أقلام ثقافية
ناجي ظاهر: شوق العواصف
يصادف اليوم الخميس، الخامس من تمّوز الجاري، الذكرى التاسعة والعشرون لرحيل المناضل السياسي الشاعر توفيق زياد ابن مدينتي الناصرة ورئيس بلديتها ابتداءً من عام 1976 حتى رحيله في حادث طرق مرّوع بتاريخ 5/7/1994. ماذا ترانا نقول في هذه الذكرى؟ نعرّف به وبأعماله الادبية؟ أم نتحدّث عن دوره السياسي النضالي. سواء تحدّثنا عن هذا أو ذاك فإننا لن نضيف شيئًا إلى ما سبق وقيل عن حياته وعنه في شتى مجالات اهتمامه، أضف إلى هذا أن ضغطة بسيطة على مفتاح شبكة البحث الالكتروني "غوغل"، تقدّم للإخوة القراء كلّ ما يريدون معرفته عنه.. وأكثر.
عرفت المرحوم توفيق زيّاد عن قُرب، لهذا سأتحدث في ذكراه هذه، عن ملامح عامة في شخصيته. كان زياد ذا شخصية مميّزة، شهد لها الكثيرون بمن فيهم العديد من أخصامه السياسيين مُثنين ومُطرين. فيما يلي أشير إلى بعض من خصاله الشخصية التي لمستها وعرفتها عن قرب.
التواضع والعُمق.. منذ تعرّفت إليه في أوائل السبعينيات، لمست فيه هذه الخلة. كان ذلك تحديدًا يوم زرته في مكاتب الحزب الشيوعي في الناصرة، وكانت تقوم حينها في منطقة عين العذراء. دخلت إليه بهدف التحدّث عن تجديده أغنية "عذّب الجمّال قلبي يوم نوى ع الرحيل"، وكنت أشعر بنوع غريب من الخجل. عندما لاحظ ارتباكي هذا. دعاني للجلوس قُبالته، قائلًا إنني أنا نفسي جمّال ابن جمّال.. من بسطاء الناس. أضف إلى هذا أن لهذه الأغنية الشعبية أهمية خاصة في ترثنا الشعبي النصراوي. كنت وأنا أستمع إليه وهو يسترسل في شرح وجهة نظره.. أشعر أن كلّ كلمة تقرّبني منه، ولم أخرج من مكتبه، إلا بعد أن أكد لي أنه بإمكاني أن أزوره في مكتبه في أي وقت ومتى أشاء.. "أنا أحب الشباب الطموح.. أفتخر به"، قال وهو يصافحني مصطحبا إياي حتى باب مكتبه... بعدها التقيت به عددًا من المرّات.. معظمها في دكان التذكاريات السياحية بحضور صاحبها الشاعر الصديق المثقّف طه محمد علي، رحمه الله، وأقلها في هذا المقهى أو ذاك من مقاهي بلدتنا القليلة في حينها.
السخرية.. اتصف توفيق زياد كما عرفته بشخصية مرحة ساخرة. لا يتردّد بإطلاق النكتة. عندما تحبك معه، كما يقول إخواننا المصريون. وأذكر في هذا السياق. أن الشاعرة فدوى طوقان ابنة مدينة نابلس، طابت ذكراها، اقترحت عليّ مرافقتها خلال زيارتها للناصرة.. وله خاصة. اتخذ يومها كلّ منّا مجلسه في بيته القائم، حتى هذه الايام في أحد مداخل الحي الشرقي. وشرع برش السجاير علينا نحن ضيوفه. عندما وصل إليّ مدّ عُلبة السجاير نحوي، فقلت له إنني لا أدخّن، فضحك عاليًا وقال لي. عجيب. كلّ هذه الافكار تطلع بدون دخان..
الانفعالية.. غلبت صفة الانفعالية على شخصية توفيق زياد، وكان بإمكان مَن يستمع إليه وهو يخطب أمام جماهيرنا التي أحبته بصدق، ملاحظة أنه لا يخطب في الناس وحسب، وإنما هو يعيش خطبته.. تأثرًا وانفعالًا. ومما أذكره في هذا السياق أن الاديب طه محمد على كان يردّد انك إذا ما دخلت دار السينما واستمعت إلى مَن يصرخ انفعالًا وتماهيًا مع ما يشاهده.. فقل هذا هو توفيق زياد.
طيّب الله ذكرى القائد الشاعر توفيق زيّاد. فقد كان شُعلةً من نور أضاءت في سماء مدينتي الناصرة.. وسوف تواصل إضاءتها.. إلى ما لا نهاية.
***
بقلم: ناجي ظاهر