تجديد وتنوير

بتول فاروق: حين يعاد تعريف الإنسان على مقاس الذكر!

ليس من السهل أن تقرأ المرأةُ في كتب الفقه ما كُتب عنها، أن تتصفح هذه النصوص وهذا الفقه بعينٍ ناقدة، يعني هذا أنها ترى كل هذا الألم الذي كانت الأجيال تُجبر على أن تراه طبيعيًا!.

فكل كلمة تخصها تبدو كأنها تُعيد تعريفها من جديد، لا كإنسانٍ كاملٍ له عقل وروح وحقّ، بل ككائنٍ يُعرَّف من خلال حاجات الرجل، وجوده تابع، وصوته غائب، محصور في علاقة غريبة لكن حتمية!.

حين نحاول أن نقرأ تلك النصوص بضميرٍ حيّ، نكتشف حجم الجرح الذي توارثته النساء باسم الدين. وهو ليس منه.

لم يقل الفقهاء يومًا صراحة إن المرأة ليست إنسانًا، لكنهم ــ في كثير من المواضع ــ عاملوها كما لو كانت شيئًا خُلق لخدمة الآخر، فحين حُدّدت حقوقها الزوجية في الطعام والشراب والمبيت، غاب عنها حقّها في الكلمة، في الاختيار، في أن تكون شريكة حياة لا مملوكة في عقدٍ اسمه " الزواج".

في هذه الرؤية القديمة (ماقبل حداثية)، تحوّلت المرأة إلى مرآةٍ لراحة الرجل، تُقاس قيمتها بمدى طاعتها، لا بمدى وعيها، وبصمتها، لابحضورها، بخضوعها لا بنديتها الإنسانية. وحتى حين تحدّث " الفقه التقليدي " عن كرامتها، جعلها مرهونة بعفّتها الجسدية، كأن الكرامة لا تليق إلا بجسدٍ لم يُمسّ، لا بعقلٍ نَبَض وفكر أو قلبٍ أحبّ.

ومع ذلك، هناك ما يُعيد الأمل دائما، فالقرآن الكريم ــ في جوهره ــ لم يقل بهذا أبداً، قال: «ولقد كرمنا بني آدم»، ولم يقل: "كرمنا جنسا واحدا ".

كلّ إنسانٍ في القرآن هو مخلوقٌ مكرّم، له الحق في أن يُرى ويُسمَع ويُعامل بإنسانيته.

هذا هو الفقه الذي ضاع بين أوراق التأويل والقراءة الضيقة المضمخة بأعراف القوم وهم يعيشون الإنغلاق الحضاري، الفقه الذي يجب أن يكتب من جديد: فقه الإنسان، لا فقه النوع.

فقه الكرامة الإنسانية، ليس الهدف أن نُدين التراث التفسيري والفقهي، بل أن نُحرّره من رؤيةٍ ضيّقت معناه. أن يُعاد إلى الفقه قلبه،وإلى الدين رحمته، والى العقل ذكاءه، وإلى المرأة إنسانيتها التي لا تحتاج إلى إذن لتُرى!

لم يعد العصر يحتمل أقصاء نصف البشرية وجعلهن أدوات لطاعة أبدية، لجنس آخر بحجة عقد لا يمكن تبديله، العدالة لا تكون عدالةً حين تستثني نصف البشرية.

هذه محاولة لتذكيرنا بأن المرأة ليست امتدادًا للرجل، بل شريكته في التكليف والكرامة والمعرفة.

ما تحتاجه الأمة الإسلامية اليوم ليس "فقه النساء" بل "فقه الإنسان"، فقهٌ يعيد التوازن إلى صورة الخالق في مخلوقاته، ويعيد للمرأة حقها في أن تكون مرآة للمعنى، لا ظلاً له، أن تكون حقيقية لاردة فعل لذات فاعلة !.

***

د. بتول فاروق - النجف

٩/ ١٠ / ٢٠٢٥

في المثقف اليوم