دراسات وبحوث
غريب دوحي: الثالوث المقدس في الحضارات والأديان

عندما بدأت التنقيبات الاثرية في عشرينيات القرن الماضي في كل من بلاد الرافدين وبلاد النيل وبلاد الشام من قبل بعثات إنكليزية وفرنسية وامريكية عثر المنقبون على الواح من الطين والحجر واوراق البردي منقوش عليها وعلى جدران المعابد إشارات مبهمة حاول هؤلاء معرفة اسرار هذه الكلمات ومثلما استطاع الضابط الفرنسي (شامبليون) حل رموز الكتابة الهيروغليفية في مصر استطاع الباحثون في العراق والشام ومصر من حل رموز هذه الإشارات وتبين لهم انها تشير الى وجود (ثالوث مقدس) لدى السومريين والبابليين في العراق وكذلك في مصر والشام ويمثل هذا الثالوث الظواهر الطبيعية ورموز بعض الحيوانات التي يقدسها المصريون مثل القطط والطيور وقد ظهرت للباحثين ان مسألة الثالوث المقدس مسألة عالمية موجودة في الكثير من الحضارات والأديان في الهند والصين ومصر والعراق واليونان والرومان.
ومن جانب اخر اهتم الانسان القديم بالأرقام واعتبرها رموز سحرية فالرقم (1) يرمز الى التوحيد أي عبادة الله الواحد والرقم (2) رمز الديانات الثنوية التي تؤمن بالهين: النور والظلام او الخير والشر كالزرادشتية والمانوية والرقم (3) هو الثالوث المقدس عند المسيحيين وكذلك اهتم به الفيلسوف (فيثاغورس) الذي اعتبره اصل كل شيء والرقم (4) يرمز الى الفصول الأربعة.كما حظي الرقم (7) بقدسية في التوراة والانجيل والقرآن.
الثالوث في الحضارات القديمة
الثالوث عند السومريين
يتكون الثالوث عند السومريين من الآلهة: آن - انليل - انكي، و آن او (آنو) هو كبير الآلهة وخالق الكون والانسان ومقره في السماء وبيده مفاتيح الكون كما يقول السومريون. اما (انليل) فهو اله الهواء و انكي هو اله الماء والحكمة.
الثالوث البابلي: الشمس - القمر - الزهرة. والزهرة هي الكوكب المعروف وقد سماه البابليون بأسم (عشتار).
الثالوث المصري: يتكون من اوزيرس - ايزيس - حورس. فاوزيرس تصنفه الاساطير المصرية بانه الانسان الأول وانه قتل ثم عاد للحياة وايزيس اخته وزوجته وقد نسب اليها انها تعيد الحياة الى الميت اما حورس فهو ابنها وقد جسده المصريون على شكل صقر متوج.
الثالوث اليوناني: يتكون من ثلاث كلمات: الله - الكلمة - الروح وهذه الكلمات تشبه الثالوث المسيحي.
الثالوث الروماني: جو بيتر - جو نو - مينر فا، جو بيتر هو اله السماء والرعد والبرق - جو نو اله الزواج - مينر فا هو اله الحكمة والحرب.
الثالوث الصيني: الشمس - السماء - الارض.
الثالوث في الأديان
الثالوث الهندوسي: اله العاصفة - اله النار - النظام.
الثالوث البوذي: بوذا - تعاليم بوذا - المجتمع البوذي.
ثالوث البراهمة: براهما - فيشو - شيتا.
الثالوث اليهودي: الرب - الأرض - الشعب.
ثالوث العرب الجاهلي في الجزيرة العربية: يقول هشام بن محمد الكلبي في كتابه (الاصنام) (ان قريشا كانت تطوف بالكعبة مرددة:واللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى فانهم الغرانيق العلى وان شفاعتهم لترتجى واللات والعزى ومناة هي اصنام ثلاثة موضوعة في الكعبة اتخذ منها عرب ماقبل الإسلام ثالوثا مقدسا.
الثالوث المسيحي: الاب - الابن - روح القدس
الاب هو الله والابن هو المسيح وروح القدس هو الوحي. وهكذا يعلن الثالوث المسيحي ان لله ثلاثة اقانيم (صفات) في جوهر واحد أي وحدة في الجوهر وتعدد في الصفات او الخواص وهذه الخواص هي: خاصية الوجود - خاصية العقل - خاصية الحياة أي ان الله حي لايموت. وقد دافع المسيحيون الأوائل عن عقيدة الثالوث بالادلة العقلية والمنطقية وردوا على الاتهامات الموجهه لهم بالقول: نحن لانقول (1+1+1)بل نقول (1x1x1)فتكون النتيجة واحد. كما دعم المسيحيون عقيدة التثليث بالاحجام الرياضية فالصندوق مثلا له ثلاثة ابعاد: الطول والعرض والارتفاع. والانسان ثالوث يتكون من الذات - العقل - الروح.
ومن اجل تثبيت عقيدة الثالوث المقدس اقرت الكنيسة مبدأ التثليث رسميا في مؤتمر (نيقيا) في تركيا عام 325 م وقد حضره الملك (قسطنطين) والقى فيه كلمة حث فيها على وجوب تنظيم العلاقة بين الله والمسيح باعتباره أبنا له ثم جرى تأكيد هذا المبدأ في مؤتمر القسطنطينية عام 381 م... وهكذا اصبح موضوع التثليث حقيقة دينية وليست فلسفية واعتبارها حقيقة الهية وقد وردت باشكال متعددة في الكتاب المقدس (الانجيل).
الثالوث الإسلامي
مما لاشك فيه ان الدين الإسلامي دين توحيد وقد رفع شعار (لا اله الا الله) وقد اكدت ايات القرأن هذا الاتجاه مثلما جاء في سورة الإخلاص (قل هو الله احد لم يلد ولم يولد) الا ان بعض المستشرقين الذين اهتموا بدراسة الإسلام مثل المستشرق الألماني (نولدكه) الذي حاز على شهادة الدكتوراه من كتابه (تاريخ القرأن) وغيره من المستشرقين قد أشاروا الى وجود تثليث في فواتح السور القرأنية او مايسمى ب(البسملة) وفسروا قول القرأن (بسم الله، الرحمن، الرحيم) بأنه ثالوث إسلامي فالله هو الرب والرحمن هي رحمة الله الشاملة لكل الناس والرحيم هي رحمة الله الخاصة لبعض الناس او لأنسان بعينه وذهبوا ابعد من هذا بان الإسلام كان متأثرا بالدين المسيحي وانه اخذ عنه مبدأ (الثالوث المقدس).
الا ان مفسري الايات القرأنية المحدثين وشيوخ الإسلام وكذلك المفكرين قد تصدوا لهذا الاتجاه واعتبروه تحريفا وتشويها لايات وسور القرأن والاحاديث النبوية التي تؤكد على ان الدين الإسلامي هو دين التوحيد الخالص الذي لاتشوبه شائبة.
***
غريب دوحي ناصر