "المعرفة" الأخلاقيّة. كما يجعل طريقة إنشاء هذه القدرة والتّحقّق منها قضيّة حاسمة من وجهة نظر الأخلاق. فالمهمّ هنا هو الإجابة عن السّؤال المتعلّق بمعايير تحديد الكفاءة وعدمها، وبطبيعة ومصدر "المعرفة" الأخلاقيّة. حيث إنّه إن غلب الاعتقاد بأن هذه المعرفة تأتي من الله، فإنّ الكفاءة تعتمد حينئذ على المؤهّلات الماورائيّة مثل الاختيار الإلهيّ، أو الإيمان، أو العضويّة في جماعة ملّيّة أو مذهبيّة. وإن غلب الاعتقاد بأنّها تتأتّى من الاعتماد على الحدس الذاتيّ وعلى الحقائق الواضحة، فإنّ الحصول على الأهليّة يصبح في الواقع حكرا على الطّبقة المتوسّطة والفئات المتعلّمة فيكون أولئك الذين ليست لديهم هذه البديهيّات في حكم غير المؤهّلين أخلاقيّا!. نعم، هناك أمثلة أخرى لكنّي أقتصر على هذين المثالين لأنّهما كافيين لتوضيح هذه النّقطة. [9]
من النّاحية الفلسفيّة، يمكن تسمية المقولة المنهجيّة التّأسيسيّة التي تتضمّن التّمييز بين الكفء وغير الكفء بـ "المطلق" الذي يستند عموماً بأشكاله العديدة إلى افتراض منطقيّ يجعل الأخلاق نظامًا مغلقًا بإحكام (ومستقلاّ)، تُعرَف مبادئه الأولى بأنّها ليست مفتوحة للنّزاع أو التّحدّي من الخارج، ولا للمناقشة من قبل أشخاص من تقاليد أخرى، أو من قبل أشخاص غير متعلّمين يجهلون أسسه مبادئه وغاياته. لأنّ النّظام الأخلاقيّ المطلق يستند إلى المقدّس والمتعالي، وغير قابل للمناقشة والدّحض.[10] والملاحظ هنا أنّ أشكال الإطلاق المنهجيّ الذي يستلزم عدم المناقشة والدّحض عنصر أساس في الإطار الأيديولوجيّ للعنف الجماعيّ، لأنّ مبادئه الأولى بالإضافة إلى "الحقائق" و"التّفسيرات" والأساطير والتّأويلات لا تحتمل الطّعن، وهو ما يفسّر استعصاء العنف الجماعيّ وتعنّت الجماعات المتورّطة فيه.
باختصار شديد، هناك نوع معيّن من المبادئ المؤسّسة لأنماط التّفكير الكامنة وراء العنف الجماعيّ التي تشكّل بنية تجعل ادعاء الأنصار منيعا وغير قابل للمناقشة والطّعن، أو الرّدّ إمّا بحجج مضادّة، أو بالمناشدة والدّعوة إلى التّعقّل ومراعاة المصالح المشتركة، أو بالتّهديد، أو بأيّ من "الاعتبارات الواقعيّة".
وأودّ أن أضيف بعض الملاحظات حول أهمّيّة هذا النّوع من التّحليل يتعلّق بافتراض أساس لهذه الدراسة مفاده أنّ الأفكار مهمّة ليس فقطّ أفكارنا الخاصّة التي نعتقد أنّها معقولة وصادقة. ولكن أيضًا أفكار الآخرين، تلك الأفكار التي نميل إلى استبعادها باعتبارها سخيفة أو خرافيّة أو خطيرة. إنّ أنظمة القيم التي تشتمل على أفكار سواء كانت صحيحة أو كاذبة، وسواء دفعت النّاس إلى مساعدة الآخرين أو إلى إلحاق الأذى بهم، تعتبر مجالًا مهمًّا للتّحقيق، ليس فقطّ لأسباب عمليّة وسياسيّة واجتماعيّة، ولكن أيضًا لأسباب علميّة أكاديميّة فلسفيّة وأخلاقية.
ينبغي أن ندرك أنّنا حين نتجاهل أفكار الآخرين فإنّنا نتجاهلها على مسؤوليّتنا، وهذا يعني أنّ التجاهل لا يطال القول فقطّ، ولكنّه يطالنا أيضًا ـ وهذا هو الخطير ـ الإطار المنطقيّ والاتّساق المتأصّل في التّفكير. إنّ الموقف المتعجرف تُجاه أفكار الآخرين ليس فقطّ غير واقعيّ وخطير، بل لأنّه أيضًا غير أخلاقيّ.
فالمؤكّد يقينا أنّ المنهجيّة الدّقيقة التي يتعيّن اتّباعها عند التّحقيق في هذا النوع من المسائل معقّدة تتطلّب نزاهة فكريّة، مسؤوليّة أخلاقيّة، وتجرّدا وحرصا على طلب الحقيقة. لا يفعل النّاس في كثير من الأحيان ما يصرّحون بأنّه من المتعيّن عليهم فعله؛ فهناك نوع من الانزلاق والنّفاق الذي يجب أخذه بعين الاعتبار، إذ لا يتطابق السّلوك دائمًا مع النّظريّة هذه حقيقة. وبصفة عامّة، ينبغي أن تُترَك تلك المسافة الضّروريّة للتّحليل، حتى لا تؤثّر الآراء والمواقف الشّخصيّة في البحث فينعكس السّلوك السّياسيّ والاجتماعيّ سلبا على التّعامل مع الحقائق الميدانيّة والتّجريبيّة. فهناك أسئلة تنطوي على التّمييز بين أفكار النّاس الواعية والمعترف بها صراحة، وبين تلك التي تنطوي عليها ضمنا أنماط حياتهم، وعاداتهم، ومؤسّساتهم. فالحاجة تدعو طبقا لاقتراح لاد[11] إلى منهجيّة تعيد بناء الاعتقادات المؤسّسة والمعتقدات غير المعلنة لخلق الرّوابط المتّسقة، المنطقيّة والضّروريّة بينها.
أرغب في أن تلامس خاتمة هذه المقالة بجدّ تلك العلاقة الأخلاقيّة الأكثر صرامة التي تدور حول هذه الصّورة، مع أنّه قد ينظر البعض إلى الموقف المعتمد هنا على أنّه نسبيّ، ليكن ذلك، فهو ليس نسبيًا بالمعنى الشرير، بل هو بالأحرى أمر حيويّ سيكون من الأفضل أن نطلق عليه غير مطلق، أو أنّه يكافح المطلق.[12] فمن الاعتبارات الهامّة حول منهجيّة الأخلاق ما هو وثيق الصّلة بهذا السّؤال في أيّ حجاج أخلاقيّ أعتبره مكوّنًا رئيسا لحياة أخلاقية. حيث إنّ هناك طريقتين لنقاش الأفكار الخاطئة أو الشّريرة: طريقة تعتبرها حقّا أو واجبا، وأخرى تعارضها بتوسّل حجج أخلاقية مضادّة وهي على نوعين.
أوّلاً، نوع يستلهم الحجّة المضادّة المناقضة التي ترى أنّ أيّ فكرة خاطئة وغير مقبولة تتناقض بالضّرورة العقليّة والمنطقيّة مع الفكرة الأخلاقيّة التي تؤخذ على أنّها حقيقة. عن سبيل المثال تكون حجّة أنّ العنف ليس صحيحا لأنّه خطأ ينتهك حقوق النّاس، فيسمّى هذا النّوع من الحجّة المضادّة "دحضا".
ثانيا، وفي مقابل "الدّحض" هناك نوع آخر من الحجّة المضادّة يطلق عليه "التّفنيد"، ويقوم على الاستدلال بأنّ الفكرة الأخلاقيّة التي تتعرّض للهجوم تكون خاطئة وغير مقبولة باعتبار أنّ الافتراضات، والمعتقدات، وأسس المنطق الذي تستند إليه تلك الفكرة هي نفسها كاذبة لا أساس لها، ليست ثابتة وغير مجرّبة.
فحجّة الدّحض ترى أنّ الأفكار الشّرّيرة خاطئة لأنّها تناقض الأفكار الأخلاقيّة الحقّة. بينما ترى حجّة التّفنيد أنّها خاطئة لأنّ أساسها كاذب وقياسها فاسد واستنتاجها غير مجرّب. فحجّة الدّحض دوغمائيّة لأنّها تفترض امتلاك الأخلاق الصّحيحة، بينما غرض حجّة التّفنيد هو التّشكيك بقصد تقويض مصداقيّة موقف زائف.
إنّ المباني المستعملة في الدّفاع عن العنف الجماعيّ عادة ما تكون معيبة بشكل دائم، وهذا يوفّر أساسا للتّفنيد لا نحتاج معه إلى الاستفادة من المباني المأخوذة من الأخلاق أو من نظام القيم الخاصّ بنا لدحض أخلاقيّاته. ومع ذلك، فإنّه لدحض وتفنيد أخلاقيات معيّنة تلزم المعرفة كما يلزم الفهم للوصول إلى تحليل مفصّل للموقف الأيديولوجيّ الذي تقوم عليه لاسيما وأنّ النّجاح في دحض أخلاقيات العنف الجماعيّ يتطلّب الكثير من العمل الشّاق!
***
الدّكتور عليّ رّسول الرّبيعيّ
............................
[1] Horowitz,D., Ethnic Groups in Conflict, Berkeley, Calif, University of California Press. 1985.
[2] Takaki, , Ronald T., Iron, Cages, Race and Culture in Nineteenth Century America, Seattle, Wash, University of Washington Press. 1979.
[3] Frederickson, G,M,The Black Image in the White Mind, Middletown, Conn, Wesleyan University Press, 1987.
[4] Walliman and Dobkowski, Genocide and The Modern Age, Ethology and Case Studies of Mass Death, New York, Greenwood Press. 1987, Pp.14-15.
ويقدم Horowitz وصفا تجريبيا مثيرا للاهتمام حول كيفية تحديد الأفراد كأعضاء في مجموعة.
Horowitz, 1985. PP.66-48.
[5] Frederickson, 1987.
[6] Laqueur,W., and Alexander,Y., eds, The Terrorism Reader, New York, NAL Penguin, 1987, P.149.
[7] Horowitz, 1985,P.131.
[8] أنا على دراية بمخاطر استعمال تعبير "المعرفة الأخلاقية". "أنا لا أنوي التوسل بأي أسئلة تحليلية هنا. غرضي الوحيد في استعمال المصطلح في هذا السياق هو التعبير عن الإحساس القوي بالإدانة واليقين. التي تميز التزامات الشخص الأخلاقية على النقيض من على سبيل المثال معتقدات هذا الشخص وآرءه وأفكاره. كما أستعمل المصطلح هنا، بمعنى نسبي فـالمعرفة لدى الأفراد والجماعات قد تتناقض مع بعضها البعض.
[9] Ladd, J., ‘The Poverty of Absolutism.’ In Timothy’s., ed, Edward Westermarck: Essay on His Life and Work, Philosophia Fennica, Helsinki, Societas Philosophica Fennica, 1982.
[10] Ladd, J, ‘ Politics and Religion in America, The Enigma of Plurilism.’ In Roland, P., and Champman,J., eds, Religion , Morality and the Law, Namos 30, New York, New York University Press, 1988.
[11]Ladd., Structure of Moral Code, Cambridge, Mass, Harvard University Press,1957.
[12] Ladd, J., 1982.