قراءات نقدية
محمد جواد فارس: رشيد النجاب في رواية (الخروبة)
رواية من فلسطين
يقول المؤرخ البريطاني هوبل:
(أذا أردت تلغي شعبا، تبدأ اولا بشل ذاكرته، ثم تلغي كتبه وثقافاته وتاريخه. ثم يكتب له طرفا آخر كتابا، ويعطيه ثقافة أخرى، ويخترع له تاريخا آخر، عندها ينسي هذا الشعب من كان وماذا كان والعالم ينساه أيضا).
و الشعوب التي لا تحافظ على تاريخها يكون مصيرها الزوال.
في غلاف الرواية كتب محمود شقير ومن لا يعرفون من هو الكاتب الفلسطيني، مقدسي كان من أبرز مناضلي الحزب الشيوعي الأردني فرع الضفة الغربية، وبعد ابعاده من قبل سلطات الاحتلال من وطنه عام 1975، التحق في الحزب الشيوعي الأردني، وبعد أن أعلن عن تشكيلة الحزب الشيوعي الفلسطيني عام 1982 التحق مع رفاقه الفلسطنين في حزبهم، وكان قد عمل في براغ في مجلة السلم والاشتراكية ممثلا للحزب الشيوعي الفلسطيني وعندما انتهت المرحلة في انهيار
الاتحاد السوفيتي والمنظومة الاشتراكية عاد إلى عمان ومن ثم إلى القدس مدينته، ولابد من الإشارة انه كاتب سياسي وأديب فلسطيني ممن يشار لهم بالبنان، وله عدد من الروايات والقصص القصيرة وتميز بكتابة القصة القصيرة جدا وحصل مؤخرا على جائزة القدس العالمية للاداب، كتب عن رواية رشيد النجاب ما يلي:
الرواية التاريخية هي تجسيد في صفحات تكتب للأجيال، ويكتب رشيد النجاب رواية سيرية بلغة موحية وسرد حافل بالتفاصيل ويذكر الأمكنة العديدة التي مربها الجد ليضع القارئ أمام التفاصيل بتشويق لا يغيب، وبإيقاع متمهل لكنه متناسب ومتناغم مع كثرة التفاصيل.
ومن خلال معرفتي بعائلة النجاب حيث عرفة العائلة من خلال الدراسة في معهد كوبان الطبي المسمى بالجيش الأحمر في مدينة كراسنودار، حيث كانت الزميلة الدكتورة سلوى عبد الرحمن النجاب في نفس القسم للطب البشري معي وتعرفت والدتي (ام سامي) على عائلة والدها ابو رشيد عبد الرحمن والذي كان في بغداد يعمل في احد منظمات الأمم المتحدة في السبعينات من القرن الماضي، وتعمقت المعرفة عائليا من خلال زيارة الوالدة لهم المتكررة، وانا في دمشق وفي بيت ابو سلام (داود عريقات) تعرفت على ابو فراس (سليمان النجاب) القائد الشيوعي الفلسطيني المعروف والاخ الشقيق لعبد الرحمن النجاب.
وعندما عرفت في أن رشيد عبد الرحمن كتب هذه الرواية، أصبحت لدي رغبة للإطلاع عليها ومن ثم الكتابة عنها: والرواية تتحدث عن قرية من قرى فلسطين عاشت فيها عائلة عبد الرحمن ابو رشيد وهو الجد الجد لكاتب الرواية، الرواية تتحدث عن مرحلة تاريخية في فلسطين الا وهي زمن الاحتلال العثماني المتخلف لفلسطين الحضارة والثقافة، كيف يتعاملوا مع أبناء فلسطين في تجنيدهم في العسكرية، ويسرد الراوي أن رشيد الإبن الوحيد لعائلة عبد الرحمن وله أختان، وان ام رشيد كانت قد حملت في احد عشر حملا من الأولاد لم يعيش لها سوا ثلاثة فقط، رشيد هو الإبن الوحيد لعائلة و كيف يجند؟ ويتركهم بدون معين، وكانت ام رشيد كعادتها اليومية حتى في غياب رشيد تقوم بأعملها في الاعتناء بالدجاج والأغنام والحمار. وكانت ما تفكر به ام رشيد هي زواج رشيد ابنها الوحيد لترى أولاده، وهي كأي ام في تفكيرها. ولكن الجنادرية اخذت منها رشيد ليخدم في صفوف الجيش العثماني المتحالف مع الألمان في الحرب العالمية الأولى. سافر رشيد إلى اليمن، ويتحدث رشيد عن المجندين وحياتهم اليومية وفراقهم لعوائلهم، جلب انتباهي في الرواية مثل قاله رشيد هو [مثل خبز الشعير مأكول مذموم] ولا أعرف لماذا مذموم ولكن نحن في العراق نسوق المثل بقول آخر وهو [السمج (اي السمك) مأكول مذموم] ولأن السمك فيه عظام صغيرة. وفي الرواية يتحدث عن كرم الضيافة بين العوائل الفلسطنية كما هو المثل بضيافة ابو سليم إلى ابو رشيد، وفي الرواية نجد أن الفلسطنين متعايشون بين الطوائف والديانات المسيحية واليهودية والشيعة من المسلمين، ابو رشيد يتحدث مع ام رشيد حول ضرورة الهجرة الى مدينة يافا لأن الموسم قليل في القرية، مما حدى بأم رشيد تثير التسأل، حول مالعمل هناك؟.
ويثير المؤلف قضية وطنية تداخلت مع روح رشيد: عندما كلفه المسؤول التركي عن وجود شخص له صورة لديهم، قائلا انه شخص مشاغب ولكن رشيد ورفاقه الست الذين أخبرهم، أقترح عليهم أن لا يفتشوا عنه لكن عليهم أن يعرفوا المنطقة جيدا، حتى في حالة السؤال سيكونوا على علم بها، وقال لهم رشيد قد يكون هذا الشخص غير مرغوب به من قبل الاتراك وهو ضدهم؟ وهنا تظهر حس المشاعر الوطنية الفياضة، لدى رشيد، أن هذا حر وابن جلدته فلسطيني. وعندما عاد رشيد بعد جولة الخدمة العسكرية في دمشق وحلب وتوفي والده ابو رشيد (عبد الرحمن) ودفن في العباسية، وتزوج رشيد وانجب ابنه الأول عبد الرحمن وكذلك سليمان. ولاعتزاز رشيد الإبن سمى ولده الأول عبد الرحمن.
واريد ان أن نقل نصا مما كتبه رشيد النجاب في روايته: بعنوان العودة إلى القرية الام (العودة إلى جيبيا) يكتب ؛ [كان القرار واضحا بالنسبة لمصلحة بعد وفاة عبد الرحمن المفاجئة في العباسية، لم يبق الا العودة إلى جيبيا، حيث الدار والأهل والأقارب والأمل الخافق بعودة رشيد، ذلك الإحساس الخاص الذي سكنها منذ أن تابعت الركب يبتعد برشيدها إلى أن لمحته على مشارف أم صفاة، وهو الأمر الذي حاولت تكرسه لثنين عبد الرحمن عن فكرة الهجرة ولم تنجح، ربما لم تكن أكثر وضوحا في موقفها من ذلك اليوم، وضوح لم يترك لرفاق السفر من خيار سوى الإقرار بضرورة مرافقتها وبناتها في طريق العودة إلى جيبيا، الطريق التي بدت على الرغم من طولها، ووعورتها وصعوباتها أسهل من طريق الذهاب على الرغم من افتقارها إلى صحة عبد الرحمن، وعادت مع فاطمة وحمدة إلى السقيفة. بدأت مصلحة تؤسس لحياة جديدة تولت فيها دفة القيادة إلى أن يعود رشيد الأمل الذي أمدها بطاقة مكنتها من بث الحياة في السقيفة، هنا ستكون بانتظار رشيد، ولن يحتار هو في البحث عنها وعن اختيه، عند عودته]. انتهى الاقتباس.
عند قراءتي لهذه الرواية الجميلة وجدت انها تاريخ عائلة وقرية واستعمار عثماني، وجزء من تاريخ شعب فلسطين في معاناته من المستعمر العثماني، اجاد حفيد هذه العائلة رشيد النجاب في سباكة مهنية لقاص أجاد عمله في اختياره لمفردات، ترسم صورة للحدث من موقعه، الصديق رشيد النجاب له مستقبل زاهر ومشرق في استمراره كروائي وخاصة اليوم يتعاظم نشاط مقاومة شعبنا الفلسطيني، من أجل استرجاع فلسطين من الصهاينة، والأحداث مشجعة الان لما تقوم به الصهيونية المدعومة من الامبريالية الامريكية في عملية الابادة الجماعية للشعب الفلسطيني في غزة والضفة من قتل للأطفال والنساء والشيوخ والمرضى وقتل الطواقم الطبية وتدمير المستشقيات.
اتمنى ان يطلع القراء على الرواية المشوقة.
***
محمد جواد فارس - طبيب وكاتب
..........................
ملاحظة للتعريف
- الخروبة؛ شجرة حرجية تنبت تلقائيا، وهي وارفة الظلال، وتنتج قرونا تستخدم في صنع العصائر والحلويات.
- جبييا؛ هي قرية صغيرة تبعد 5 كيلومترات غرب بيرزيت.