أقلام ثقافية
ثامر الحاج امين: المسكوت عنه في السينما

منذ ظهورها في أواخر القرن التاسع عشر تمكنت السينما من أن تكون رافدا ثقافيا موازياً للآداب والفنون وعاملا مؤثرا في حياتنا وثقافتنا وذائقتنا، فقد تصدت السينما ومنذ وقت مبكر للمشكلات الاجتماعية التي تنخر بنية المجتمعات على مختلف مستوياتها الثقافية والاجتماعية كما سعت للدفاع عن حقوق الانسان ودعم قضاياه من خلال تنوير الرأي العام والتوعية بالمظالم الاجتماعية التي يعاني منها خصوصا التي ظلت بعضها مهملة في دائرة الظل، فقد اسهمت السينما في تسليط الضوء على معاناة الانسان ودعت الى ضرورة التعامل معها بجدية ومسؤولية والتحذير من اهمالها ومنها المتعلقة بنوازع النفس البشرية وحاجاتها الملحة خصوصا التي تعاني منها المرأة، ومن بين الأعمال السينمائية التي كشفت عن خفايا وكواليس المجتمعات هو فيلم (النوم مع العدو Sleeping with the enemY) من انتاج امريكي عام 1991 والمأخوذ عن رواية بنفس الاسم للكاتبة الانكليزية "نانسي برايس" كانت قد صدرت عام 1987 ومن اخراج الامريكي "جوزيف روبن "، فهذا الفيلم يسلط الضوء على قضية معاصرة لم تنل الاهتمام الكافي من لدن التشريعات والاهتمام المجتمعي على حد سواء ألا وهي فشل بعض العلاقات الزوجية بسبب التفاوت بين طرفي هذه العلاقة سواء ما يتعلق بمستوى الوعي او الفارق في السن او في المستوى الاجتماعي والطبقي، ذلك ان العلاقة غير المتجانسة سرعان ما تبرز عيوبها وتأخذ بالانهيار بعد وقت قصير من قيامها، فالفيلم يتناول قصة حب جمعت بين الشابة الجميلة (لورا) التي ادت دورها الممثلة الأمريكية "جوليا روبرتس " و(مارتن) الذي مثل دوره الايرلندي "باتريك بيرجن " وتتكلل بالزواج الذي لم يدم طويلا بسبب ان الزوج لم يكن يمتلك من المؤهلات اللازمة لأداره العلاقة الزوجية سوى الثروة حيث يظهر الغرور والفظاظة والمعاملة السيئة على شخصية الزوج المتسلط ويعامل زوجته بعنف ووحشية ويعتدي عليها اضافة الى الشك المفرط بها، لتصل الزوجة لنقطة تستعد فيها لفعل أي شيء مقابل التخلص من حياتها البائسة وتؤدي هذه المعاملة الى تدهور العلاقة بينهما بعد وقت قصير من ارتباطهما الأمر الذي يدفع الزوجة الى التمرد والهروب الى مدينة اخرى تتعرف فيها على شاب لديه اهتمامات ادبية وفنية وتشترك معه في العديد من الطباع ويبادلها الحب بكل صدق وانسانية لكن شبح علاقتها القديمة يبقى يؤرقها ويطاردها .
الفيلم فيه من الاسرار والتفاصيل الممتعة على صعيد الاثارة والتشويق التي تكشف عنها المفاجئات وكذلك في الجانب الفني المتمثل بموسيقاه التصويرية التي فازت بجائزة مهمة كما رشح الفيلم لجائزة من اكاديمية الخيال العلمي، يشير الفيلم الى حقيقة هي ان العدو ليس بالضرورة هو الذي يحاربك ويقتلك بالسلاح الفتاك، انما هناك طرق وادوات اشد فتكا ومنها الزوج الذي يصبح مجرما حينما يقتل رغبات زوجته بالإهمال والعجز في تلبية حاجاتها الانسانية، كما هو اناني حين لا يفكر الاّ بنفسه وذلك عندما يقترن بشابة بينه وبينها بون شاسع في العمر والنشاط دون التفكير بما ستملي عليه السنوات اللاحقة من حاجات يكون غير قادر على تلبيتها، لهذا يصبح النوم معه اشبه بالنوم مع عدو . فيلم يتحدث عن المسكوت عنه في واقع المجتمعات الذي يخبئ الكثير من الاسرار التي لا يمكن البوح بها خاصة في المجتمعات التي يسودها نظام اجتماعي صارم .
***
ثامر الحاج امين