أقلام ثقافية
شمس الدين العوني: فسحة جمالية.. في تجربة الفنان التشكيلي ماجد زليلة
الفن.. تلك الفكرة القائلة بالجمال تقصدا للكامن في الذات من هواجس وأمزجة في كثير من ضروب التعاطي حيث الذهاب عميقا باتجاه اليانع والخصب والأنيق والبشع والممكن جماليا لأجل الافصاح عن الأحوال والعناصر والتفاصيل وهي تغدو الى ما تفكر به وفيه شواسع الكائن الناظر والمتأمل تأويلا وبحثا...و حلما..ونعني الفنان...
وهكذا هي الفسحة في العوالم حيث الرغبة الجامحة في تحويل الأمكنة الى علبة تلوين مثل أطفال يمرحون تحت سماء وقبالة بحر في زرقة تكللها موسيقى البراءة..و الفن هو تلك اللعبة البريئة تجاه الآخرين في قصدية باذخة للقول بالأشياء في شفافيتها العالية وجودة ايقاعاتها الخافتة والصاخبة ..كل ذلك دفعة واحدة ..فكأن الريح مجال سفر والقلق عنوان متعة لا تضاهى..
انها فكرة الترحال في المكان الواحد..و في الأمكنة وديدن الفنان هنا وغنمه الهائل الانصات لعناصر الكون الفارة من كينونته ليطاردها في غنائه المسترسل مثل فراشات من ذهب الأزمنة..أزمنة متداخلة وأمكنة ضاجة بما يسر وما هو محزن غير أن الجامع بين معانيها شجن معتق نابع وقادم ومقبل من مهجة هذا ...الفنان.
و الفن فنون وهذا يمسح في الأهمية والعناية والدراسة كل ضروب الفن ومنها وما يعنينا هنا هو التشكيل..الفن البصري..الابداع الفني التشكيلي وهو مجال مخصوص تتداخل فيه الأحاسيس لتمتزج بالفكرة المراد قولها في مناخات من دأب والوعي والحرص والبحث الدؤوب...كل ذلك تجاه ذات فنانة وآخرين ينظرون كما ينظرون للمنجز الفني ..و للعالم..هذا المتحول والمربك في متغيراته ليأخذ الفن والفنانين الى مختلف مناطق تحولاته بأسئلتها وحيرتها الدفينة...
في هذا السياق من فكرة الفن العارمة والطافحة بالعناء والمراكمة بحثا وتجريبا وخروجا عن المألوف للقول بالمبتكر أسلوبا وجمالا وتخييلا نمضي مع تجربة فنية تشكيلية عبرت منذ بداياتها عن مسار محفوف بالمغامرة لتقود المتقبل الى الآفاق حيث نقطة الذهاب الأولى المدينة الكامنة في القلب والشواسع بجمال مياهها والنخيل..هي الجزيرة قرقنة..
الفنان التشكيلي هو من ربوعها ونعني ماجد زليلة الذي انطلقت تجربته بروح طفل وهو ينظر للأشياء والحياة والعوالم نظرات فنان حالم حيث تطورت التجربة عبر ذهاب السنوات ولازمها الحلم لتكون الرحلة الفنية بين أروقة تونسية ومعارض الى فضاءات فنية متعددة في العالم وهو بذلك يعلي من شأن رغبة وشغف شديدين تجاه فنه ..و في ذاته شيء من الحلم ...
تميزت أعمال الفنان ماجد زليلة بمسحة من تخييل ومرح في نظرة ساخرة وقائلة بجمال التعاطي مبتكر لونا مخصوصا لشخصياته المرئية التي يستعيرها من الواقع ليعيدها للمنجز الفني في هيئات مختلفة وبجمالية يرى من خلالها المتلقي للأثر الفني شيئا من ذاته وحالاته وأنفاسه ضمن المجتمع بأطياف ثقافته ووعيه وشجنه ..انها لعبة الفن في كون من الدعابة المبهجة والمؤلمة في آن بوعي الفنان ورؤيته للفن من رسم خطي وتلوين وابراز بليغ عبر المجسم والتوظيف من خلال استثمار الديكور وما أهمل أو تم نسيانه وصولا الى المحامل المتعددة كا الصالونات والدراجات والسيارات حيث يخرج علينا ماجد بسرديته الجمالية التي تعيد للأشياء وظائفها الجديدة فضلا على الافادة من الأمثال والمتخيل العام والتراث من ذلك الدراجة النارية " الموبيلات " التي كان لها حضور مكثف كوسيلة نقل في السبعينيات وخاصة في صفاقس وقرقنة ليضفي عليها عملا فنيا يبرزها كحاضنة جمالية وشعبية من خلال المثل الشعبي المتداول في قرقنة وصفاقس حيث رجل وامرأته في سفر ومستلزماته التقليدية آنذاك..
هذه الفكرة الفنية كررها بروح ابداعية مغايرة ماجد زليلة وخاصة مع آلات الموسيقى والأواني والصواني والدمى الروسية والخزفيات وآلة الخياطة والكراسي وخزانة الجدة والأكواب حيث كان ذلك في معرضه الممتاز بفضاءات قصر دار التركي الأنيقة بسيدي بوسعيد حيث الفن بعناصر جماله في اطلالاته الباذخة على البحر.
زليلة..فنان بروح طفل وبخيال سفر وبموهبة متمكن و...بقلق فنان لا يقر له قرار ولا يقنع بغير النشيد...انه نشيد الفن وهو يأسر الذات بشواسعها وعنفوان توهجها تغمره حالة قصوى من الدعابة وهو يفكر في عمله الفني وكذلك عند انجازه وأيضا وهو يتجول بين الأمكنة والعواصم والمدن التي زارها ويزورها باثا فيها شيئا من أحاسيس وكلمات ومعاني فنه الذي يمتزج فيه سحر الخطوط والتلوين نحو فضاء تشكيلي معبر وتحتشد فيه المعاني وعباراتها المتعددة..كل ذلك وفق شخصيات محورية فردية ومتعددة التي هي أساس العنوان والترجمان في اللوحة والعمل الفني لديه.
ماجد زليلة من مواليد 3 جانفي 1981 بتونسو هو رسام وفنان خريج المعهد العالي للفنون والحرف بصفاقس قدم العديد من المعارض الفنية الخاصة الى جانب مشاركاته في المعارض الجماعية وذلك في تونس وخارجها وهو يعرض بانتظام في قاعات العرض المتعددة حيث شارك في معارض جماعية بدار الفنون بالبلفدير، قصر العبدلية وبمتحف قصر خير الدين كما أنه عرض فرديا في مناسبات عديدة لنذكر مثلا معارضه الشخصية ب بفضاء دار الجلد وبرواق حدائق السلامبو الى جانب معارضه التي كانت باستمرار في Galerie Kalysté وخاصة خلال شهر جانفي سنة 2015 وله خلال سنة 2016 إقامة فنية في باريس.و نذكر أيضا تجربته المميزة في الرسم على السيارة وهي الجميلة هونداي .
هكذا هي لعبة الفن الأنيقة عند ماجد زليلة التي اقتحم بها ومن خلالها مجالات مفتوحة كالفضاءات العامة والشوارع ليبرز من خلال رسوماته شخصياته المتسلحة بالسخرية والبهجة وبالقوة والدعابة ..
فنان خبر نهجه الفني فغدا فيه لا يعنيه ضجيج الساحات والفنانين همه الذهاب عميقا في تجربته وفنه منذ خطاه الأولى تلك الشغوفة بالبدايات الملونة حيث كان طالبا للفنون مأخوذا بسير الفنانين الرواد والكبار لينشد معجبا بالرسام الإيطالي أميديو موديلياني الذي يرى فيه كونا فنيا مخصوصا من التعبير والاحساس ..و في هذا كله يواصل زليلة البحث والتجدد في مسار تجربته بتخير الفضاءات وصالات العرض وفق رغباته ومفهومه الحديث لها ولدورها في الفن والمجتمع ..تجربة متواصلة ضمن مسيرة مفتوحة تحلت بعديد الأعمال والمبتكرات والمشاركات في المعارض والترحال والسفر والانكباب بحزم على العمل والعزلة الجميلة والمولدة ليغرد خارج السرب..فنان مؤمن بما يتخيره من مواضيع وبه رغبة فادحة في التجدد في عالم فني لا يقبل الجمود والسكون ..تم اقتناء عديد الأعمال له فهو بفنه كون لنفسه أحباء ومقتنين من مؤسسات وخواص كما أنه نال عديد الجوائز والتتويجات.
الفنان ماجد زليلة ..تخير جمالي به قراءات متعددة ونظر من زوايا مختلفة حيث الفن في عمق بيئته ومجتمعه... وأحواله الجمة.
***
شمس الدين العوني