قراءات نقدية
كريم عبد الله: قراءة نقدية أسلوبية في قصيدة (غياب) لأنور غني الموسوي
الأسلوب والصورة الشعرية: القصيدة تتسم بالأسلوب السردي التأملي الذي يعكس صراعًا داخليًا مع الغياب والفراغ. الصور الشعرية، مثل (أذوب في ألمي كأغنية فلاح) و(حقيبتي تفيض بالغائبين)، تُجسد معاناة الشاعر بين الألم والذكريات المفقودة. الرمزية المستخدمة في (الشبح الأسطوري) و(الطيور تحملها عربات لا نهاية لها) تُحمل الدلالة على التفكك والضياع، حيث يتحول الغياب إلى جزء حيوي في التكوين الذاتي للشاعر.
التكرار والدلالات العاطفية:
التكرار في العبارة (ليس لدي) و(عندما يصبح الغياب) يعكس حالة من العجز والفراغ المستمر، إذ يبدو أن الشاعر يواجه الحياة فارغ اليدين من كل شيء سوى الألم والذكريات. هذا التكرار يُعمق إحساس القارئ بالعزلة، كما يعبر عن الافتقار إلى المعنى والوجود في عالم مليء بالغموض.
الرمزية والمفردات:
الرمزية في القصيدة حاضرة بقوة، مثل (الغياب إشراقًا) و(أوراق من المطر تصنع من قلقها عكازًا متعبًا)، مما يعكس التناقض بين الحياة والموت، والحضور والغياب. الشاعر يستخدم مفردات متناقضة لخلق جو من الانعدام والتشتت، كما أن استخدام (مسامير صدئة) و(عكازًا متعبًا) يعكس وضعًا بائسًا مليئًا بالتدهور والخذلان.
اللغة والمفردات:
اللغة في القصيدة حافلة بالصور المعبرة والمجازات التي تُضفي طابعًا حالمًا على النص، مثل (يتلفت بين الكلمات والحرية تتدفق من أذني كالنمل)، مما يعكس ضياع الذات في بحر من الأفكار والذكريات. المفردات توحي بالصراع الداخلي بين الرغبة في الخلاص من الغياب والواقع المؤلم الذي يعيشه الشاعر.
البنية والإيقاع:
القصيدة تتميز ببنية غير خطية، حيث تنتقل بين الأزمنة والأماكن والأحاسيس بشكل متداخل، مما يعكس التشتت الفكري والعاطفي الذي يعيشه الشاعر. الإيقاع في النص يشبه التدفق المستمر للأفكار والصور، حيث يتنقل الشاعر بين الأمل واليأس، وبين الحركة والثبات، ما يعكس التوتر النفسي والصراع الداخلي.
الخلاصة:
قصيدة (غياب) لأنور غني الموسوي تعبر عن حالة من الانقطاع والفراغ الداخلي، حيث يُظهر الشاعر صراعًا مع الغياب الذي أصبح جزءًا من هويته. الأسلوب السردي المتداخل والصور الشعرية القوية تعمل على تجسيد مشاعر التشتت، العزلة، والألم، مما يجعل النص يحمل ثقلًا عاطفيًا ويغرق القارئ في عمق تجربة الشاعر النفسية.
***
بقلم: كريم عبد الله - العراق
..........................
غياب
أنا لست ظلاً لامتلك كل ذلك التاريخ العظيم. أطرافي تدفأ بها الحطابون والأحزان أغلقت دكاكين بسمتي، فجعلتني شبحاً أسطورياً ترك رغبة الحياة. ها انا أرى أعشاش الطيور تحملها عربات لا نهاية لها، تغادرني بلا ألم. نعم، للطيور قلب مليء بكل قصة حبيبة.
هكذا، أذوب في ألمي كأغنية فلاح تنبت بين القمح. حقيبتي تفيض بالغائبين، ليس لدي سوى ركبتين تلامسان وجه الأرض. ليس لدي سوى الأشواك التي تلتهم مفاصلي، تنحني حول حلمي كبائع لبن بارد في صباحات الشتاء. عندما يصبح الغياب إشراقًة، وعندما تتنكر الكلمات لثيابها، فاعلم أنك تنظر إلى ليلة زفاف تفيض بالجفاف مليئة بمسامير صدئة، لا تعرف شيئاً عن الحضارة، عيناها أوراق من المطر تصنع من قلقها عكازاً متعباً تغرق قدماه في الوحل. في أحضان هذا الغياب، بالكاد أستطيع التمييز بين وجه الأرض وأجزاء من كتفي أتفاخر بأنها راقية. نعم، يجب أن يكون لدي جميع كلمات البحر عندما أتحدث عن الغياب داخلي. فمي يتلفت بين الكلمات والحرية تتدفق من أذني كالنمل. انني أتلاشى في بهجة غريبة كعاشق يجر الضوء خلفه فلا يسير. تصور؛ لم يعد بوسعي أن أستحم في الفرات، أو أجد في دمي مركبا أبحر به نحو الشمس.
***
انور غني الموسوي - العراق