قراءات نقدية
حبيب ظاهر حبيب: مسرحية فرح تنشر الفرح

عرضت مسرحية (فرح) الموجهة للأطفال - تأليف وإخراج حسين علي صالح، يومي الأربعاء والخميس ٢٦- ٢٧ / ٢/ ٢٠٢٥ على مسرّح الرشيد، الساعة الحادية عشر صباحا، فقد عمل القائمون على العرض على مراعاة توقيت العرض ليناسب حضور جمهور كبير من تلاميذ المدارس.
أحكم المؤلف (المؤلف المخرج) حكاية المسرحية وحبك أحداثها: الأب (غضبان) والأم (قوية) يدفعون (فرح) و (سعيد) لسرقة أموال موجودة في دار الأيتام، بناء على خطة محكمة وضعها (غضبان) يسرق الاخوين (فرح) و (سعيد) حقيبة الأموال، يتناولها منهم (غضبان) ليفتحها ويفرح بكمية الأموال، ويجد فيها ورق يعطيها لـ (سعيد) لرميها ، ويأمره لاصطحاب (فرح) والذهاب للتسول وإحضار الطعام، في الشارع يسرق (سعيد) و (فرح) كيس طعام من أحد المارة، لكنه يتمكن من الامساك بهما ويجد معهما الورقة، وبعد التحقق منهما بخصوص الورقة، يخبرهم انه (نبيل) مدير دار الايتام، وأن هذه الورقة فيها اسماء الايتام ومعها أموال تبرعات اليتامى ومعالجة مرضى السرطان مسروقة ، يعترفان له بعملية السرقة، وانهما نادمين على فعلتهما، وتكشف فرح عن إصابتها بمرض السرطان، يتفقون على استرجاع الأموال وإعادتها إلى مستحقيها، وينجحون في تكبيل (غضبان) و (قوية) لانتزاع اعترافاتهم لتحدث فعل التعرف ومفاجأة بأنهما قاموا بخطف (فرح) و(سعيد) يتم الاتصال بالشرطة لاعتقال المذنبين، ويعم الفرح.
يتضح من خلال سرد الحكاية أن المؤلف/المخرج عمد إلى تسمية شخصياته لتكون دالة على طبعها ومفصحة عن جوهرها، كما أنه حرص تبسيط فكرة العرض للطفل وإيصالها عبر المتن الحكائي (لا يجب تسخير الأطفال في أعمال شريرة مثل التسول والسرقة، والتأكيد على الحفاظ عليهم، مع التنبيه إلى التعاون من أجل مساعدة الأيتام ومرضى السرطان)
(المفاجأة والصدمة والصدفة) ثلاثة عوامل توافرت في العرض، أسهم إثنان منها في زيادة التفاعل وهما عامل (المفاجأة) وعامل (الصدمة) أما العامل الثالث (الصدفة) فقد أسهم في تأرجح مصداقية الأحداث وتوفير القناعات بمجرياتها ، تجسدت المفاجأة في تعرف ان (فرح) و (سعيد) ليسا أبناء هذه العائلة القاسية مما زاد في التشويق والإثارة لمتابعة الآتي من الفعل الدرامي، اما الصدمة القاسية فتجلت في فعل إزالة الشعر المستعار (الباروكة) عن رأس (فرح) وظهورها صلعاء، وحوارها الدال على اصابتها بمرض السرطان، مما رفع نسبة التعاطف معها ومشاركة المتلقي لمشاعرها، وقد كان لعامل (الصدفة) دور في دفع الأحداث للتصاعد مع الاخذ بالاعتبار ان وجود ثلاث مصادفات متتالية تجعل المتلقي أمام حيرة بدرجة ما، الصدفة الاولى لقاء الطفلين فرح وسعيد بمدير دار الأيتام (نبيل) في الشارع، الصدفة الثانية احتفاظ (سعيد) بورقة ووقوع نظر مدير دار الأيتام عليها ليكتشف السرقة من خلالها ويحدث التحول في الأحداث، الصدفة الثالثة احتفاظ (غضبان) بهاتف عائلة (فرح و سعيد) وفعل الاتصال بهم الذي أنهى المسرحية بعجالة بعد إعادة حقيبة الأموال.تنوعت فضاءات العرض وبيئة الأحداث، فقد تغير المناظر لثلاث مرات، الفضاء الأول أقرب إلى التجريد والايحاء بالمكان منه إلى الفضاءات الواقعية الموجهة للأطفال، ثلاث شبابيك وباب ملونة، يبدو عليها آثار الفقر والاهمال معلقة في الفضاء، الفضاء الثاني والثالث صنعته صورة منظر شارع، عرضت بواسطة جهاز الـ (داتاشو) مع اضافة مصطبة، أما ما ملأ الفضاء وجعل الحيوية تتدفق في ارجاءه فهي حركة الممثلين وتوزيعها على مناطق خشبة المسرح فضلا عن وضوح بنية الشخصيات وتصنيفها على طرفي معادلة الصراع المناسبة للطفل منذ بداية العرض (غضبان وزوجته قوية) الطرف الشرير و (فرح واخوها سعيد) الطرف الخيِّر، ومنح المؤلف/ المخرج شخصية (نبيل) فعل حل الصراع.
تقول (وينفريد وارد) في كتابها الرائع (مسرح الأطفال): (المخرج الذي يستطيع أن يرى العالم من خلال نظرة الطفل هو وحده الذي ينبغي أن يخرج مسرحيات الأطفال) ويمكن تعميم هذه المقولة لتشمل المؤلفين والممثلين والشعراء والموسيقيين وجميع من يتوجه بنتاجه إلى الطفل، وقد حققت مسرحية (فرح) أهدافها التثقيفية والجمالية بفضل ما تمتع به فريق العرض من روح الطفولة و مستندين في ذلك لخبرتهم الفنية وما زرعه المخرج (حسين علي صالح) الخبير بخبايا مسرح الطفل فيهم، مع الاشادة بالحضور الجميل لجميع الممثلين (قاسم السيد وسلوى الخياط وعدي الكرخي وأحمد شوقي وبنين أيمن) الذين جسدوا خصائص التمثيل في العرض الموجه للطفل من خلال نقطتين أساسيتين: محاكاة الحركة والإلقاء ذي السمات الطفولية، لا وجود انفعالات مأساوية عميقة ولا إسراف في المواقف الكوميدية.
تعد الكوميديا والاغاني من الأمور الأساسية الواجب حضورها في مسرح الطفل، ذلك أنها من الجماليات المؤطرة للدراما الطفلية، ولتكون عناصر ترويحية تساعد في امتصاص توترات الصراع، لذا وظف المخرج عنصر الكوميديا في العديد من بعض المواقف، وعمل على تزيين العرض بالأغاني المؤلفة من قبل الشاعر (عبد الرزاق الربيعي) والحان (هادي الشاطي) وهي معبرة عن الشخصيات والأحداث الدرامية، وأسهمت في تصاعد الأحداث لكونها جزء عضوي في العرض وليس جزء ترفيهي وحسب. وهنا لابد من الاشارة المحمودة لعدم سماع الموسيقى والمؤثرات الصوتية ولا الانتباه إلى الاضاءة والمؤثرات الضوئية بصورة منفردة، لقد أدت الموسيقى الإضاءة فعلا أساسيا في صناعة الجو النفسي العام للعرض، وشكلت لغة متضامنة مع الصورة الكلية للتكامل الفني في العرض.ليس من اليسير السيطرة على انتباه جموع الأطفال، ما لم يمتلك العرض وسائل تجعل انتباههم مركزا على ما يقدم إليهم لمدة ساعة تقريبا، ان حكاية العرض واحداثه وتنوع شخصيات وأداء الممثلين ومهارة الفنيين.. كلها عوامل صنعت العرض وأسهمت في جعل المتلقي الصغير مشدودا وغير قادر على التفريط في لحظات من العرض، وهذا من المؤشرات الهامة على النجاح، مع ملاحظة حضور أطفال ليسوا من الفئة العمرية (9 - 12) سنة التي يمكن أن تتابع عرض مسرحي لستين دقيقة، وهذا أمر خارج سيطرة القائمين على أي عرض مسرحي، إذ لا يمكن حصر الفئة العمرية واستبعاد فئة أخرى من الدخول إلى القاعة، ويبدو أن مسألة تحديد الفئات العمرية لا يعدو كونه مسألة نظرية أكاديمية.
إن مثابرة وجهود فريق عرض مسرحية (فرح) إلى جانب العروض الاخرى الموجهة للأطفال التي قدمت خلال الشهور القليلة الماضية، أنتجتها جهات عديدة، تؤشر علامة مضيئة في مسيرة المسرح ودلالة حقيقية لتعافي الدراما المسرحية في بغداد، مع الأخذ بعين الاعتبار أن تكون هذه العروض موجهة ليس لتلاميذ المدارس حصرا، إذ يفضل تنفتح على عموم الأطفال، وأن يكونوا بصحبة ذويهم لأن عروض مسرح الطفل موجهة للعائلة ضمنا، لأن موضوعاتها وافكارها تمس الحياة الاجتماعية العامة.
***
د. حبيب ظاهر حبيب