تجديد وتنوير
النزعة التجديدية للفكر الدينيّ في تراث السيد محمد حسين فضل الله
ليس التجديد سهلاً في الحوزة، حتى وإن كان سهلاً بعض الشيء في الأوساط العلمية والفكرية الأخرى، فنحن نقرأ في كتب الأدب -على سبيل المثال- أنَّ أديباً ما، أو أنَّ جماعةً أدبيةً ما، عانت الكثير من أجل أن ترسي قواعد مذهبٍ جديدٍ في كتابة الشعر أو في كتابة القصَّة والرواية.. إلخ، وقل الشيء ذاته عمَّن يختطُّ لنفسه منهجاً جديداً لمقاربة الموضوعات الفلسفية أو التأريخية أو الإجتماعية، قد دخلوا في صراعاتٍ فكريةٍ عديدةٍ قبل أن تصبح طريقتهم مبررةً من وجهة نظر الفنّ الذي يكتبون فيه، فللقارئ إذن أن يتخيَّل حجم المعاناة بالنسبة إلى الفقيه الأصوليِّ عندما يريد أن ينهض بمهمَّة التجديد في الحوزة، وهي التي أضفت عبر مراحل تأريخها على العديد من سلوكياتها وطرائق تدريسها ومناهجها قداساتٍ مزعومةً لا تختلف في نظر الجماهير عن القداسات الحقيقية الأخرى التي تعتبر جزءاً لا يتجزَّأ من جوهر الشريعة والدين.
ما كان يدهشني في السيِّد محمَّد حسين فضل الله قُدِّس سرُّه أنه كان يخوض مغامراته التجديدية بالكثير من الهدوء والطمأنينة، فهو هادئٌ ومطمئنٌّ على طول الخطّ، حتى لا يكاد المرء يلمح شيئاً من التشنُّج في ردوده على تشكيكات خصومه ومناوئيه، فحتى حين لا يكون الرأي المضادُّ بريئاً من الدوافع الشخصية للخصوم، فإنه كان يجرِّد الرأي من تلك الآثار السلبية لشخصنة الآراء، وينهض بها إلى مستواها التجريديِّ والموضوعيّ، بغضِّ النظر عن مصدر الرأي وقائله، ثمَّ يمنح ذلك الرأي في الأثناء كلَّ ما يتمتَّع به الرأي الحرُّ من الحقِّ في حواره ومساجلته على قاعدة الدليل والبرهان، وتلك واحدةٌ من أجمل صفات السيِّد محمَّد حسين فضل الله في الحقيقة، وهي صفةٌ لا تتوفَّر في الكثير من دعاة الفكر الحرِّ أنفسهم، ناهيك عمَّن درجوا على تقديس ما لا قداسة له عبر التأريخ بدوافع دينيةٍ وعقديةٍ مختلقةٍ أو مزعومة.
من المعلوم أنَّ السيِّد محمَّد حسين فضل الله كان قريناً للسيِّد محمد باقر الصدر وأحد كتاب مجلَّة (الأضواء) الشهيرة، جنباً إلى جنبٍ مع مجموعةٍ من الكتاب الإستثنائيين في مقدِّمتهم السيِّد الشهيد محمَّد الصدر قدِّس سرُّه، ولقد سمعت من مصادر أثق بها أنَّ السيِّد محمَّد حسين فضل الله كان يكتب العديد من المقالات الرصينة بأسماء مستعارةٍ، لكي تحافظ المجلَّة على منهجها الرصين في تجديد الفكر الدينيّ آنذاك.
الآن أريد أن أسأل: لماذا لم تشأ بعض المرجعيات أن يكون للسيِّد محمد حسين فضل هذه المكانة الكبيرة في العالم الإسلاميّ، وليس مقنعاً القول إنَّ أحداً لم يكن يفعل ذلك، فإنَّ ذلك خلاف الحقيقة كما يعلم المتابعون للشأن الثقافيِّ والمرجعيّ، كما اننا لا نقصد على الإطلاق أن نثير من القضايا ما يكون سبباً في ضعضعة الصفّ، بل كلُّ ما نرمي إليه هو أن نضع حداً للممارسات التي من شأنها أن تكبح عجلة التطوُّر الفكريِّ والفلسفيِّ والثقافيِّ في أوساطنا الإسلامية والحوزوية مستقبلاً، هذا كلُّ ما نرمي إليه، لا سيما وأنَّ السيِّد محمد حسين فضل الله أصبح في ذمَّة الخلود الآن، فليس من أثرٍ سلبيٍّ إذن في الحديث عن هذا الموضوع بالذات.
أعتقد أنَّ مواقف السيِّد فضل الله وخياراته السياسية مستنداً فيها إلى استدلالاته وبراهينه من الكتاب والسنة وأحاديث آل البيت عليهم السلام هي السبب وراء ذلك.
هذا من جهة، ومن جهةٍ أخرى فإنَّ للسيد فضل الله فضاءه الإجتماعيَّ الخاصَّ داخل لبنان، ومن الطبيعيِّ أن يكون رأيه الإجتهاديّ بخصوص العديد من القضايا التي تخصُّ فقه الفرد والمجتمع وفقه السياسة وغير ذلك مختلفاً عن الآراء الإجتهادية لغيره من الفقهاء، وهذا ما جعل العديد من الفقهاء الذين يعيشون في ظلِّ ظروفٍ وملابساتٍ اجتماعيةٍ مختلفةٍ عن ظروفه هو، يشنِّعون عليه وينظرون إلى فتاواه تلك بعين الإستغراب، ولم يقفوا عند هذا الحدّ، فصاروا يحكمون عليه بأنه يأتي بالغريب من الفتاوى التي يخالف فيها جمهور الفقهاء.
لو أنهم أنصفوا فضل الله لصارحوا الجماهير الدينية بأنَّ هناك فضاءً في الشريعة يسمح له باستنباط تلك الأحكام الفقهية التي استغربت منها بعض الأوساط، لكنهم تركوا أنصاف العلماء يشنِّعون عليه وينقدونه ويطعنون في نزاهته من دون أن يحرِّكوا ساكناً مع الأسف.
عندما أفتى السيِّد محمد الصدر بعدم مفطِّرية الدخان، استغلَّ أنصاف العلماء عدم معرفة الجماهير الدينية بالمستند التشريعيِّ والفقهيّ لهذه الفتوى، فصاروا يشنِّعون على السيِّد الشهيد في حينها، ولم يصارحوا الجماهير الدينية بأنَّ السيِّد محمد الصدر ليس منفرداً بهذه الفتوى، بل يشاركه فيها العديد من الفقهاء حتى وإن لم يفتوا بذلك في رسائلهم العملية للناس.
ومن جهةٍ ثالثةٍ، فإنَّ أعداداً كبيرةً من مقلِّدي سماحة السيِّد فضل الله، كانوا من الوسط النخبويِّ والثقافيِّ المنتشر في العالم العربيِّ وأوربا، ولم تكن مثل هذه الحال لتسرَّ بعض الفقهاء، ولذلك فإنهم حاولوا أن يحطوا من شأنه، وأن يطعنوا في ملكة اجتهاده، ولم يصيبوا نجاحاً في تقديري على الإطلاق، بل كانت مساحة تقليد السيِّد في اتِّساعٍ مستمرٍّ، وحتى من لم يقلِّده فإنه كان يعتبره في طليعة علماء الدين التقدُّميين في هذا الزمان.
إنَّ السيِّد محمَّد حسين فضل الله مجتهدٌ، بل إنه مجتهدٌ واسع الأفق والنظرة، وبالتالي فإنَّ له الحقَّ أن يشتغل على الموضوعات الفقهية بآلته الإجتهادية كما يراها هو بوصفه مجتهداً، ولا يمكن أن يلغي سلطة الحجة العلمية والدليل كما يظهران لديه من أجل مراعاة ما درج عليه الفقهاء الآخرون في مجال إصدار الفتوى أو اتخاذ الموقف العلميِّ أو التأريخيِّ بخصوص عددٍ كبيرٍ من القضايا التي يكون له فيها رأيٌ اجتهاديٌّ خاصّ، وأنا أسال:من هو المجتهد، هل هو الذي لا يصدر الفتوى إلا على أساس ما يمكن أن يتقبَّله منه المجتمع الدينيّ، أم هو الذي يعلن ما توصَّل إليه رأيه الإجتهاديُّ مهما كانت النتائج، يقول محمَّد حسين فضل الله:"أنا لا أنظر إلى مسألة أن يقبل المجتمع الفتوى أو لا يقبلها، المسألة المنفتحة على الخطوط الإجتهادية العلمية لا بدَّ من أن تدرس موضوعياً في العناصر التي يمكن الإنسان أن يكتشف فيها ما يراه حقيقةً، لذلك ليست لديَّ أيَّة مشكلةٍ في الفتوى حتى تلك التي قد تكون مخالفةً للمشهور من الفقهاء. أنا كنت أوَّل فقيهٍ أفتى بطهارة كلِّ إنسانٍ، بينما كان الرأي الفقهيُّ عند الكثير من علماء الشيعة هو الحكم بنجاسة الكفار، وقد حصل هناك بعض التطوّر، فأصبح البعض يُفتي بطهارة أهل الكتاب، لكن بنجاسة الباقين من الملحدين... أما رأيي الإجتهاديّ منذ عدَّة سنين فهو أنه لا دليل عندنا على نجاسة الإنسان جسدياً، لذلك أفتيت بطهارة كلِّ الناس. نعم هناك نجاسةٌ في الفكر، قد توجد في المسألة السياسية، الإجتماعية، وقد توجد في المسألة الدينية. بعضهم يقول: الله يقول (إنما المشركون نجسٌ)، نحن قلنا إنَّ النجاسة هنا هي النجاسة المعنوية، باعتبار أنَّ الشرك يمثِّل قذارةً فكريةً لا يحترم فيها الإنسان عقله".
الرجل لديه دليله الإجتهاديّ من الكتاب والسنة، وهم يلجأون في محاربته إلى تأليب رأي الناس عليه، مستغلين الوجدان الشعبيَّ الذي تربّى على الإعتقاد بالنجاسة المادِّية للكفّار، وهكذا سوف يصبح محمَّد حسين فضل الله في نظر الجماهير الدينية منحرفاً.
هذا من جهة خصوم السيِّد محمد حسين فضل الله، أما من جهة محبيه ومريديه، فإنَّ هناك وهماً كبيراً مرتكزاً في أذهانهم، إنَّ عدداً مهمّاً منهم يعتقدون أنَّ السيِّد محمد حسين فضل الله كان يصدر تلك الفتاوى من واقع الشعور بضرورة تسهيل الأحكام الفقهية عليهم، وهذا ليس صحيحاً، فالرجل مجتهدٌ، ولا يمكن أن يخضع إلا للحجَّة والدليل، يقول فضل الله: "أنا لا أنطلق في الفتوى من عقدة تسهيل أمور الناس، بل من خلال العناصر الإجتهادية التي تجعلني أقتنع بالنتائج في هذا المجال".
كذلك يجد المغرضون ضالَّتهم في التهكُّم على مختلف الفتاوى التي أصدرها السيِّد لمعالجة القضايا الجنسية وغيرها من شؤون المرأة، وينسون أنَّ لبعضهم فتاوى مضحكةً حقاً ليس ها هنا مجال التعرُّض لها، لكنهم لا يوافقون على أن يراجع السيِّد مختلف الفتاوى المشهورة بناءً على استعمال آلته الإجتهادية، إذ هذا بالضبط هو دور المجتهد، وإلا كان المجتهد مقلِّداً بطبيعة الحال، وقد أوضح السيِّد رأيه في هذا الموضوع وكان على حقٍّ فقال: "أما بالنسبة إلى النساء، فأنا أرى أنَّ الكثير من النظرات في فتاوى النساء تنطلق من خلال التقاليد، لا من خلال الحقيقة القرآنية، لذلك أفتيت قبل مدَّةٍ فتوى أثارت الكثير في العالم الإسلاميّ، وهي حقُّ الدفاع عن النفس بما أنه حقٌّ لكلِّ إنسان، فللمرأة الحقّ، إذا أراد زوجها أو أخوها أن يضربها، أن تدافع عن نفسها، وقد طلبت من النساء أن يتدرَّبن على الأخذ ببعض أسباب القوَّة التي تتيح لهنَّ الدفاع عن أنفسهنّ سواءٌ في هذا الجانب أو في الإعتداءات التي قد يتعرَّضن لها كالإغتصاب وما أشبه ذلك. طبعاً نحن نعتقد أنَّ الحياة الزوجية قائمةٌ على المودَّة والرحمة، لكن قد تصل المسألة أحياناً لدى الزوج لأن يضطهد زوجته، فمن حقِّها أن تدافع عن نفسها كما للرجل الحقّ في أن يدافع عن نفسه فيما إذا كانت زوجته أخت الرجال".
من الطبيعيّ أن لا تعجب هذه الفتوى المجتمعات الذكورية، فهذه المجتمعات تعتقد بتفوُّق الرجل على المرأة من الناحيتين التكوينية والتشريعية معاً، ولا ينتبهون إلى أنَّ عشرات النصوص القرآنية تقف ضدَّ هذا الإعتقاد الزائف، فلا علاقة لاعتقادهم بمتبنيات العقيدة في الواقع بقدر ما تكون علاقته بالموروث القبائليِّ البدويِّ أكيدةً وراسخةً، وقد واجه السيِّد الشهيد محمَّد الصدر قدِّس سرُّه الكثير من المعاناة في إعادة النظر بالعديد من التقاليد العشائرية في المجتمع العراقيّ، حتى تمكَّن أخيراً من فرض مقولات الشريعة على مقولات القبيلة، وهي ذاتها المشكلة التي واجهها السيِّد محمَّد حسين فضل الله في الدائرة الخاصَّة بفقه المرأة في المجتمعات العربية والإسلامية، يقول فضل الله: "لم يسلِّط الله الرجل على المرأة إلا في دائرة ما يقتضيه عقد الزواج. الزواج عندنا ليس سرّاً خفياً، بل هو تعاقدٌ بين الرجل والمرأة. ليس للرجل أيَّة سلطةٍ على زوجته، ولو بنسبة واحدٍ في المئة، إلا بما التزمت به المرأة في الجانب الجنسيّ باعتبار أنَّ الزواج يقوم عليه، لذلك ليس لها أن تمنعه من نفسها إذا كانت له حاجةٌ في ذلك، ولم تكن لديها موانع شرعيةٌ أو صحيةٌ أو نفسيةٌ فوق العادة، ومن حقِّها على الرجل أن يستجيب لحاجاتها الجنسية. غير ذلك، لم يسلِّط الله الرجل على المرأة مثلاً في إجبارها على القيام بشؤون البيت إلا إذا اشترط عليها ذلك ضمن العقد، وإلا فللمرأة أن تحسب نفسها عاملةً في البيت وتأخذ أجراً على عملها، لكنَّ الله أحبَّ لها أن تكون علاقتها بزوجها وأسرتها علاقة المودَّة والرحمة".
أليس هذا هو حكم الإسلام، فلماذا يعتبرون السيِّد فضل الله مارقاً من الدين لأنه يصدمهم بضرورة العودة إليه، والتخلِّي عن الموروثات البدوية التي اعتادوا عليها كثيراً حتى حسبوها جزءاً لا يتجزَّأ من الدين؟
طبعاً هم يحتجون بأنَّ الرجال قوامون على النساء، هكذا يحتجون بطريقةٍ فجةٍ لا تعتمد التحليل والإستدلال، لكنَّ فضل الله يوضح أنَّ "القوامة لا تعني السيادة، بل الإدارة، بمعنى أنَّ الرجل في الإسلام هو المسؤول عن الإنفاق على زوجته، ولو كانت غنية. كذلك، إنَّ الرجل هو الذي يستطيع أن يدير الأمور باعتبار الظروف الخاصة للمرأة لجهة الدورة، الحمل، الحضانة، لا فرق بين الرجل والمرأة في الإسلام. اقرئي سورة الأحزاب، وسورة النمل التي تحدث فيها عن ملكة سبأ وأنها أعقل من الرجال، امرأة فرعون، ومريم ابنة عمران. أختصر، القوامة ليست السيادة بل الإدارة، لأنَّ الرجل هو مسؤولٌ عن ميزانية البيت، وهو الذي يملك حرية جسدية في قضية العمل".
طبعاً، لا يعجبهم مثل هذا البيان، لا لأنهم حريصون على أن يطبِّقوا حرفياً تعاليم القرآن، كلا، ولكن لأنهم حريصون على أن يبقى المجتمع محافظاً على تراتبياته الهرمية الظالمة في العائلة وفي المجتمع وفي الحكومة وفي كلِّ شيءٍ، إنهم حريصون على تزييف تعاليم الإسلام لا أقلّ ولا أكثر.
حتى تلك الإشكاليات الكبيرة التي تثار في وجه الإسلام بخصوص بعض التشريعات التي باتت تثير حساسية الإنسان المعاصر، فإنَّ خصوم السيِّد فضل الله عاجزون عن تقديم إجاباتٍ مقنعةٍ للضمير الإنسانيِّ المعاصر، فغالباً ما يثار هذا الإشكال: لماذا لا يوافق الإسلام على زواج المسلمة من اليهوديِّ أو المسيحيّ، في حين يوافق على زواج المسيحية أو اليهودية من المسلم، فيقدِّم الفقهاء التقليديون إجاباتٍ مضحكةً أو غير مقنعةٍ في هذا المجال، لكنَّ السيِّد فضل الله يقدِّم جواباً عبقرياً مقنعاً حقاً إذ يقول: "إنَّ الإسلام يعترف بالمسيحية واليهودية، والعكس غير صحيحٍ، لذلك فإنَّ الرجل المسلم، عندما يتزوَّج مسيحيةً أو يهوديةً، فهو لن يجرؤ على الإساءة إلى مقدَّساتها من خلال دينه، لا من خلال الجانب الإنسانيِّ فقط، فيما غير المسلم قد لا يحترم كلَّ مقدَّسات المسلمين، فلا يحترم مقدَّسات زوجته".
إنَّ هذه الإجابة تقع في الصميم من المنهجية التي يعتمدها السيِّد فضل الله في مقارباته الإجتهادية لمختلف القضايا، إنه لا يقدِّم إجاباتٍ جاهزةً، بل يعيد النظر مراتٍ ومراتٍ من خلال أخذ حساسية العصر في نظر الإعتبار فيكتشف كثيراً من المعاني الجديدة من خلال هذا التأمُّل المنهجيِّ الجديد في القرآن والسنة، بينما يعجز الآخرون عن تقديم مثل هذه الإجابات الشافية التي تنسجم مع الحساسية العامَّة لثقافة الإنسان في الزمن المعاصر.
إنَّ السيد محمد حسين فضل الله جرئٌ في كلِّ مناحي التفكير التي يخوض فيها، حتى تلك التي تخصُّ نقد رجال الدين، انطلاقاً من قناعته بأنَّ النقد حالةٌ إيجابيةٌ يجب أن تصبح شائعةً، لكن من موقع الحبِّ والرغبة بالإصلاح، وليس من موقع الحقد أو من موقع الرغبة بالحطِّ من شأن رجال الدين، ولا يجب أن ننظر إلى من يقوم بمهمَّة النقد بوصفه خصماً كما أكَّد سماحة السيِّد محمَّد حسين فضل الله قدِّس سرُّه على هذا المعنى مراراً في عددٍ كبيرٍ من المناسبات.
يقول بهذا الصدد:"رجل الدين هو الذي يملك ثقافةً دينيةً واسعةً، والتزاماً دينياً، ودوره ينطلق مما قاله الله للنبيّ: (ولذلك فادعُ واستقم كما أُمرت). ليس كلُّ ما يفعله رجال الدين يمثِّل الدين، علينا أن ننقد رجال الدين، حتى في أعلى الدرجات، كما ننقد رجال السياسة والإجتماع، ليس هناك معصومٌ عندنا في هذه الحياة. رجل الدين يفكِّر وقد يخطئ أو يصيب، وعلينا أن ننبهه إلى خطئه، ولا نعدَّ أخطاءه حجَّةً على الدين. لا مقدَّس إلا الله ورسوله وأولياؤه الذين فرض قداستهم".
د. باسم الحسناوي