قراءات نقدية
عفيف قاووق: إضاءة على كتاب بديل دائم

كتاب بديل دائم للكاتب الاردني طارق عودة، صدر العام 2025 عن دار الخليج للنشر والتوزيع-عمّان وهو مجموعة نصوص قصيرة يمكن تجنيسها بما يعرف بالأدب الوجيز أو أدب الومضة، لقد وضع طارق عودة عصارة تجربته وتأملاته في هذه النصوص القصيرة بمفرداتها المكثفة بمعانيها. وسنشير إلى البعض من هذه النصوص وقراءتنا لها.
Google-1 : في هذا النص يحاول الكاتب التنبيه إلى ما يُشبه البلادة التي بدأت تداهمنا من خلال انقيادنا الكُلي نحو محرك البحث “غوغل” الذي بالرغم من احتوائه على كمية من المعلومات – صحيحية كانت أم مغلوطة- إلا أن هذا الانقياد أفقدنا الكثير من حس المبادرة والابتكار والبحث عن الحلول والبدائل .فقط ما يتم تلقيمنا إياه من غوغل نأخذه ونسلم به دون بذل أي عناء او تقصي حقيقة ما يقدّم لنا.
2- نص فارق: جاء فيه “وجودكَ يحدث فارقًا؟كيف؟ يُربكني”.
بكلمات لا تتعدى أصايع اليد الواحدة يرسل لنا الكاتب إشارة مهمة وهي أن الأشخاص الذين قد نختلف معهم وعنهم، إلّا أنّ وجودهم في حياتنا قد يكون ضروريًا. لأنه يحفزنا سلبًا أم إيجابًا.فوجود الشخص الناجح في حياتنا يربكنا طبعا ويحفزنا ربما لمنافسته والإقتداء به وكذلك الشخص الذي يعيق نجاحنا فوجوده في حياتنا مربك حتمًا.
3- نص لو: "لو علم أولئك الذين ذبحونا أننا بفضلهم أصبحنا في عالمٍ لا نرى فيه بشاعتهم ولا تطالنا فيه ترهاتهم، لحسدونا وتمنّوا لنا الحياة”.
في هذا النص يشير الكاتب الى السادية المتحكمة بذهنية القاتل الذي يرغب في تعذيب الآخر بشكل مستمر، وعليه فهو يحرص على عدم إماتتنا حتى لا يفقد لذته في التعذيب، ولا يمنحنا فرصة التخلص من همجيته، لذا فهو يرغب في إعادتنا للحياة ثانية ليعاود ممارسة ساديته وهمجيته علينا مجددا.
4- نص سَجِّلْ: في هذا النص يشير الكاتب إلى نوع من الإحباط والخذلان الذي يعصف بالكثير منّا. ولذا فهو يقول: ” سَجِّل أنا أخسر قبل أن أبدأ، سجِّل أنا خاسرٌ أوحدٌ ودائم”.
5- نص القدس: يعبر الكاتب فيه عما يختزنه من عاطفة تجاه هذه المدينة الأحب على قلوبنا جميعًا، فهي بالنسبة له “منارًا ونبراسًا، ويراها بالرغم من كل شيء صامدةً شامخةً، حتّى لو مرَّ عليها ألف حزنٍ ووجع فلا يراها إلّا قُدسًا”.
6-زيتٌ حُرّ: يروي لنا الكاتب كيف ان تاجر الزيت يخدع الزبائن ويوهمهم بأن زيته زيت حُرّ، ولكن كما يقال فإن طابخ السُمّ آكله، ففي طريق عودته تلدغه أفعى ولكونه لا يمتلك ولو قارورة صغيرة من الزيت البكر أو الحُر ليستعمله كترياق من أثر اللدغة فكان الموت من نصيبه.
7- نص نعيم الموتى: العبرة من هذا النص كيف ان البعض من الجيران يكونوا على خلاف أوتباعد في حياتهم، ولكن الموت جمعهما في حُفَرِ متجاورة، وكأنه يقول لنا أن ما تُفرقهُ الحياة وأطماعها يجمعه الموت وأكفانه.
8- نص إرتعاش: يقال دوام الحال من المُحال، فكم من شخص تباهى بقدرته البدنية وجبروته وثروته، وبالرغم من كل هذا ربما تخسف به الأيام وتجعله عاجزا حتّى عن إلتقاط صينية القهوة او كوب من الشاي بسبب ما يعانيه من ارتعاش في حركته.
9- بني عبس: المسألة التي يثيرها هذا النص أننا لا نزال أسرى موروثات وعقدِ تجعلنا نتخذ المواقف الخاطئة حتى ولو كانت مُضرة، كما فعلت عشيرة بني عبس بالرغم من اعترافها بفروسية عنترة ولكن لسواد بشرته لم ترتضِ ان يكون فارسها وقائدا لها “فلا يعقل أن يعلوَ فحمًا حريرًا”.
10- ماضٍ تليد: يسلط الكاتب الضوء على التناقض بين السلف والخلف وعلى غياب مقولة خير خلف لخير سلف. ليحل محلها ما قاله أحدهم: أخاف من ابني أن يهدُمَ ما أبنّي.
11- طقم أسنان: بالرغم من مسحة الكوميديا فيه إلا انها كوميديا سوداء عندما نعرف ان البعض لا يوفر حتى الأموات كما فعل مُغسّل الموتى بانتزاع أطقم أسنانهم الصناعية للإستفادة منها.
12- فوق الحافلة: “رجل اعتلى سطح الحافة مع خروفه، ولكن الركاب فوجئوا بتسرب سائل إلى داخل الحافلة من الأعلى، فاختلفوا هل هو بولُ الرجل أم بولُ الخروف وكادت الواقعة ان تقع بينهم”.
أليس في هذا النص الكثير من الحقيقة المؤلمة التي لا زالت متحكمة بنا وتجعلنا نختلف على جنس الملائكة. دون الإلتفات إلى المشكلة الحقيقية؟
13- فكر وأفكار: النص يشير إلى أننا في عالمنا العربي تم تدجيننا على معاداة الفكر او حتى مجرد الرغبة في التفكير، فإذا تجرأنا وفكرنا ربما نكون قد كفرنا.
14- دولار: لقد أصبح المال والثروة هما هدف الإنسان ولو على حساب ثقافته وتعليمه المهم كمية المال التي يكتنزها وليس كمية وقيمة المعارف التي يكتسبها.
15- معجزة: مسألة التمييز العنصري أو التنمر كانت حاضرة في هذا النص حيث أن المعلمة لا ترغب في النظر إلى تلميذها فقط لسواد بشرته بالرغم من تفوقه بالدراسة.
16- اختيار: "الذهاب أحيانًا نجاةٌ، والإياب أحيانًا نجاةٌ، لكن لا نجاة في إجتماعهما”.
هي دعوة صريحة لنا بأن على الفرد أن يحدد خياراته والوسيلة التي توصله لتحقيق هدفه.وان لا يبقى متذببًا بين إفعل أو لا تفعل ولا تبقى خياراته متأرجحة او ملتبسة.
17- إجراء طبي: في هذا النص إمرأة عابت على الطبيب قيامه باستئصال رحمها وهي أم لعشرة أولاد. واتهمته بأنه حرمها من إتمام مسيرتها في الإنجاب.ولم تعد لحياتها نفعٌ كما تقول.
يبين هذا النص الثقافة الموروثة بأن المرأة تحقق ذاتها من خلال عدد الأولاد التي تلدهم ولو على حساب صحتها.
18-حراسة: النص يشير إلى مسألة الإتكالية التي يتصف بها بعض الأبناء وعدم تحملهم أية مسؤولية تجاه الأهل الذين رغم كبر سنهم لا يزالون يكدون لتأمين لقمة العيش لأبناءهم العاطلين عن العمل والمنغمسين في اللهو والملذات.
19- عفن الذكورة: نص يتطرق إلى ما يسمى بجريمة الشرف والتي غالبًا ما تكون ضحيتها المرأة البريئة التي تقتل ظلمًا بعد ان اتهمت زورا بشرفها. فلا بد من الاحتفال برجولة وشهامة الأب أو الإبن او الزوج لقيامه بغسل هذا العار الموهوم.
20- صلاة الإستسقاء: نص يبرز كم هم كثر من يتمسحون بالدين والتظاهر بالتقوى ولكنهم يستثمرون هذ التظاهر لتحقيق مآربهم. وهذا ما فعله الشاب الذي تظاهر بالمشاركة في صلاة الإستسقاء ليتسنى له سرقة ما في حوزة المصلين الركع السجود.متمنيًا الإكثار من صلوات الإستسقاء كونها تشكل له موردا مالياً.
21- مشاركة حيّة: هي سمة قد تكون من السمات المشتركة في بلداننا العربية، وما يجري التندر بها وهيحقيقة. حيث أن الكثير من الأموات نجد أصواتهم في صناديق الإنتخابات، انها مشاركة حيّة بأبهى تجلياتها ودليل ساطع على وحدة النسيج الإجتماعي.
ختامًا هذه بعض النماذج من نصوص كتاب بديل دائم، قدّمها لنا طارق عودة بأسلوب سلس ولغة مسبوكة بمفردات قليلة ولكنها مكثفة بحيث تؤدي المعنى والمرتجى بأقل الكلمات، مصداقا للقول المأثور خير الكلام ما قلّ ودلّ.
***
عفيف قاووق – لبنان