قراءات نقدية

طارق الحلفي: تاج الحكمة وشقاوة الفتيان

قراءة في مدلولات قصة "سهام الفتى عادل السليطة" للقاصة سعاد الراعي

متكئة على حافة الحكمة وشقاوة الفتيان تقدم لنا الكاتبة المقتدرة سعاد الراعي لوحة أدبية مفعمة بالحياة، من خلال قصتها الموسومة بـ "سهام الفتى عادل السليطة".. التي تجمع بين براءة الطفولة وتعقيداتها، وحكمة الكبار وعصمة التروي.. انها تكشف لنا جوانبًا إنسانية واجتماعية بأسلوب سردي مشوق.. يحيطنا بطقس من اسرار الأخطاء الصغيرة الطائشة.. واسوار من نصاعة الغفران..
كقمر يتدلى نثار ضوءه.. ترسم الكاتبة شخصية الفتى عادل برؤية دقيقة كحويصلة زرزور، جاعلة منه نموذجًا حيًا للفتى الذكي المبدع الذي يمتزج في داخله الشغف بالمغامرة مع روح التحدي والمسؤولية الناشئة.
ان اللغة الأدبية التي صيغت بها القصة تتميز بالجزالة والانسيابية، حيث تنتقل الكاتبة برشاقة الحدأة بين المشاهد اليومية العادية والبسيطة، إلى الأحداث الأكثر تعقيدًا، والأكثر انعطافًا.. دون أن تفقد الوتر الحساس للتوازن بينهما.. او تنعطف متلبكة عنهما.. بالغة زلال حبكتها المدهشة بغبطة الترف/ النعمة..
ان اصطيادها لمفرداتها.. التي توحي بدقة انزياحات تعبيراتها، تضفي طابعًا شعريًا يأسر القارئ ويقربه من عالم الشخصيات التي تلعب أدوارها بأناة وتبصر في احداث القصة.. ساعية وبروية لبلوغ حالة التوتر في المؤازرة او النفور.. في الغل او الانشراح.. مستخدمة تشبيهات مثل، "قلبه يحلّق مع العصافير"، او "كأنها تزيّن تاج حكمتها الأزلية"..
والأطرف من ذلك كله.. هو عنوان القصة، إذ تجلّت براعة الاختيار في مفردة بسيطة ولكن انزياحاتها أكثر تعقيدا.. الا وهي كلمة "سليطة"، التي أضفت على النص بعدًا تأويليًا عميقًا وفي غاية البراعة.. والذي يشي بوعي واعتدال فني راقٍ..
فكلمة "سليطة"، رغم كل ما تحمله من دلالة على حدة اللسان وفي السياق العام واليومي وكذا في الوجدان الجمعي.. لأنها تفتح علينا أبوابًا من التردد والتحفظ بل والسلبية، فان التأني هنا مطلوب... توطئة لقراءة مدلولها الادبي الذي اختارته القاصة عنوانًا.. والذي يمنحنا فرصة لإثارة تساؤلات أعمق حول المعنى والمغزى من وورده..
الامر الذي دفعني للبحث المتأني عن دلالته، او بالأحرى معناه.. اعتقاد مني ان ما ذهبت اليه الاديبة كان مقصودًا وواعيا وحاذقا.. فوجدت ما يلي: حين نقول رَجُل سليط اللِّسان.. نعني طال لسانُه بالكلام، وصار جارِحًا.. او كما جاء في القاموس:
رَجُل سليط: بذيء، فاحش
رَجُل سليط: فصيح حديد اللِّسان
رَجُل سليط: فصيح
وكل هذه الصفات اجدها قد اجتمعت في سهام الفتى عادل.. جارحة.. ولكنها تعبر عن فصاحتها في عكس شخصية البطل وسعيه الحثيث في إصابة الهدف..
ان الجوانب الإبداعية البارزة في التركيز على رمزية السهم كأداة تمثل قدرة عادل على تحقيق أهدافه وإثبات ذاته.. لكنه مع ذلك، فإن هذا السهم نفسه يصبح رمزًا آخرًا للمغامرة غير المحسوبة وعواقبها، مما يعكس رسالة عميقة حول أهمية المسؤولية.
أما شخصية الجدة موزة فهي من أجمل ما قدمته القصة، إذ تمثل الحكمة والحنان اللذان يحميان الطفولة من غضب الواقع وقساوة رد الفعل المتسرعة. ان قولها: "لا تكررها يا بني.. المرح والشقاوة لهما حدودهما"، انما يدل على إدراك الجدة مسؤوليته عن فعلته المتهورة.. الا ان القول ذاته يحمل في طياته درسًا إنسانيًا عميقًا يتم تقديمه بلطف وحذر.
لقد قدمت لنا الراعي.. تحفة أدبية تجمع بين الفن والرسالة، حيث تتخطى حدود السرد لتلامس وجدان القارئ وتنير عقله.
**
طارق الحلفي
........................
رابط القصة:
https://almothaqaf.com/nesos/980331

في المثقف اليوم