أقلام ثقافية

سُوف عبيد: حكايتي مع السّد

من المكتبات التي لها فضل عليّ مكتبة ـ عم علي الساسي المطوي ـ رحمه الله وهي كائنة بالقرب من جامع الزّيتونة وقد كنت أمرّ أمامها كل يوم في طريقي إلى المدرسة الصادقية منذ سنة 1964 فاِسترعى اِنتباهي عندما رأيت أوّل مرّة الكتب المرتّبة بإتقان عند مدخلها وكنت أقتني منها كتب جبران خليل جبران وميخائيل نعيمة وإيليا أبي ماضي ثمّ دوواوين نزار قبّاني لمّا وصلت إلى تونس في منتصف الستينيات من القرن العشرين وأذكر أني اِقتنيت منها كتاب السّد لمحمود المسعدي في طبعته الأولى بمقدّمة الأديبين الشاذلي القليبي و محجوب بن ميلاد والذي سيكون أحد الأساتذة الكبار الذين كان لي شرف الجلوس أمامهم في كلية الآداب بتونس وقد تجشّمت قراءة سدّ المسعدي عندما جرى الحديث عنه بكثرة في تلك الأيّام فعزمت عليه وأنا لم أتجاوز الخامسة عشرة من العمر
*
كتبت حينها على صفحته الأولى هذه الفقرة التي لا أصدّق الآن أنّي كتبتها لولا أنها بخطّي حيث قلت (أرجو أن أفهم هاته الرواية...لقد سمعت عنها الكثير...إنها غامضة ...غير واضحة...مجرد هذيان قام به محمود المسعدي ولكن سأحاول فهمها ولو قرأتها آلاف المرات...لأني منذ الآن لم أتناول كتابا ولم أفهمه ...سأفهمه وسيكون واضحا بحول الله...وسيكون الاِنطلاقة الكبرى في حياتي الأدبية الخالدة في 12 ـ 1 ـ 1967)
*
رحم الله عم ـ علي الساسي المطوي ـ فقد كان يتركني بأريحية أن أتصفّح الكتب الجديدة وأقرأ منها ما تيسّر لي ودائما كان يخفّض لي من سعرها
وبجانب مكتبته مكتبة أخرى كانت تبدو على غاية من الفخامة بكتبها المجلّدة الكبيرة على جانبيها ويقابلني صاحبها بزيّه الإفرنجي الأنيق وطربوشه مدخّنا سيجارته وهو جالس في صالونه بجانب مكتبه الكبير غير عابئ بالمارين وكنت أرى معه أحيانا جمعا من الرّجال الكبار المحترمي الهيأة يخوضون في حديثهم وقد علمت بعدئذ أنه مجلس ضمّ بعض الأدباء والمثقفين الكبار في ذلك العهد من بينهم محمد المرزوقي والجيلاني بالحاج يحي ومحمد اليعلاوي ... ويدلف إليهم أحيانا رجل يحمل رزمة من الكتب يبدو أنه يبيعها بالمزاد جيئة وذهابا بين تلك المكتبات التي كانت قريبة من جامع الزيتونة أما اليوم ومنذ سنوات عديدة فقد اِندثرت أغلب تلك المكتبات مثل بقية أخواتها في شوارع باب البحر وتحوّلت إلى محلات لُمجات خفيفة وغيرها من دكاكين الملابس والاِستهلاك السّريع
ذاك زمن جميل بأحلامنا وطموحاتنا رغم ما عشنا فيه من خيبات ونكسات
***
سُوف عبيد - تونس

 

في المثقف اليوم