قراءات نقدية

كريم عبد الله: قراءة سيميائة في القصة القصيرة "إلهام مختلف" إلهام مختلف

إلهام مختلف،

بقلم: الكاتب علي عزيز - كردستان العراق.

الليلة وعكس كل الليالي تقلبت في فراشك كثيرا ! احساسك بالحرارة يشعرك بالاختناق، لن تتحمل، راسك امسى كوره للدبابير، منذ المغيب وراسك مزدحم بالكلمات والذكريات، وحيدا انت في غرفتك الخاوية، خاوية كالمقبرة التي تحتضن امك في هذه المدينة المكتومة والحزينة، انت والاخرين كأنكم موتى، مع انك في هذه العتمة والخوف اردت ان تكون صرخة،صرخة اذا لم تمزق ستار الصمت علها توقظ اناسا نائمون منذ الازل ولا يريدون الاستيقاظ،اردت ولكن هيهات، لم يسمحوا لك اولئك الذين ينشرون في عناوين صحفهم و برامجهم حقوق الانسان ويتغنون للإنسانية بأعلى صوت لكنهم في غرفهم السوداء وفي سراديبهم يستحوذون على الحقوق والاحلام والامان واعترافات الانسان. لن تستطيع ان تخدع نفسك اكثر من ذلك، اقتنعت اخيرا انك هذه الليلة لن تنام، دفعت بقدميك غطائك وجلست تلف ذراعيك كالمفجوع حول ساقيك نظرت بصمت نحو الكتب الملقاة على دكة النافذة، بماذا تفكر يا ترى؟ هذه المرة لن يعتقوك، تعرفهم جيدا فهم مجرد كلام وضحكات مزيفة، مقنعة وجوههم، تصرفاتهم تمثيل ووعودهم كاذبة، ماذا تريد ان تفعل؟ نهضت كالمجنون نحو الكتب اخرجت ورقة بيضاء والتقطت القلم المرمي بجوار السرير وكتبت (لا اعرف) تأملت بصمت تلك الكلمة تثاؤبك المنقطع ملأ عينيك بالدموع مسحتها بظهر كفك بسرعة ونظرت الى الكلمة ومحوتها بالقلم وكتبت (لماذا؟)
نهضت من غير وعيٍ وتجولت في الغرفة ذهابا وإيابا ادخلت اصابعك بين شعرك عده مرات محاولا تخفيف الالم، كان راسك يؤلمك كثيرا وكانه بالونة مليئة بالهواء على وشك الانفجار،ماذا تنوي ان تكتب؟.. مقاله؟ نثر؟ انت حتى لست بقاص، لا تقل انك ستكتب شعرا؟ فهذا موضوع لا ينسى ابدا، قالوا لك عليك ان لا تكتب الشعر اطلاقا، فضحكت كثيرا، الا يعرفون ان حياة الطيور في تحليقها ضربوك بكف اوقفوك عن ضحكاتك، هذه الليلة تريد ان تضع حدا لإهاناتهم واستخفافهم بكرامتك وجميع القيود التي تحيط بحياتك والكلمة هي سلاحك الوحيد آآاه ما اصعبها من مواجهة ! صياح ديك الجيران افزعك رفعت راسك ناظرا الى النافذة قلت مع نفسك النهار! نظرت الى الورقة التي امامك عضضت شفتاك بضجر وكتبت (يسقط....) ثم ارتديت ملابسك وخرجت.
..................
المقدمة:
تدور القصة حول حالة نفسية معقدة لبطل يعاني من ضغط داخلي وخارجي في محيطه الاجتماعي والسياسي. تتناول القصة الصراع الداخلي للشخصية ومحاولتها للتعبير عن ألمها وإحباطها باستخدام الكلمة كأداة للمواجهة. في هذا التحليل السيميائي، سيتم التركيز على الرمزية، التركيب اللغوي، والعناصر السردية التي تساهم في بناء دلالة القصة.
1. الشخصية:
الشخصية الرئيسية في القصة هي شخصية مضطربة نفسيًا، يعبر عنها من خلال استخدامه لأفكار وأحاسيس متضاربة. يتضح من النص أن الشخصية تعاني من شعور بالاختناق الداخلي والضغط النفسي، وهو ما يظهر في العبارات مثل /رأسك امسى كرة للدبابير/ و /الشعور بالحرارة الذي يشعرك بالاختناق/. هذا الاختناق ليس فقط جسديًا، بل هو أيضًا معنوي، نتيجة للحالة التي يمر بها الشخص في بيئته الاجتماعية والسياسية.
2. الرمزية:
النافذة: تعد النافذة في النص رمزًا لفصل بين العالم الداخلي للشخصية والعالم الخارجي، وهي نافذة يطل منها الشخص على واقعه الذي يعاني منه. الكتب على النافذة تمثل ربما محاولة للهرب إلى المعرفة أو الإلهام الذي يبدو أنه غير مجدي في تغيير حالته.
الورقة البيضاء: الورقة البيضاء تمثل بداية جديدة أو محاولة للبدء في التعبير عن الذات، لكنها تصبح محض شعور بالضياع كما يظهر في كتابة /لا اعرف/ ثم محوها وكتابة /لماذا؟/. هذه التفاعلات تشير إلى حالة من الحيرة والتشوش الذهني الذي يعيشه البطل.
الديك: صياح الديك يشير إلى بداية اليوم الجديد، وهو يمثل الضوء الذي يتسلل إلى ظلام الليل ولكن دون أن يكون له تأثير حقيقي في تحسين الحالة النفسية للبطل.
3. البنية السردية:
القصة تتبع أسلوب التداعي الحر للأفكار والمشاعر، حيث لا توجد تسلسل زمني دقيق أو تطور واضح للأحداث. السرد ينقل القارئ عبر التبدلات النفسية للمحكوم عليهم بمأزق داخلي؛ إذ تبدأ الشخصية تفكر في الموت، في الكلمات، في الغضب، ثم في محاولات لكتابة شيء قد يغير الواقع. هذا الأسلوب يعكس حالة نفسية مشوشة ومضطربة، وهو ما يعزز من إحساس القارئ بمدى التوتر الذي يعيشه البطل.
4. اللغة:
اللغة المستخدمة في القصة مليئة بالصور المجازية القوية مثل /رأسك كورة للدبابير/ و /الشعور بالاختناق/. هذه الصور تعكس الصراع الداخلي للبطل وتظهر قسوة الواقع الذي يعيشه. استخدام العبارات المباشرة مثل /لا اعرف/ و /لماذا؟/ يزيد من وضوح الإحساس بالضياع والاستفهام المستمر الذي يواجهه البطل في محاولاته لتفسير وجوده.
5. الفضاء الزماني والمكاني:
الزمان: القصة تتم في /الليلة/، ما يوحي بتوقيت يكون فيه البطل في عزلة، سواء كان الوقت مساءً أو في مرحلة الليل حيث يغلب الهدوء والظلام. الليل هنا يشير إلى حالة من الانغلاق الداخلي، حيث لا يمكن للفكر أن يجد مخرجًا.
المكان: يتم تحديد المكان بشكل ضبابي وغير محدد بشكل دقيق، لكن وصف الغرفة بأنها /خاوية كالمقبرة/ يجعلها مكانًا منغلقًا ومكتومًا، ما يعزز شعور العزلة والفراغ الداخلي. كما أن المدينة نفسها تُوصف بأنها /مكتومة وحزينة/، مما يشير إلى قسوة البيئة المحيطة التي يعيش فيها البطل.
6. الرسالة أو المضمون:
القصة تعكس الصراع الشخصي والوجودي الذي يواجهه الإنسان في بيئة تتسم بالقمع الاجتماعي والسياسي. الرغبة في التعبير عن الذات والكلمة التي هي سلاح البطل تتعثر بسبب الضغوط الخارجية. الكتابة هنا تصبح أداة مقاومة في وجه الواقع الذي يعاني منه البطل، لكن في النهاية، يبقى الشخص عاجزًا عن تغيير الوضع. الكلمة /يسقط.../ التي يكتبها في النهاية تظل غير مكتملة، مما يعكس عجزه عن إيجاد إجابة أو حل لحالته.
الخاتمة:
هذه القصة تتعامل مع موضوعات الاغتراب والضياع الداخلي في عالم مليء بالصمت والظلام. من خلال السيميائية، يمكن رؤية كيف يستخدم الكاتب الرموز والأفكار المتداخلة لخلق جو من القلق والتوتر الذي يعكس حالة الشخصية. إن تداخل الذات مع المحيط القاسي يعكس الأبعاد النفسية والاجتماعية التي يعاني منها الإنسان في مجتمع يرفض الاستماع إلى معاناته.
***
بقلم: كريم عبد الله – العراق

في المثقف اليوم