قراءات نقدية
كريم عبد الله: الرمزية المزدوجة لصراع العقل والقلب
تفكيك آلية اختيار الروح بين الأضداد
قراءة سيميائية في قصيدة: صراع الجبارين – للشاعرة: صوفيا سعيد – المغرب.
***
توطئة:
الرمزية المزدوجة لصراع العقل والقلب: تفكيك آلية اختيار الروح بين الأضداد. هذا العنوان يعكس الصراع الدائم بين العقل والقلب الذي تتناوله القصيدة كأمر رمزي يعكس صراعًا داخليًا في الذات الإنسانية. كما يُظهر العلاقة بين العناصر الرمزية (العقل، القلب، النفس) كأطراف متناقضة تتصارع على قيادة الروح، وهو ما يفتح المجال لتفسير سيميائي يتعلق بكيفية تشكيل المعنى داخل هذا التوتر بين العواطف والأفكار.
مقدمة
القصيدة / صراع الجبارين / للشاعرة صوفيا سعيد تقدم صورة رمزية معقدة لصراع داخلي بين العقل والقلب، حيث تمثل هذه الثنائية الأبدية صراع الإنسان مع ذاته. تستخدم الشاعرة في قصيدتها صورًا بلاغية مؤثرة وأسلوبًا رمزيًا مكثفًا لتمثل هذا الصراع الذي يتجاوز مجرد التنازع بين عقل وقلب، ليشكل معركة نفسية وروحية أعمق بين القيم العقلانية والعاطفية، وبين الأمان والتضحية.
الرمزية السيميائية: العقل مقابل القلب
من خلال التفاعل بين الشخصيات الثلاثة في القصيدة (المرأة، العقل، والقلب)، يظهر الصراع كصراع بين أطراف متضادة، حيث يسعى كل من /العقل/ و/القلب/ لإقناع /الملكة/ (المرأة) باتباع طريقه. الشاعرة تصف هذا التنافس بأنه /صراع الجبارين/، مما يعكس حجم الصراع الداخلي بين العقلانية والعاطفة على عرش الروح الإنسانية.
العقل: يُصوَّر العقل في القصيدة كـ /ملك الأفكار/، أي أنه يحمل القوة المنطقية والتحليلية. يتمحور دوره حول تقديم /الحلول/ التي تُمثل الأمان والاستقرار. العقل يقدم الحقيقة الملموسة والمفاهيم المدروسة، وهو مرشد يرشد المرأة نحو /مفاتيح الأمان/.
القلب: بينما يواجه العقل، يأتي القلب ليقدم نفسه كـ /ملك المشاعر/، مروجًا للأحاسيس والعواطف التي تغمر الروح البشرية. قلب المرأة هو نبضها، سرها، وأملها في الحياة. أما شِعار القلب في القصيدة فهو الإيمان بأن /لا حياة بلا حب/. تتكشف أهمية هذه الرمزية في ربط القلب بحالة أمل وطموح يعكرها /الأوهام/ التي قد تقود إلى الارتباك في اختيار الطريق الصحيح.
الصراع الرمزي: بين الجنة والنار
الشاعرة تُظهر الصراع بين العقل والقلب كمسار بين /الجنة والنار/. هذا التوصيف يشير إلى أن كل خيار يحمل معه تبعاته: العقل، بوصفه مصدر الأمان، يضع في يد المرأة مفاتيح الحياة الواقعية والتوازن، بينما القلب يضلها إلى الأوهام ويغويها بحلم الحب والسلام، رغم أن هذا الحلم قد يتسبب في الألم أو الضياع.
يُقدم الصراع هنا كتحدٍ ميتافيزيقي؛ فالمرأة لا تختار بين شخصين أو مكانين بل بين /أفكار/ و/مشاعر/ تتداخل في روحها. وهذا يعكس الصراع الأزلي بين العقلانية التي تبحث عن الحقيقة المادية، والعاطفة التي تؤمن بالقيم غير الملموسة مثل الحب والحرية.
التناغم بين العقل والقلب: التفاعل النهائي
عند نهاية القصيدة، تترك الشاعرة جملة مفتاحية تعكس الحل السيميائي للصراع: /القيادة لا تأتي من المجادلة بين القلب والعقل، بل تأتي من التناغم بين النبضات التي تملأ الروح بأمل/. هذا التحول من التنافس إلى التناغم يعكس فلسفة الشاعرة التي تُدرك أن الحل لا يكمن في الانتصار الكامل لطرف على الآخر، بل في التوازن والتكامل بينهما. هذا التوازن هو ما يمنح المرأة (الروح) القدرة على اتخاذ القرار الصحيح والقيادة الذاتية، التي لا تعني فقط النجاح بل الإدراك الداخلي العميق لمكانتها وقيمتها.
الرمزية السيميائية للأدوات اللفظية
الشاعرة توظف أدوات لغوية تجسد هذه الصراع بفعالية:
/دموع من ذهب/: هذه العبارة تعكس التوتر بين المادي والرمزي، بين الفقدان والعاطفة التي تحمل في طياتها قيمة ثمينة رغم آلامها.
/كل ما تبحثين عنه في الخفاء/: هي دعوة للبحث الداخلي عن الحلول، وتعكس حاجة العقل إلى اكتشاف الحقائق المخبأة داخل الذات.
/طريق ضلّ/ و/فقد الأمل/: في هذه الجمل، يتم تقديم فكرة /الضلال/ على أنها جزء من تجربة الإنسان في محاولة إيجاد التوازن بين عقله وقلبه، حيث يُعبر عن حالة من الارتباك أو البحث عن المعنى.
الخاتمة
في قصيدة /صراع الجبارين/، تقدم الشاعرة صوفيا سعيد صورة سيميائية غنية لعملية الاختيار الداخلي بين العقل والقلب. من خلال الرمزية المتقنة، تضع القصيدة القارئ أمام صراع أعمق من مجرد مواجهة بين طرفين؛ إنه صراع بين العقلاني والعاطفي في الإنسان، بين الأمان والمجازفة، بين الحقيقة والوهم. لكن النهاية تفتح المجال لتفسير آخر، حيث تُظهر أن حل هذا الصراع يكمن في التناغم بين هذين الجانبين، مما يسمح للروح بالاستقرار في رحلة الحياة.
***
بقلم: كريم عبدالله – العراق.
.............................
صراع الجبارين
على عرشها، جلستْ، ملكةٌ تَحكمُ الزمانَ والمكانْ
أفواهٌ تهمسُ، والأعين تراقبُ، ليتقاسموا فكرَها في الحالْ
"أنتِ... أنتِ" يناديان، بدموعٍ من ذهب، من شَوقٍ واهتمامْ
لكنَّ كلاهما يعرفُ أنها ليستْ مجردَ امرأةٍ، بل أسرارٌ وعواطفٌ تُشعلُ العقلَ في العيون الحالمه، وتثيرُ القلبَ في الوجدانْ.
أحدُهم يلوحُ بالعقلِ، تارهً تُغمضُ عيونَها لتسمعَ الحقائق،
يقول: "أنا ملكُ الأفكارِ... فيَّ كلُّ الحُلولِ، كلُّ ما تبحثين عنهِ في الخفاء."
أما الآخرُ فيعلنُ نفسهُ ملكَ المشاعرِ، ويهمسُ: "أنا قلبُكِ، نبضُكِ، سرُّكِ المكتومُ، لا حياةَ بلا حبّ."
هكذا، يصبحُ الصراعُ أكثرَ مرارةً، كأنَّهما فتيانٍ يقدمانِ الوعودَ، في معركةٍ حولَ لحنٍ لا يُسمعُ إلا في السكون.
وفي كلِّ خطوةٍ، تتمايلُ هي بينَ الجنةِ والنارِ،
بينَ صوتِ العقلِ الذي يضعُ في يدِها مفاتيحَ الأمان،
وقلبٍ لا يعرفُ إلا أن يهيمَ في الأملِ، طارحًا أمامها الأوهامَ،
لكنَّ هذا الصراعَ... لَمْ يكن في الحقيقةِ إلا معركةً بينَ العقلِ، والقلبِ، والنفسِ.
أفواجٌ من الكلماتِ تلاطمتْ حولَ شواطئِ روحِها،
لكنَّ ما اختارهُ هو الذي يليقُ بروحٍ تبحثُ عن السلامِ،
فإلى أيٍّ يذهبُ العقلُ إذا ما ضلَّ الطريقَ؟
وإلى أيٍّ يسيرُ القلبُ إذا ما فقدَ الأملَ؟
لقد أدركتْ حينها، أنَّ القيادةَ لا تأتي من المجادلةِ بينَ القلبِ والعقلِ،
بل تأتي من التناغمِ بينَ النبضاتِ التي تملأُ الروحَ بأملٍ…
وبذلك، تتفتحُ الحياةُ، ويُبنى العرشُ على قاعدةٍ من الإيمانِ والوعي،
تلكَ هي القيادةُ... بلاءٌ لا يعصفُ إلا بمن أرادَ أن يعقلَ ويفهمَ ما في نفسهِ من إلهام.
بقلم:
صوفيا سعيد – المغرب