ترجمات أدبية
سالي روني: في العيادة

بقلم: سالي روني
ترجمة: صالح الرزوق
***
تحدثا في الطريق إلى العيادة السنية عن زيارة عيد الميلاد. كان هذا شهر تشرين الثاني وماريان اقتلعت ضرس العقل، وكونيل يقودها إلى العيادة لأنه صديقها الوحيد الذي يمتلك سيارة، وكذلك الشخص الوحيد الذي تلجأ له في الحالات الطبية المزعجة مثل سن مصاب. وأحيانا يقودها إلى عيادة الطبيب كلما احتاجت لمضاد حيوي ضد عدوى القنوات البولية، وهو حدث متكرر. وحينها كانا في الثالثة والعشرين. توقف كونيل عند زاوية العيادة، فصمتت الإذاعة تلقائيا. كان قد حصل على إجازة صباحية من العمل ليقود ماريان إلى هذا الموعد، ولكنه لم يخبرها بذلك، وبادر بهذا العمل جزئيا وهو تحت الإحساس بالذنب. قبل أسبوع أنبأته ماريان في شقته بالمشكلة، وبعد ذلك اشتكت من وجع في فكها، وأوشك أن يسألها: هل من عادتك التشكي والتذمر؟. ثم تجادلا. وكان كلاهما مخمورا قليلا. تذكرت ماريان الحادث بشكل مختلف. فهي حسب علمها اشتكت لكونيل من الكنبة، ثم صمتت بسبب وجع في فمها. وكان موقفه إيجابيا، ثم مارسا الجنس على مقعد طويل آخر. ولاحقا حينما عاودت الكلام عن فمها، قال كونيل: أنت تشتكين أكثر من الآخرين. وكانا يستلقيان متجاورين على الكنبة. قالت له: هل تقصد بالآخرين صديقاتك الأخريات؟. قال كونيل: لا. وهو يعني الناس، أو أي إنسان آخر. وتابع: أنه لا يعرف أحدا يتذمر أكثر منها.
قالت ماريان: لا تحب الاستماع لشكاوى الناس لأنك عاجز عن التعبير عن تعاطفك.
قال: ولكن أخبرتك أنني متأسف منذ اشتكيت لأول مرة.
قالت: أنت تحب النساء الصابرات لأنك لا تنظر إلى النساء كمخلوقات كاملة.
قال: كل مرة أنتقدك فيها، تحولين الموضوع إلى شيء له علاقة ببغض النساء.
حينها عدلت ماريان من وضعها وجلست، وجمعت شعرها بشكل لفافة، وبحثت عن حباسة لتثبيته، وقالت: أشتبه أنك تعقد علاقات مع أشخاص لا تعرف كيف تحاورهم.
قال: أنت منزعجة وتصبين جام نقمتك علي. ولكنني لست غبيا تماما.
لمست شعرها بيديها لتتأكد أنه مرتب، ثم عادت لتستلقي بجانبه. كانت الكنبة رديئة، وعليها رسوم زهور بنية. قالت: أنت تراني إنسانة راشدة. ولذلك لست منجذبا لي.
- بل منجذب.
- جنسيا وليس عاطفيا.
راقبته وهو ينظر إلى السقف. وكان وجهاهما متقاربين.
قال: أتصور لو أنني متعلق بك عاطفيا لن أتقبل فكرة وجود أصدقاء آخرين لك.
- رغم ذلك في الحقيقة أنت لست مغرما بي.
- أنا لا أحب ذوقك باختيار الأصدقاء. وهذا شيء مختلف.
قالت: هل تعرف ماذا حصل لدانييل. أخبرته أنني أحلم بالزواج، فقال، مني؟. قلت له كلا. من صديقي كونيل. وبقية الجدال لم يكن عنك. ولكن عن أشياء أذكرها عمدا لأزعجه لأنني أستمتع برؤيته وهو مستاء من نفسه.
- آه.
ذهبت ماريان بعد ذلك إلى البيت، متسائلة إن تشكت كثيرا. وفي وقت عودتها إلى شقتها، كان كل رأسها يؤلمها. أخذت زجاجة جين من داخل باب الثلاجة، وصبت القليل في فمها لتجربه. وغرغرت بالكحول البارد حتى غسلت لثتها، فارتفع ألم مبرح في فكها، وترقرقت دموع عينيها. لفظت الجين في مغسلة مطبخها وبدأت تبكي.
في الصباح التالي ذهبت إلى العيادة السنية بمفردها. وفي طريقها فكرت كيف ستخبر طبيب الأسنان عن إحساسها بآلام فكها. وتخيلت نفسها تقول: إنه ليس قويا كل الوقت، ولكنه لا ينفع للجنس الفموي. أخذ الطبيب نظرة سريعة من فمها، ووصف لها مضادات حيوية لعلاج ما وصفه أنه عدوى "بغيضة فعلا". وقال طبيب الأسنان: لا أستغرب أنك تتألمين. فذلك السن مغروس في خدك مثل سكين في الزبدة. وكتب شيئا على ورقة ونظر إليها وأضاف: ما أن تخف العدوى، سأخلصك منه بلا عواقب. وسترتاحين.
وشعرت ماريان بالسعادة العميقة لعلاج ألمها على يد محترفين. والآن لم يبق غيرهما في غرفة الانتظار العلوية. المقاعد بلون النعناع الأخضر الباهت. قلبت ماريان في نسخة من "ناشيونال جيوغرافيك" ولمست سنها بطرف لسانها. نظر كونيل إلى غلاف المجلة، وهي صورة قرد بعينين واسعتين. في تلك الليلة من الأسبوع السابق، اتصلت ماريان به أولا لتخبره أنها انفصلت عن دانيال. كان كونيل في الحمام حينما رن الهاتف فرد باري، شريكه في الشقة. وحينما عاد كونيل، قال باري ببراءة: هيي. ما اسم البنت الغنية التي رافقتها في المدرسة؟ أنت تعرفها. البنت التي رغبت بنكاحها.
رد كونيل وهو يظن أن السؤال بريء: ماريان؟ لماذا؟.
بعد ذلك ألقى باري الهاتف نحوه وقال: أرادت أن تكلمك.
حينما رفع كونيل الهاتف سمع صوت ضحكها.
في غرفة الانتظار كان كونيل يفكر بلورين، صديقته منذ قرابة عشر شهور. فقد انتقلت إلى مانشستر في أيلول ومنذ أسبوعين ضاجعت شخصا آخر وكانت مخمورة. وعندما اعترفت له، لم يخامر أعصابه أية مشاعر، وتساءل إن بقي لديه أي اهتمام بها.
ولعدة أيام، شعر على نحو غامض أنه كئيب ومرهق، ثم نام مع ماريان، التي اتهمته أنه لا ينظر للنساء ك "كائنات كاملات التكوين". ثم أدرك أنه في الحقيقة لا ينظر إلى لورين ك "مخلوقة كاملة الخلقة"، ولكن كشخصية ثانوية في حياته الخاصة. ولهذا السبب، ما تفعله خارج المسرح، لا يعنيه. وبعد أن غادرت ماريان في تلك الليلة، فتح صفحة جديدة في متصفحه وطبع عليها: لماذا أنا متبلد الشعور. في الصباح التالي اتصل بلورين بواسطة السكايبي وأخبرها أنه عليهما أن ينفصلا. وافقته، دون إملاءات. قالت: استمتعنا بوقتنا، ولكن علاقة بعيدة الأجل لم تكن لتنجح. وكان لهذا التصور لمسار علاقتهما القليل من التشابه مع أي شيء فكر أو شعر به. ولذلك هز رأسه وقال: نعم. بالضبط. لم يخبر ماريان بمكالمة سكايبي هذه. كانت دراما سنها مستمرة ولم يود أن يبدو أنه اتخذ قرارا صعبا بعد نومه معها. كانت تقول كلما تكلما: كالزبدة أنا أعاني. والحقيقة أن كونيل لم يفهم الرمز الحقيقي للزبدة وقرر الآن أن الوقت تأخر ويمكنه أن يسأل.
قال: ما هذه الزبدة التي تواصلين الكلام عنها؟.
قالت: أن خدي كالزبدة.
قال: أنت ماذا؟.
- تذكر أن طبيب الأسنان قال إن السن يقطع خدي مثل الزبدة.
حدق كونيل بها من فوق طرف الناشيونال جيوغرافيك الأصفر الذي بيدها.
قال: اللعنة، هل كان فعليا يقطع خدك؟.
- ألم تسمعني؟ كنت أكلمك عنه قرابة أسبوع.
- أحيانا أعتقد أنني فقدت الإرسال معك.
عادت إلى المجلة مستغربة.
قالت: مهارة الحياة.
هل تعلمين أنني قطعت علاقتي مع لورين. هل سمعت بذلك؟.
تظاهرت أنها تقرأ. ولكنه رأى أنها تفكر ماذا تفعل أو تقول. كانت حركة ذهن ماريان شفافة بنظره، وتلمع بومضات سريعة هكذا قبل أن يتابعا.
قالت: لم تذكر الموضوع.
- نعم. هذا حصل.
سعل، ولكنه لم يكن بحاجة لذلك. هذه علامة ضعف، وهو يعلم أن ماريان ترى ذلك، مثل الدم بالماء.
قالت: متى حصل الأمر كله؟.
- قبل أسبوع.
- آها.
لم تنطق "آها". أغلقت المجلة فقط وأعادتها إلى الطاولة الزجاجية الصغيرة بحركة تمثيلية. ابتلع كونيل لعابه. لماذا يبتلع؟ كانت ماريان سيئة في أيام الدراسة ومكروهة من الجميع. وكان يحب التفكير بذلك بطريقة سادية كلما اعتقد أنها ستتغلب عليه في الحوار. في سنته الأخيرة في الجامعة فض بكارتها ثم طلب منها أن تكتم السر، ولكنه لا يعتز بهذه المشاعر الآن. استلقت هناك كأنها تفكر ولماذا أخبر الآخرين بالسر؟ ورأى أن ذلك محير قليلا. شعرت ماريان بالإهانة لأن كونيل لم يخبرها بلورين حتى الآن. وتسترت على هذه المشاعر بتركيز انتباهها الممتعض ببطء على ما يحيط بها. وتساءلت إذا كان كونيل لم يبلغها لأنه يعتقد أنها يائسة. فماريان بنت الثالثة والعشرين عرضة أحيانا لنفس القلق المقيت الذي يميز حياتها البالغة. وفي سنوات جامعتها لم تكن تحتقر الآخرين، ولكن بنفس الوقت تحكم بها الخوف من احتقار الناس. وكان كونيل أول إنسان أعجب بها، ومع ذلك لم يكلمها بحضور أصدقائه. كانت تقلل من قيمة الأشياء لتحتفظ بحبه، ولكنها تتظاهر أن الأشياء لا تقلل شأن شيء. واحتفظت بهدوئها خلال المكالمات التي يجريها.
قال: نعم. توقعت أنك سمعت. كانت قطيعة على السكايبي. ونسبيا سرتها القطيعة.
- لورين بنت ثابتة الجنان.
- قد يكون هذا صحيحا.
نظر من النافذة وحاول أن يتثاءب. كان يمقت نفسه. ولم تكن لديه فكرة عن أفكار ماريان.
رغما عنه وبدوافع ذاتية فكر أنه طيلة وقته مع لورين، لم يدعها إلا بالصدفة. ولكنه مع ماريان يجد الفرصة سانحة على الدوام. وبسيطة لدرجة عظيمة تشبه الحماقة. وطبعا هو يدرك أن هذا لا يدل على أي شيء.
قالت ماريان: حسنا. لا تقلق. نعلم كلانا أننا بمفردنا. ولكنني لا أطلب منك أن تكون شريكي.
- لن أقلق من ذلك. يا للغرابة.
فتح الباب، وخرجت الممرضة تقول: ماريان؟. جاهزة.
نظرت ماريان إلى كونيل، وبادلها النظر. كرهته لدقيقة ولكن الشعور السلبي يزول دائما. لم يتعمد أن ينبه هذه الحاجة الماسة فيها. مع دانييل تشعر بالحرية والتسلط، لأنها لم تتعامل معه بجدية على الإطلاق. ورغبته في إلحاق الأذى بها تؤكد فقط أنه يعتمد عليها. ولكن كونيل ليس بحاجة لشيء، وبرفقته تشعر بالضعف. لمست وجهها بيدها، وتبعت الممرضة إلى غرفة الجراحة. وبعد إغلاق الباب، نهض كونيل ومشى إلى النافذة. نظر إلى الشارع، ورؤوس المارة. كان يوما مشرقا، باردا وأزرق مثل قطع الجليد. وحاول أن لا يفكر بأوجاع ماريان. وهو يعلم أنهم سيخدرون الجزء الضروري من فمها، ولكن أثاره ذلك أيضا. فماريان لم تعرب عن خوفها من معاناتها الفيزيائية. رأى كونيل أشياء سيئة تحدث لها. ومع ذلك، آلمه حين قالت إنها لا تريد أن تكون شريكته، جزئيا لأن ذلك يشبه نكران الجميل. ولكنه لم يزمع أن يطلب منها ذلك. بدأ يقضم إبهامه. حتى شعر أنها احمرت وأصبحت طرية وفقدت قوامها في فمه. في البداية أسعده قطيعتها في آخر الأمر مع دانيال. كان واحدا من مصممي الغرافيك النحيلين بنظارات ذات إطار سميك، وكلام مسهب عن الجندر. جاوره كونيل في البار يوم حفلة عيد ميلاد ماريان، وخلال المحادثة شاهدا مباراة بورنماوث - شيلسي على شاشة كبيرة.
سأله دانييل: هل يهمك من يخسر ويربح؟
قال كونيل: حسنا. شيء من ذاك. سيتراجع بورنماوث إلى مرتبة أدنى إذا خسروا هذه المباراة.
قال دانيال: أقصد من ناحية فلسفية.
كانت هذه محادثة جادة بينهما.
ثم ضحك دانيال قائلا: الذكورة شيء هش.
لم يلمح كونيل لبعض الأمور التي تصادف أنه يعرفها عن سيئات دانيال. لم يذكر مثلا أنه
يحب أن يربطها ويضربها بالحزام. أراهن أن هذا يجعلك تبدو رجلا قويا.
في قسم الجراحة أعطوا ماريان المخدر. وأدخل طبيب الأسنان أداة حادة في لثة ماريان ليرى إن كانت تشعر بها، ولكنها لم تشعر بشيء. بعد ذلك استعد لخلع السن. في البداية أمكنها سماع صوت طحن. وانعكس ضوء مصباح أبيض متوهج على عينيها من المرآة المعلقة فوقها، ثم شعرت بطعم سادو مازوشي من مطاط قفازات طبيب الأسنان. تلولب شيء ما، وملأ فم ماريان سائل غريب ورقيق. لم يكن له طعم الدم. ثم شعرت بشيء ينزلق على لسانها، شيء ناعم وثقيل، وفجأة انتصبت بجلستها فقال طبيب الأسنان: ابصقيه. بصقت شيئا في يد طبيب الأسنان. كان جزءا صغيرا أصفر من جسمها. والآن شعرت بطعم الدم، ومعه شيء آخر. وآلمها رأسها. التمع السن في راحة طبيب الأسنان مثل القشدة. قال طبيب الأسنان: امرأة ممتازة. أطراف السن مثل شقائق النعمان. وارتجفت ماريان.
يخشى كونيل أنه إنسان فارغ عاطفيا. حاول أن ينظر في عدد الناشيونال جيوغرافيك الموجود على الطاولة. ولكن أعوزه التركيز، وعاود التفكير بأوجاع ماريان. ورطت ماريان نفسها بأمور لا تسعدها. وهذا رأي يشعر كونيل بالذنب حياله. وكان يعلم أنها تجلب على نفسها اللوم بسبب أخطاء لم ترتكبها ببساطة لقوة شخصيتها. كان الآخرون يغشون ماريان وربما بتواطؤ منها، مع أن المفروض أن توقفهم عند حدهم. وأخبرته بأشياء أجبرها دانيال على القيام بها. أشياء يمكن رؤيتها. وقالت: أعلم أنها حماقات. ولم أستمتع بها. ثم ضحكت. وكره ضحكتها تلك.
وضع طبيب الأسنان في فم ماريان ضمادة وطلب منها أن تعض. شعرت بالضعف، كأن سنها طفل مريض ولدته. وتذكرت أن كونيل في صالة الانتظار، وغمرها إحساس بالامتنان، فغرقت بالعرق. احتكت الضمادة بلسانها النائم وامتلأت عيناها بالدموع. انتهى الجانب الطبي من الزيارة. وأعانوها على اقتلاع نفسها من الكرسي كأنها صفحة من جريدة. وفتح باب الجراح والتفت كونيل من النافذة.
أشارت ماريان بحماقة إلى فمها. أعادوا إليها سنها في علبة زجاجية هزتها بوجهه ليخشخش السن في داخلها. كان وجهها مضلعا وغير منتظم مثل خيمة منهارة. وشعر بمشاعر مختلطة. في الجامعة اعتاد أن يتخيل نفسه وهو يلقي ملاحظات ثقافية أو حكيمة أمام ماريان. وهي تخيلات لا يزال يعود إليها مكرها في لحظات الإجهاد. وضحكاتها المتخيلة تهدئ أعصابه.
قال: هل انتهيت تماما؟.
هزت رأسها، وحاولت أن تبلع. شعرت بخطأ في فمها، وأنها دخلت في جسم لا يعود لها.
قال: مر الوقت بسرعة. كيف تشعرين؟.
نفضت كتفيها. وشعرت بالرجفة التي اختزلتها بتنهيدة، وحاولت أن تكبت هذا النوع الخاص من القبح. وبكت تقول: تأخر الوقت. وفركت بحماقة عينيها وأنفها والحفرة المخدرة في خدها الأيمن. انتفضت مجددا. ولكن أصبح بكاؤها، على الأقل، صامتا.
شاهد كونيل ماريان تبكي من قبل مرة واحدة، حينما كانا مراهقين. كان لأمها في ذلك الوقت صديق حميم، يدعى ستيفن. وكان يأتي أحيانا في الليل إلى غرفة ماريان ل 'يتكلم'. ذهبت إلى بيت كونيل في إحدى الليالي بعد ما حصل، وبكت قائلة: أحيانا أعتقد أنني أستحق الأسوأ، لأنني إنسانة سيئة. لم يسمع أبدا شخصا يتكلم هكذا. انتابه الغثيان، ومنذئذ لم يفارقه الغثيان، حتى لو لم يشعر به. كان شيئا لا يتحكم به وخارج سيطرته.
قال: دعينا نذهب إلى السيارة.
في السيارة كانت صغيرة ووحدها. بيد تحمل الإناء وفيه سنها، وباليد الأخرى لفافة إضافية من الشاش لأجل فمها. وضعت الاثنين في حضنها بحرص، ومدت يدها إلى الواقي الموجود فوق مقعدها لتنظر بالمرآة.
قال: لا ضرورة لذلك.
توقفت ويدها على المرآة.
قالت: هل أبدو سيئة لدرجة مريعة؟
كان صوتها مكتوما وعميقا.
قال: بنظري لست سيئة. ولكن يبدو أنك هشة ولا أريد أن أخيفك.
واعتقد أولا أنها تسعل، ثم لاحظ أنها تضحك.
قالت: أبدو سيئة. لماذا لم تعترف لي عن لورين؟.
عجن المقود بيديه. وراقبته يفعل ذلك. مسحت بكمها دمعة تهدد عينها اليسرى، بتكتم.
قال: هذا الكلام المختصر الذي تلقينه على مسامعي عن النظر للنساء ككائنات بشرية. أقلقني بالفعل نوعا ما.
- ماذا، لهذا السبب انفصلت عنها؟.
أثاره هذا السؤال، بطريقة من الطرق، بالإضافة إلى أن ماريان كانت تبكي فعلا. كان يفكر، دون قصد منه، بجسمها العاري. كان ينظر إليه مثل صورة تدل على الضعف وليس الجنس، وربما كان يشعر بالاثنين معا. وهو يعلم أنها ببساطة تبكي بسبب رواسب ألم حقيقي، ولم يكن يستمتع بذلك. غير أن رغبتها أن تكون موضع عنايته لمس شيئا فيه. أوهام وتخيلات تشير بلامبالاتها الباردة ظاهريا لشيء ما. ولاحظت أنه لا يرد على سؤالها المباشر.
راقب حركة المرور كأنه يفكر بشيء آخر. وأملت أن فضولها المفرط يبدو إنكاريا. وهذه استراتيجية ديناميكية تتبناها لتخفي عن كونيل مشاعرها تجاهه. وما تشعر به لا يمكن التعبير عنه بسهولة. الناس يحبون أشياء كثيرة: أصدقاءهم، ذويهم. وسوء التفاهم حتمي.
قال: لا زلت تبكين، أليس كذلك؟.
قالت: يعاودني نفس الشعور. هذا كل شيء.
***
...........................
* سالي روني Sally Rooney كاتبة إيرلندية معاصرة. من أهم أعمالها "محادثة مع الأصدقاء"، و"أناس طبيعيون". القصة مترجمة عن "ذي وايت ريفيو". العدد 18، 2016.