أقلام ثقافية
جمال العتابي: كوكب حمزة.. من يسمع شهقات طيورك؟
لم تشهد العاصمة الدانماركية كوبنهاگن تشييعاً مهيباً، بكثافة الحضور، وصدق المشاعر وحرارتها، كانت طوابير المركبات اصطفت واقفة تنتظر لحظة انطلاق المشيعين الى مقبرة اخضلّ شوكها بالزهر، واغتسل الندى بترابها.
كانت عيون المشيعين تبحث هي الأخرى عن بلاد تضم رفاتهم، هؤلاء المتناثرين في عواصم البكاء، الذين ضاعت أحلامهم، وتصدّعت بيوتهم، وانخرمت أعمارهم في: (ليت، أو عسى، و لعل، أو متى) وما من حيلة لهم وما من عزاء، موزعين كالشتات في بلدان الغربة، هؤلاء هربوا من قاتل يتوعدهم.
تأملوا ملامح هؤلاء، انه الخوف يرسم بصمته على الوجوه التي غادرها فرح العمر، سرقت الغربة أعمارهم، ليس لأحد ان يتذكر أي نعش أخير شيعوه، ومن القادم الذي يطوي الثرى جسده؟ انهم يكابدون لحظات الانتظار!
اختلط البكاء والغناء في مشهد تراجيدي لا يتكرر، من يفهم صوت الألم؟ صوت نحيب النسوة، يهبط ويعلو مع صوت يردده كوكب سماوي:
يمتى تسافر ياگمر واوصيك
والوادم البيها الألم تدليك
كان الجثمان أثناء النزول في الحفرة، والصوت يأتي مع الريح :
يافشلة الملهوف ويدور هله بمحطات
أحااااه ياديرة هلي
من يسمع شهقات الطيور وهي ترفرف تحمل روحك يا كوكب، تتضور من وجع، انها تغني قبل الرحيل الأبدي، تجهش في البكاء : دعوه كما يشتهي الآن يغني!
تمدّ لها كفاً.. وكفاً لفجر الضياع، آه يا طائر الحزن كم نصبوا شركاً لاغتيال طيورك يا زهير!
دعوها تطير بسلام.. ترفرف بأجنحتها فوق ترابي قبل أن يصير حجراً صلداً بلا روح.
دعوا الطيور تحلق ما تشاء، وأنى تشاء، تغزل عشاً لها في أغصان الورد من حولي...
فورد الحدايق لا يذبل يا نجوى!!
لا أحب الضجيج، انتما يا صديقيّ (زهير الدجيلي، وذياب كزار " ابو سرحان") كونا دليليّ إلى غابة الزيزفون، انتما تعرفان المنافذ، ومفازات المقابر، حيث أرقد هناك.. أعزي رفاق الطريق، وأغوي النساء، وألم شظايا الروح المبعثرة.
***
جمال العتابي