أقلام ثقافية
طه جزّاع: قصة مجلد «زوراء»
حرصتُ ومعي عدد من الزملاء للحصول على مجلد أنيق وجميل ضم بين دفتيه الأعداد المائة الأولى من جريدة “ زوراء” التي صدرت في العهد العثماني أيام الوالي المتنور مدحت باشا، وعُدَّ صدورها لأول مرة في حزيران 1869 م عيداً للصحافة العراقية. وقد أوفى الزميل يحيى الزيدي بالوعد الذي قطعه لنا بأنه سيتواصل مع مركز ژین للتوثيق والدراسات في السليمانية، وهو الجهة التي قامت بنشر المجلد ضمن مشروع مشترك مع مكتب التفسير للطبع والنشر للحصول على نسخة منه لكل منا، وخلال بضعة أيام كان المجلد في متناول أيادينا.
يمكن اعتبار مجلد اعداد “ زوراء “ في سنتها الأولى، من أواخر الأعمال المهمة التي أنجزها المؤرخ الكبير عماد عبد السلام رؤوف، فقبل يوم من وفاته كما تخبرنا كلمة المركز كان قد اطلع على صورة صفحة منظفة مسحوبة للجريدة ففرح بها كثيراً لأن الصفحة الأصلية لم تكن بمثل هذا الوضوح الذي جاء نتيجة جهود ومحاولات كوادر فنية متخصصة استغرق عملها نحو سنة قامت بتنظيف المستنسخات الإلكترونية غير الواضحة بسبب ما علق بها من بقع وحبر منشور على صفحاتها، غير أن المفاجأة كانت في وفاة الدكتور عماد في اليوم التالي الجمعة السابع عشر من حزيران 2021 بعد يوم واحد من اطلاعه على تلك الصورة، إذ لم يمهله القدر ليتابع ويرى نتاج جهده في فهرسة الأعداد المائة ودراستها منذ أن أبدى سروره بهذا المشروع حين طرحه عليه المركز قبل عام من وفاته.
يعرف الكثير من الباحثين وطلبة الدراسات العليا في تاريخ الصحافة العراقية حجم المعاناة التي كانوا يبذلونها للحصول ولو على عدد واحد فقط واضح من جريدة “ زوراء” التي كانت تصدر باللغتين العثمانية والعربية، فما بالك وأن هذا المشروع يضع بين أياديهم مائة نسخة منها واضحة نسبياً، ويمكن للدارس أن يخرج بعد تصفحها بالعديد من الأفكار والانطباعات والأحكام المهمة حول ملامح الحقبة التاريخية التي صدرت خلالها الجريدة وطبيعة الأحوال السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية وقت صدورها . ولكي يسهل المؤرخ الراحل على الباحثين وعموم القراء عملهم فقد صنع ما يشبه المعجم الصغير للمصطلحات الواردة في الجريدة مرتبة بحسب الحروف الهجائية التي “ تناولت مختلف جوانب الإدارة والحضارة في العراق عهد ذاك “، كما أعد فهرساً للمواقع والمدن والبلدان، وآخر لأعلام الناس الذين وردت أسمائهم ضمن الأخبار والحوادث والموضوعات المنشورة في تلك الأعداد مما وفر الكثير من الجهد لمن يأتي بعده.
وأحسب أن الرحيل المفاجئ للمؤرخ عماد عبد السلام رؤوف، قد ترك أثره في ظهور بعض الهنات البسيطة التي لا تقلل من أهمية هذا العمل التوثيقي الكبير الذي يشكر القائمون على انجازه، وأولها كتابة اسم الجريدة معرفاً على غلاف المجلد، وهذا مخالف لاسمها مجرداً من لام التعريف، فهي “ زوراء” لا “ الزوراء”. فضلاً عن أن الأرقام التي تدل على أماكن الفهارس من مواقع وأسماء غير دقيقة، وتبدو كأنها وضعت لنسخة أخرى غير هذه النسخة. كما وردت بعض الأغلاط الطباعية الطفيفة في كلمة المركز وبالأخص في قلب الفاء إلى قاف وبالعكس، مع أن الدكتور رؤوف يكرر في أكثر من مكان بأن “ زوراء” التي كانت تُطبع بطريقة الترتيب اليدوي “جاءت خالية من الأخطاء المطبعية” !.
***
د. طه جزّاع