أقلام ثقافية
زهراء ماجد: اعترافاً بالحنق

إننا هنا، على مشارف الساعة الخامسة والعشرين، حيث لا مجال للعودة الى الذات فهي اللحظة التي تسقط فيها كل الاعتبارات البشرية، ويساق عندها الانسان الى مصيره المنحوت من قبل السلطة، فنروم السير طوعاً نحو أروقة فسيحة، مكتضة، تهيأ لاجسادنا الحركة والمرور وتضيق على عقولنا أفاق التأمل والفكر، انها اروقة الوهم، تظن أنها ستصل بك الى مرادك ولكنها تمدد نفسها كلما دنوت من وصل نهايتها ولأن جزء منك من طبيعتها فلن تستطيع مقاومة أمتدادها فتتمطط معها كينونتنا فنصير ذواتاً ألية بأفراط حتى نظل نسعى الى الامتداد، وننسى حقيقة اننا ذوات مبصرة ايضاً.
أدر ببصرك نحو جوف رأسك، ماذا ستجد؟
ستسكن في لحظة مقتطعة من زمان ما تصور لك عالماً لطالما شعرت بالحنين أليه، تظن أنك تسعى لبلوغه، ولكنك تسعى الى طويه في بعده الخاص، يظل شاذاً غريباً عن رواقك المعتاد تحاول جاهداً ان تعود اليه في لحظة من الزمن الالي، الا انها تتقاطع مع خاصية ذلك الزمان، فتستمر في تمطيط ذاتك برواق الوهم، متأملاً ان تعود الى لحظة الابصار المباغتة التي تضمحل حالما تصل نهاية الرواق عند باب المؤسسة، الذي ينقلنا الى بعد ثالث من العالم، وهو الوضاعة.
ينتزع عنا اصالتنا طوعاً منا بطريقة لا واعية، قد تجد ان الطواعية واللاوعي لا يتفقان، ولكن عالم المؤسسة لا يخضع لشروط العالم الطبيعي، انه منظومة تقوم على مبدأ الرثاثة الذي يتحول الى غريزة انسانية لا يمكن مقاومتها تحاول جاهداً ان لا تنصاع الى قانون الوضاعة الا انها الرثاثة غريزة الانسان المؤسساتي، فهي اشد فتكاً من غرائز الجسد التي مقتها افلاطون في جمهوريته، تسجننا الرثاثة في جوفها بين اعمدة متهالكة ومساحات فقيرة نصل بواسطتها الى لحظة المماهاة اللاواعية، نظل فيها ساعات نتبادل احاديث رثة، تمر عليك روائح رثة وتحاصر بوجوه مقفرة غادرها الدفء كأنها بقايا أرواح اجهضت تحت وطأة الرثاثة.
ثم تنظر الى الرواق فتعود اليه وعندما تخرج تتذكر ذاتك المبصرة تراها تنظر أليك خارجة عنك لم تعد في جوف رأسك، تريد وصلها ولكن الرثاثة انهكت جسدنا، عقولنا، معدتنا، معاييرنا بمجملها، فتدير ببصرك عن كينونتك لأنك في أرتباط رسمي مع الرثاثة المؤسساتية فهي وبأستعارة من بودلير:
شيطان يضطرب بغير انقطاع الى جانبي
يسبح من حولي كهواء لا يمكن لمسه
فابتلعه وأحس به يلهب رئتي
ويلمؤها شهوة أثمة أزلية ...
***
زهراء ماجد