قراءات نقدية
علي فضيل العربي: الحسّ المأساوي في المجموعة القصصية "متنزّه الغائبين"
للقاص ميثم الخزرجي
يطل علينا من العراق الشقيق، أديب وقاص من سلالة الأدباء الكبار المتمرّسين، يدفع القاريء لمعماره السردي القصصي إلى قراءته بتمعّن وتروّ، وقد يرغمه بأسلوب الودّ والإعجاب إلى إعادة القراءة لإعادة اكتشاف أغوار منجزه السردي.
ما يلفت نظر القاريء قبل تصفّح مضمون هذه المجموعة القصصية (متنزّه الغائبين) للأديب القاص ميثم الخزرجي، غلافها المتخم بالإيحاءات والرموز والألوان الداكنة إلى حدّ السواد، الدالة على المضمون الفلسفي لمضامين القصص. لقد تبوأ الغلاف، المنمنم بريشة عين بصيرة ومدركة، رتبة العتبة المغريّة التي تدفع القاريء والناقد إلى الغوص في المعمار السردي للقاص، وتزجي فكره نحو ساحة التأمّل والحدس.
تضمنت المجموعة القصصيّة (متنزّه الغائبين) للأديب والقاص ميثم الخزرجي، في طبعتها الأولى 2024 م، عن دار ومكتبة سامراء للنشر والتوزيع، سبع قصص قصيرة (الدائرة القصيّة – الماثل في الفراغ – حجرة المرايا – رهان القادم – متنزّه الغائبين – وجهة الطير – اللائذون بالظل).
المتأمل لهذه القصص سيكتشف قاصا متمرّسا أضفى على منجزه السردي، بعدا إنسانيّا وفلسفيّا من زاوية الولوج إلى أعماق شخصيات قصصه، حيث كانت سلوكياتها خلال الوصف والحوار تدل على المستوى الفكري الذي تتمتّع به، وعلى البعد الفلسفي الذي اتّسمت به نظرتها إلى الحياة. تقول إيسلا مخاطبة الدكتور في قصة (رهان القادم): " فكرة صائبة يا دكتور، لكن علينا أن ننظر إلى المتواجدين على سطح المعمورة لنعيد ترميم ذواتهم المنكسرة " ص 98.
" وتقول أيضا: (هذا البحث الذي يعيد الإنسان واعتباريته إزاء نفسه والآخرين " ص 98.
لطالما خاض الأدباء والنقاد معارك أدبيّة ونقدية حول إشكالية علاقة الأدب بالواقع الإنساني، أيّ بالإنسان في جوهره، لا في مظهره، من بوابة المذاهب الأدبيّة المتعاقبة والمتوازية الحضور، انطلاقا من فلسفة المذهب الكلاسيكي، وصولا إلى الحداثة وما بعدها وماتلاها. فكان الصراع – ومازال قائما – بين العقل والشعور، أيهما أحقّ بالريادة والقيادة. (فقد اشتغلت إيسلا على خلايا العقل كونه المحرك الأهم في المناقشة واتّخاذ الرأي...) " رهان القادم " ص 97. بينما الطرف الآخر اشتغل على " الجنبة الشعورية " (أوكل لنفسه ثقة بأن يبث السائل المعني بالقلب) " رهان القادم " ص 97. لقد تجلّى الصراع بين العقل والقلب، بين المنطق والشعور، بين الواقع والحدس. بين جوهرالإنسان العاقل، الذي يديره العقل ويوجّهه ويصونه من شطحات الواقع العنكبوتي والإنسان الروبوتي المسلوب الإرادة والهدف والذي تحرّكه مظاهر التخلّف، من عادات وتقاليد بائدة وطابوهات معوّقة للعقل والمنطق. تقول إيسلا عن الدكتور وارشو: (فقد سعى إلى تشييد إنسان الآلة) " رهان القادم " ص 97
جاء على لسان إيسلا في قصة " رهان القادم ": (علينا أن نشتغل على الإنسان) ص 97...
كما جاء على لسان إيسلا أيضا: (أنا الدكتورة إيسلا أستاذة علم الأجنة والهندسة الوراثية، جاهدت في أن أعيد صيانة الخلايا المعطوبة في دماغ الإنسان) " رهان القادم" ص 97.
يتجلّى الحسّ المأساوي واضحا في حوار إيسلا مع الدكتور وارشو. فقد فقد الإنسان المعاصر إنسانيته، وخير دليل على ذلك حروب الإبادة التى يمارسها الأقوياء والديكتاتوريون والمستبدّون على الضعفاء والإنسانيين وطلاّب الحرية والعدالة.
هناك مأساة متعدّدة الأسباب والغايات والأوجه، تضرب أعماق الوجود الإنساني، وتهدّد الكينونة البشريّة، سببها الأول الرعونة التكنولوجية وانحراف العقل عن غايته الساميّة، المتمثّلة في العيش في كنف السلام والتعاون والتراحم، تحت مبدأ وحكم ربانييين (يا أيّها الناس إنّا خلقناكم من ذكر وأنثى وشعوبا وقبائل لتعارفوا، إنّ أكرمكم عند الله أتقاكم) سورة الحجرات / 13.
يبدو أن تجربة القاص ميثم الخزرجي، أثثتها فلسفته المأساوية، من خلال الغوص في واقعه العراقي المعيش ومحيطه العربي والإقليمي وآفقه الإنساني الرحب. كأنّ الكرة الأرضية أمست مدينة للأموات لا للأحياء. فالموت / الغياب / المرارة هي القواسم المشتركة بين سكانها. فـ (المدينة قد اختصتها المرارة) " متنزّه الغائبين " / ص 118.
فشخصية سباهي العظم، الذي يسكن المقبرة ترسم لنا مأساة الإنسان في بيئة مظلمة وفي مجتمع يدير دواليبه الغائبين الفاقدين للعقل والوعي، وهم في غياب ذاك لا يختلفون عن الأموات في قبورهم. (داره المنغرسة في المقبرة، والتي هي عبارة عن حجرة هرمة... فهو المتواجد الدائم الذي لا يبرح المكان كحال الموتى الذين استحصلوا سكناهم دونما مغادرة) " متنزّه الغايبين " / ص 118 / 119. ا
ولشدّة المأساة ومرارتها، حين تتحوّل المدينة إلى مقبرة، ويسعد الأموات مقابل شقاء الأحياء، حينها يحسد الأحياء الأموات على موتهم، ويشقى الأحياء بحياتهم، وتنقلب الحياة المفاهيم رأسا على عقب. إذن، أراد القاص ميثم الخزرجي، من خلال رسمه لشخصية (سباهي العظم) برموزها ودلالاتها وإشاراتها، أن يجسّد صورة المجتمع المحكوم بالأفكار الميّتة والمُمِيتة والعبثية، التي مازالت تمارسها سلطانها على العقل العربي منذ سقوط بغداد (سنة 656 هـ) وسقوط غرناطة (سنة 897 هـ).
(فمن مستحضرات هذا الطقس الروحي المؤثث بالشموع والبخور وماء الورد) " متنزّه الغائبين / ص 119.
(فهو الممتهن حكاية الظل الذي صار جسدا، والأفعى التي تلبّست الروح الواهنة، والقطة التي استحالت إلى صوت طفلة) متنزّه الغائبين / ص 121.
عمد القاص ميثم الخزرجي إلى التقاط ذلك الخيط المأساوي الذي يمتد عبر الأجيال تل الأجيال، ليؤكّد حقيقة مرّة ومتجذّرة توارثتها الأجيال، وكأنّ التخلف الذي خيّم على جوانب حياتنا كلّها ؛ لاجتماعية والدينيّة والسياسيّة والاقتصاديّة قدر محتوم. (فها هو بطل القصة (متنزّه الغائبين) - التي توجها القاص عنوانا لمجموعته القصصية – يرث عن أسلافه مجتمعا مترهلا، مهلهلا. تحكمه الغرائز وتديره العقول الميّتة، المنتهية الصلاحية. (ورث عن جدّه مهنة الدفن) متنزّه الغائبين / ص 119.
(فهو المشبع بالشواهد ورائحة الموت، وما اختزلته الأيام منذ أن ورث عن جده مهنة الدفن وراح يحيى من خلالها) (على الرغم من عمره الذي تخطى السابعة والخمسين) متنزّه الغائبين / 119.
(يمرّ الليل وبحوزته شعلة خجلة من الضياء) متنزّه الغائبين / ص 122.
(الغريب في الأمر أن أعداد الموتى أخذت بالتزايد) متنزّه الغائبين / ص 127.
هذا البوح السرديّ، يكشف للقاريء والناقد عن أغوار المأساة المتجذّرة في واقع لونه داكن وعنوانه غياب الحياة وطغيان مظاهر الموت والفقد، وفقد الإنسان معنى كينونته، وتحوّلت المدينة إلى مجرد مقبرة. تزايد عدد الأموات معناه غلبة الموت على الحياة، التهام المقبرة لجغرافيّة المدينة، أو بالأحرى، تجوّل الموت إلى قاعدة والحياة إلى استثناء. وسيطرة الخرافة على العقل، وانحسار مساحة المنطق والحكمة أمام طوفان الشعوذة والسحر والمجهول.
ولنتأمّل الحوار التالي الذي جرى بين حارس المقبرة (سباهي العظم) وأحد زوار المقبرة:
- من أنت؟ وما الذي تفعله في المقبرة؟
كان سباهي متوجسا حينها.
- وهل هناك ما يمنعني من الدخول؟ قالها بطمأنينة.
- هل أنت مجنون؟ ألا تشعر بالخوف من الموتى؟
- ولما (لم) الخوف؟ أنا أؤبّن الموتى بالموسيقى.
- هذا عمل قبيح وشيطاني.
- وما هو دليلك؟
- كونه شيئا غير معمول به البتّة.
- طيّب، ما الذي أحسسته حيال سماعك للعزف؟
- ولماذا تسألني هذا السؤال؟
- لأنّنا بحاجة إلى أن نكون حقيقيين ولا نكبح قوانا الروحية. (متنزّه الغائبين / ص 123 / 124.)
ولأنّ المأساة أصابت العقول الأحياء في مقتل و(هذه أرض تغص بالموتى) متنزّه الغائبين / ص 125. فلا جدوى من ممّا يفعله حارس المقبرة. وكأنّ السؤال الذي يرد في الحوار هو: ما الذي يهدّد الموتى وقد انتقلت أرواحهم إلى العالم الآخر؟ وما جدوى تأبينهم بأنغام الموسيقى وبالعويل أو النواح أو الصمت؟ المأساة التي يعكسها الحوار هي فقدان ميزان العقل والانغماس في الشعوذة والبحث عن الوجود في كنف العدم. لقد أدّى الجهل المتوارث والثقافة الزائفة والاستبداد السياسي والثيوقراطي إلى إشاعة أجواء من القلق والخوف والاستسلام للأساطير والترّهات وصناعة " أجيال القطيع ". وما زال المجتمع الشرقي (العربي والاسلامي) عرضة للتواكل والفتن العشائريّة والدينيّة والإثنيّة والنزاعات والحروب، وساحة لتسويق ما ينتجه الغرب من سلع ماديّة ولا ماديّة، وبالخصوص السلاح والمخدّرات وفلسفة التشكيك في الهويّات القطريّة والقوميّة والدينيّة.
المأساة ليس في الموتى، بل في الأحياء. يقول الرجل الزائر لحارس المقبرة " سباهي العظم ": (لو تغيّر الطرح المتعارف عليه بتوديع الموتى بالبكاء والنحيب وقلدناهم الورد والموسيقى على أنّهم ارتحلوا، أو سافروا إلى عالم آخر دون أن نغيّب أرواحهم عنّا) متنزّه الغائبين / ص 126.
هي مأساة أخرى، حين تتعطّل آليات العقل المفكّر - الذي كرّم الله به الإنسان دون غيره من المخلوقات – ويصبح عاطلا على هامش الحياة. يتغلّب الموت على الحياة، خصوصا موت العقل. حينها يفقد الإنسان بوصلة الحضور. ويغوص في متاهات الغياب ويقفز السؤال المأساوي ليصدم الأحياء: (أيهما نحن على هذه الأرض؟) متنزّه الغائبين / ص 128.
من المؤكّد أن الجواب سيكون، (نحن الموتى على هذه الأرض. لأنّ، ما أصاب من يزورون موتاهم أو يعودونهم من الدهشة والذهول، جعلهم يتساءلون عن سبب اتّساع المقبرة وزيادة الموتى (الغريب في الأمر أنّ أعداد الموتى أخذت بالتزايد) متنزّه الغائبين / ص 127.
ما يلفت الانتباه - حقا – في هذه المجموعة القصصيّة، هو هذه المساحة القاتمة، ذات الدلالات السيميائيّة، المعبّرة عن مأساة مجتمع شرقيّ، ذي ثقافة مريضة ومترهلة إلى حدّ الموت.
المتمعنّ في قصص المجموعة القصصية " متنزّه الغائبين " لميثم الخزرجي، يدرك طغيان سيميائية الموت بمفهومه الحقيقي، والذي يعني غياب الجسد عن الأنظار ورجوع النفس إلى خالقها، وهي سنّة جميع المخلوقات. (كلنا سنموت) ص 138.
لكنّ المأساة هو الموت المجازي، الموت المعنوي والروحي، حينها يصبح الجسد كتلة لا معنى لها. ويتحوّل الإنسان من فاعل حر إلى مفعول به مستعبد، فاقد للحرية والكرامة والحكمة والعقل النيّر واللاشعور. وتنسحب هذه المأساة على الأفراد والمجتمعات سواء.
من بين قصص المجموعة القصصية " متنزّه الغائبين " للقاص ميثم الخزرجي، التي تشدّ القاريء قصة " وجهة الطير ". وهي قصة تجسّد سيميائية موت إنسانية الانسان على كوكبنا ومحاولات مقاومة هذه المأساة، في ضوء غياب السلام وانحراف التكنولوجية عن مسارها السلمي. " قرب المفاعل النووي من مكان الحدث جعلها تخمد كل الطاقة المصاحبة للعيش ومقاومة الإنسان " (وجهة الطير) ص / 133
ما أصاب مدينة كامبو، مدينة الضوء والنسيم، لم يحدث مثله عبر سنين عديدة. قبل خمسين سنة حذّر الدكتور برهام بركل من الكارثة النووية، لكن دون جدوى. ومدينة كامبو الخيالية، هي - بلا شك - هيروشيما ونكازاكي اليابانيتان، الحقيقيتان. لكن بحث الدكتور برهام بركل بقي معلقا ومازال في القصة يبحر بنا القاص ميثم الخزرجي إلى منطقة الخطر الذي يتهدّد الكرة الأرضية نتيجة رعونة الإنسان وتهور وغروره التكنولوجي وتماديه في استغلال الذرة واليورانيوم المخصّب بفكر جنوني، واستنزاف قوى الطبيعة الإيجابيّة. وما حدث لمدينة كامبو، شبيه لما حدث لمدينتي هيروشيما ونكازاكي. " كانت مدينة كامبو كئيبة وموحشة، بشر بقوى خائرة " ص / 135.
"سيموتون كلّهم" ص / 136. هذا ما توصّل إليه الدكتور يشاد.
أمّا ما لاحظه الدكتور شاويس، فهو أدهي منه وأمرّ: " كل شيء ميت هنا ". ص / 136.
وقف القاص ميثم الخزرجي أمام حقيقة مأساة الموت بسبب توظيف العلم خارج دائرة الحكمة وبأساليب مرعبة ومفزعة ومجنونة. فقد تحوّل العالم اليوم إلى مضمار للحروب المدمّرة والداميّة إلى حدّ الإبادة دون رحمة أو شفقة. كما هو حادث اليوم في غزّة على أيدي الغزاة الصهاينة. إنّ السلاح النووي سيقتل الجميع الظالم والمظلوم، القويّ والضعيف، العالم والجاهل، المجرم والبريء، الغنيّ والفقير. " كلّنا سنموت " ص / 138. " ستموتون جميعكم جراء هذا الهواء المسموم إن لم تطاوعونا لإسعاف ما بقي منكم " ص / 138.
يبدو أن الإنسان المعاصر في نظر القاص ميثم الخزرجي عدوّ نفسه، أيّ أنّه يمعن في قتل نفسه، ولم يستفد من المآسي السالفة. مأساة الإنسان المعاصر في عقله الذي تمرّد على الفطرة والقيّم النبيلة. عقل تغلّبت عليه الفلسفة البراغماتية الذاتية والساديّة (النفعيّة والأنانيّة). مأساة الإنسان المعاصر لا تكمن في الجهل بقدر ما تكمن في المعرفة. مأساة الإنسان المعاصر في التسلّط والثراء الفاحش والاستبداد والكبرياء والتألّه على الله. وهو سلوك قديم حفظه لنا تاريخ البشريّة في القرآن الكريم المنزل على سيّدنا محمد صلى الله علي وسلّم. ذلك السلوك النمرودي والهاماني والفرعوني، ثم ما تبعه من سلوك نازيّ وفاشيّ واستدماري وغيره. " يجب أن نعلم جيدا بأن الأرض ستنهارعن قريب نتيجة تبدّد نسيجها " ص / 136.
إنّ مدينة كامبو، هي الكرة الأرضية، هي العالم الذي بدأت قيّمه تحتضر، وبدأ الخراب يحاصره، واليباب يغزوه من أعماقه. لقد تنبأ ت. س. إليوت في قصيدته الأرض اليباب، بخراب العالم ونزوحه نحو الزوال. لقد كانت نبوءته في القصيدة عن أن حضارة أوروبا سوف تتسبب بموت البشريّة محقّة، ذلك أنّ الحرب العالمية الثانية كانت أكثر عنفا ودموية من الأولى. ولا يعلم الناس، كيف ستكون الحرب العالمية الثالثة، إذا اندلعت، بعد نشوب هذه النزاعات والحروب الأهليّة والإثنيّة والاقتصاديّة، التي أنتجتها الحرب الباردة هنا وهناك،
(التاريخ التدميري والقاتل الذي جعل من إليوت مريضا نفسيا يحتاج إلى علاج حين كتب عن هذا التاريخ، قصيدة عظيمة سوف تظل وثيقة أبدية على الخراب الذي أنتجته الحضارة الغربية.)
وبالمجمل، فقد ساح بنا القاص ميثم الخزرجي في عوالم مأساويّة، بأسلوبه القصصي، المشبع بلغة الإيحاء والمجاز. لغة جسّدت في مضمونها حسّا مأساويا، التقطه القاص من عالم الواقع المأساوي المعيش. هذا الواقع الرمادي، الذي شيّده الإنسان من بنات أفكاره، وأرسى لبناته على أرض مليئة بالصراعات النفسيّة والاجتماعية والسياسية والاقتصادية. فمنذ مقتل هابيل على يد قابيل، لم يُغمد سيف القتل لحظة. بل استمرّ الإنسان في قتل أخيه الإنسان وقتل نفسه، ولم ينجه العلم من الرعونة والهمجية والجريمة، بل زادت رعونته والتهبت غرائز القتل الفردي والجماعي لديه.
و في الختام، يمكن اعتبار المجموعة القصصيّة " متنزّه الغائبين " للقاص العراقي ميثم الخزرجي، إضافة متميّزة في معمار القصة العراقية المعاصرة وفي قاموس السرد العربي المعاصر أيضا، لما تتميّز به من تفرّد وجدّة وتشويق في معالجة الموضوعات الحيويّة في المجتمع العراقي والإنساني، بأسلوب خالٍ من التعقيد والتنميق والإسفاف.
***
بقلم: الأستاذ علي فضيل العربي - ناقد وروائي / الجزائر