قراءات نقدية

كريم عبد الله: من حضن الكون إلى معبد النور.. رحلة الإيمان والرحمة

قراءة نقدية في قصيدة: ما أبهاكَ! يا سيِّدَ الكون – للشاعرة مرام عطية – سوريا.

قصيدة / ما أبهاكَ! يا سيِّدَ الكون/ هي قصيدة (سردية تعبيرية نموذجية مدهشة جداً) تأملية روحية ترتكز على المحور الديني والوجداني، وتمثل نموذجاً للمزج بين الإيمان، الحب الإلهي، والصراع الداخلي. تجسد الشاعرة من خلالها صورة العلاقة بين (الإنسان والرب)، في سياق يشمل الخلاص الروحي، التوبة، والتسليم لمشيئة الله. ولكن القراءة النقدية لا تقتصر على الظاهر العاطفي؛ بل تتعمق في التراكيب البلاغية، الرمزية، والأساليب اللغوية التي تستخدمها الشاعرة.

2. العنوان ودلالاته:

عنوان القصيدة / ما أبهاكَ! يا سيِّدَ الكون/ يتسم بالقوة والعمق، إذ يبدأ بنداء تعظيمي موجه إلى / سيد الكون/، وهو تعبير عن الجمال الإلهي اللامحدود الذي لا يمكن تصوره، بل هو / أبهاك / (أي أجملك) في كل شيء. هذا النداء يعكس توجهاً روحياً عميقاً نحو الخالق، ويعكس الرغبة في التقرب والاتحاد به.

3. الإطار الفكري والروحاني:

القصيدة مفتوحة على فكرة التسليم الكامل لله، حيث تجسد الشاعرة العلاقة بين العبد وربه في صورة شاعرية مثيرة. تنسج الشاعرة في هذا السياق مشاعرها المتناقضة بين الذل الروحي والحاجة إلى الحماية والرغبة في التواصل مع القوة الإلهية. استخدام لفظ / ضمَّني لصدركَ / يعبر عن الحميمية الروحية التي تبحث عنها الشاعرة، وهي في حاجة إلى أن تجد السلام الداخلي والاحتضان الإلهي الذي يخلّصها من صراعاتها.

4. العناصر الرمزية:

توظف الشاعرة العديد من الرموز التي تضفي على النص طابعاً عميقاً ومؤثراً. على سبيل المثال، تقول الشاعرة / كشجرةٍ مثمرةٍ /، وهذا التصوير الرمزي يعكس العطاء المستمر والمتجدد من الرب. كما أن / زنّرْ خصري بذراعيكَ القويتين/ هو رمز للقوة الإلهية التي تمنح الإنسان القدرة على الثبات والمقاومة في وجه الصعاب. هذه العناصر الرمزية تضفي على القصيدة بُعداً شعرياً يمزج بين المعنى الروحي العميق والصور الحسية التي تمنح المتلقي فرصة التفاعل عاطفياً وعقلياً مع النص.

5. التوتر الدرامي والصراع الداخلي:

مهمة الشاعرة في قصيدتها لا تقتصر على التعبير عن مشاعر الحب والإيمان فقط، بل تتجسد في صراع داخلي بين الإنسان والخطايا، وبين الأمان الروحي الذي يقدمه الرب والشرور المحيطة به. / كلُّ معاركي كانت مع عدوٍ لدودٍ يمتلكُ المال والمدائنَ/ تعبير قوي عن الصراع مع القوى المادية التي تزعزع السلام الداخلي. هذه الصورة العميقة تشدّد على التوتر الدرامي بين / العدو/ المادي (الذي يتمثل في المال والحروب) و/ الرب/ الذي يمنح السلام والعطاء.

6. الصياغة البلاغية والتعبيرية:

تستخدم الشاعرة أسلوب التكرار والنداء المتواتر في هذه القصيدة، حيث تتوجه مراراً إلى / سيد الكون/ و/ سيد العطاء/ و/ سيد البهاء/، مما يخلق نوعاً من التوكيد على الجلال والعظمة الإلهية. استخدام الألقاب المختلفة يعزز من المكانة الرفيعة لله في النص ويعكس البُعد المتعدد لرحمة الله وعطاءه. كما أن الجمل الشعرية الطويلة التي تبدأ في صورة توصيفية (ضمَّني لصدركَ كقصيدةٍ سرمديةٍ) تساهم في منح القصيدة طابعاً موسيقياً وانسيابياً يعزز من تأثيرها العاطفي.

7. توظيف الأسلوب الاستفهامي:

الشاعرة تستخدم الاستفهام البلاغي في بعض المقاطع، مثل: / يا سيدي كم تدهشني برحمتكَ!! واتساعِ مداكَ!! /، وهو أسلوب يعكس التفاعل الوجداني مع عظمة الخالق وعطاياه. هذا التفاعل لا يتوقف عند حدود الوصف بل يتجاوزها إلى شعور بالدهشة والتساؤل عن مدى الرحمة والإحسان التي يمنحها الرب.

8. التوجه الفلسفي والروحي:

الشاعرة لا تقتصر على التعبير عن الإيمان الديني البسيط، بل تقدم تأملات فلسفية عميقة في العلاقة بين الإنسان والرب. حيث ترى في / الرب/ ليس فقط الخالق ولكن الحامي، المعين، والموجه. هذه الرؤية تعكس عميقًا مفهومًا روحانيًا متعدد الأبعاد، يتجاوز الحدود الدينية التقليدية ليشمل بعدها الإنساني والوجودي.

9. الخاتمة:

هذه القصيدة عبارة عن نص (ديني/ روحاني) ينسج علاقة حبّية عميقة بين الشاعرة والخالق، لكنّها في الوقت نفسه تحمل صراعاً داخلياً بين الإيمان والشرور المادية التي تواجه الإنسان. الأسلوب البلاغي، الرمزية العميقة، والتكرار، وكل التفاصيل الأخرى تجعل من القصيدة مشهدًا شعريًا يبعث على التأمل الروحي العميق، ويحث القارئ على التفاعل مع القوة الإلهية التي تغمر الكائنات الحية بالرحمة والعطاء، بينما تُظهر الشاعرة بوضوح كيف يمكن للإيمان أن يكون سلاحًا يقاوم الفتن والشرور في هذا العالم.

***

بقلم: كريم عبد الله – العراق

.........................

ما أبهاكَ! يا سيِّدَ الكون

يا سيِّدَ الُّلطفِ، ضمَّني لصدركَ كقصيدةٍ سرمديةٍ، زنّرْ خصري بذراعيكَ القويتين كشجرةٍ مثمرةٍ، أبعد عن غزلاني سهام الشرورِ وسيلَ الحروبِ، فإنني قد أقسمتُ أن أبقى في رياضكَ صفصافةً عنيدةً لا تقوى عليها رياحُ الشتاءِ، فسهلْ عليّ طرقكَ، وأنرني بعدلكَ يا سيد البهاءِ.

يا سيد العطاء، إني مذ قرأتكَ في مهجتي أدركتُ أنَّ خالقاً عظيماً أبدعَ الكونَ ويداً حانيةً دائمةَ الاعتناءِ به

عرفتُ أنَّ قلباً أبوياً لا ينامُ. يسهرُ على مخلوقاتهِ، يسرعُ إلى تلبيةِ ندائهم، يصغي إلى همساتِ صدورهم، يبصرُ تضرعاتهم فيعانقهم بحبٍ وحنانٍ

يا سيدي كم تدهشني برحمتكَ!! واتساعِ مداكَ!! وأنا الخاطئ الكافرُ بعطاياك، يامن أعدتني إلى حضنكّ المقدسٍ وافتديتني بدمكّ الطاهر على الصليب.

كلُّ معاركي كانت مع عدوٍ لدودٍ يمتلكُ المال والمدائنَ يشحنُ النفوسَ بالضغينةِ والحسدِ، فينشرُ مصائدهُ وأحابيلهُ. يلبسُ ألوانا زاهية تارةً وتارةً أخرى يلبسُ جلداً ناعماً ليغريني بجماله الكاذب ويفوزَ بي، وما علمَ أنَّكَ زوَّدتني بسلاحِ الإيمانِ الماضي وقوةِ العزيمةِ، وأنَّكَ منحني عقلاً يفتحُ أبوابَ المستحيلِ، ويكشفُ أحابيلَ العداةِ حتى غدا قلبي محراباً للنور ومعبداً للسلام.

***

في المثقف اليوم