قراءات نقدية
بهيج حسن مسعود: قراءة في نص الشاعر العراقي الكبير الاستاذ يحيى السماوي

أمنيات رمضانية...
لو أنني الربيعُ
لما تركتُ صحراءً إلآ وأقمتُ فيها
مهرجانَ خُضرتي..
*
لو أنني الخريفُ لانتحرتُ
كي لا تحني الوردةُ رأسَها
خجَلا ً من الفراشات..
*
لو أنني مطرٌ لواصلتُ بكائي
كي تضحكَ السنابلُ
وتستعيدَ الجداولُ الخرساءُ حنجرةَ الخرير..
*
لو أنني سوطٌ
لجَلدتُ الجلاّد..
*
لو أنني فِراءٌ
لكسَوتُ أقدامَ الحفاة..
*
لو أنني طاعونٌ
لاتخذتُ لصوصَ المنطقة الخضراء
حقلاً لِمِنجلي ..
*
لو أنني كرسيُّ عرشِ قصر الخلافة ِ
لتحوَّلتُ الى خازوق
كي لا يتقاتلَ الدهاقنةُ
من أجل الجلوس عليَّ!
*
لو أنني حرف الراء
لهربتُ من كلمة " الحرب "..
***
يحيى السماوي
..........................
القراءة:
1- الهيكل والأسلوب:
تتكون القصيدة من مقاطع متكررة تبدأ بعبارة -لو أنني-، مما يخلق إيقاعاً تأملياً يعكس رغبة المتكلم في التحول إلى قوى طبيعية أو أشياء لتحقيق العدالة والرحمة. يستخدم السماوي التناقضات والاستعارات الجريئة لربط المفاهيم المتناقضة -مثل البكاء لخلق الفرح، والانتحار لحماية الجمال-، مما يعمق تأثير الرسالة.
2- المواضيع الرئيسية:
أ- العدالة الاجتماعية:
الرغبة في محاربة الظلم جلد الجلاد بالسوط، تحويل الكرسي إلى خازوق.
ب- التضحية الذاتية:
التخلي عن الذات لحماية الآخرين انتحار الخريف لإنقاذ الوردة، المطر الذي يبكي لإسعاد السنابل.
ج- نقد السلطة:
هجوم على الفساد السياسي والديني لصوص المنطقة الخضراء، صراعات الدهاقنة حول العرش.
د- السلم والسلام:
الهروب من الحرب عبر تحطيم اللغة كهروب حرف الراء من كلمة حرب.
3- الرموز والاستعارات:
أ- الفصول والطبيعة:
الربيع رمز للتجديد، الخريف للتضحية، المطر للدموع التي تمنح الحياة.
ب- الأشياء اليومية:
السوط كأداة مقاومة، الفراء كرمز للعطاء.
ج- اللغة:
تفكيك كلمة حرب لإظهار إمكانية تحولها إلى سلام بتعديل حرفي.
4- السياق الثقافي والسياسي:
أ- المنطقة الخضراء:
إشارة إلى المنطقة المحصنة في بغداد، والتي ارتبطت بالسلطة الأجنبية والفساد بعد غزو العراق.
ب- الخلافة والدهاقنة:
نقد للنخب الدينية والسياسية التي تتقاتل على السلطة، متجاهلة مصالح الشعب.
الأبعاد الفلسفية:
أ- قوة التحول:
إيمان الشاعر بإمكانية تغيير الأدوار الظالمة مثل تحول الكرسي إلى أداة عقاب.
ب- التناقض الإنساني:
الجمع بين الألم والأمل دموع المطر التي تخلق الخضرة، انتحار الخريف لحفظ كرامة الوردة.
5- اللمسة الإنسانية:
تتجلى في الاهتمام بالمهمشين والحفاة وفي استخدام عناصر بسيطة حرف الراء لإحداث تغيير جذري. القصيدة تعكس حنيناً إلى عالم مثالي، لكنها أيضاً دعوة إلى العمل والتمرد ضد الواقع الفاسد.
6- الخاتمة:
أمنيات رمضانية ليست مجرد تمنيات، بل هي بيان ثوري يستخدم الشعر كسلاح لمواجهة القمع والفساد. السماوي يخلق عالمًا تُعاد فيه كتابة القواعد، حيث حتى أدوات القهر تصبح أدوات تحرير، والطبيعة نفسها تشارك في المعركة من أجل العدالة.
***
بقلم: بهيج حسن مسعود