قراءات نقدية

كريم عبد الله: شعور التسكع في ليل الحزن.. بين اليأس والخيال

قراءة نقدية في نصّ: التسكع في ليالي الشراب كم هو حزن لذيذ!

للشاعرة: چـنور نامـق – كردستان العراق

***

مقدمة: نصّ: التسكع في ليالي الشراب.. كم هو حزن لذيذ؟ للشاعرة الكردية چنور نامق هو نصّ مفعم بالصور الشعرية المركّبة والرمزية العميقة التي تعكس تجربة إنسانية مأزومة. يحمل النص معاناة الذات المرهقة والقلقة، ويستعرض جوانب من الاغتراب الداخلي والخارجي، مشيراً إلى علاقة الإنسان بالألم والذكريات والهويات المكسورة. من خلال استخدام الشاعرة لتقنيات شعرية متعددة، يتم تسليط الضوء على العيش في حالة من التشتت النفسي والروحي، في قلب عالم يضج بالخيبة والندم.

البنية الشعرية والأسلوب:

يتسم النصّ بالأسلوب التعبيري الذي يركز على الاستعارات والرمزيات. يبدأ النصّ بصورة شديدة الخصوصية: /التسكع في ليالي الشراب كم هو حزن لذيذ؟!/، وهي دعوة للتساؤل عن طبيعة الألم وكيف يمكن أن يكون لذيذاً في أوقات معينة. هذه الجملة تُثير العديد من الأسئلة الفلسفية حول علاقة الإنسان بالحزن، وتطرح فكرة أن الألم قد يكون أحياناً مصحوباً بمتعة أو تسلية، ربما بسبب العادة أو الانفصال العاطفي.

تتوالى الصور الشعرية المرتبطة بالمعاناة والفقدان؛ فالطبيب في /ردهة العشق/ يوصف بأنه يُعالج الشاعرة بالقصائد وجبتين و/ثلاث ليالي أرق/، مما يخلق توازناً بين العلاج والنضوج الروحي، وبين المعاناة النفسية الناتجة عن الاغتراب والفراغ العاطفي.

الموضوعات والعوالم الشعرية:

تتوزع موضوعات النصّ بين الغربة الداخلية والذكريات الحزينة، والتساؤل الفلسفي عن الحب والموت، واللذة التي يمكن أن يستشعرها الفرد من الألم. فالشاعرة تتحدث عن المهجر كزمن ضائع، وتخفيه /تحت وسادتي/ في إشارة إلى محاولتها مواجهة هذه المشاعر المخبأة. إن المهجر، سواء كان جغرافياً أو نفسياً، يصبح مكاناً للألم والتأمل.

الحديث عن /سكرات الموت/ في غياب الحبيب يشير إلى شعور عميق بالفقد والتضحية، في الوقت الذي يتخذ فيه /التسكع في ليالي الشراب/ ملاذاً للهروب من هذه المعاناة. النص يلامس مفهوم /الموت الوجودي/ الذي يتمثّل في حالة الشاعرة حيث يصبح الخيال وحده، سواء عبر القصيدة أو الشراب، هو المكان الوحيد للهروب من الواقع القاسي.

تذكر الوطن هنا يعكس شعوراً مزدوجاً من الحنين والخيبة، فالوطن في النصّ ليس فقط المكان الجغرافي، بل هو أيضا حالة من الذاكرة والهوية التي تتعرض للتشويه في غياب الحبيب. وهذه الصورة تأخذ شكل /عدم نضوج التفاح في بستان القلب/، مما يوحي بأن الذاكرة والعاطفة لا تنضج، بل تبقى مشوهة أو غير مكتملة بسبب الغياب المستمر.

التكرار والرمزية:

يستخدم النصّ التكرار بشكل مكثف ليعزز المشاعر التي يعبر عنها. فمثلاً، تتكرر عبارة /ثلاث وجبات/ في سياقات مختلفة لتعبر عن صبر مرير وحالة متكررة من الذنب والحزن. كما يتكرر الحديث عن /القصيدة/ كملاذ وحيد في محاولات للتصالح مع الذات والعالم الخارجي. التكرار يضيف إيقاعاً كئيباً للنص ويعمق من إحساس المعاناة المستمرة.

أما /سيجارة تتركني/ فهي صورة رمزية يمكن أن تكون إشارة إلى طريقة الشاعرة في التعامل مع الألم، حيث تأخذ لحظة هروب مؤقتة عبر التدخين، الذي يرمز أحياناً إلى التخفيف المؤقت للهموم، إلا أنه يبقى في النهاية غير كافٍ لتخفيف الآلام الداخلية العميقة.

الأسلوب الفلسفي والتأملي:

يتميز النصّ بأسلوب فلسفي تأملي يتساءل عن العلاقة بين العاطفة والموت، الحضور والغياب. الشاعرة تطرح أفكاراً متناقضة بين الحياة والموت، بين الأمل والخيبة، ما يفتح المجال للتفكير في معاناة النفس البشرية حين تتعرض للهجران والخيانة. السؤال الرئيسي في النصّ، /كم هو حزن لذيذ؟/، يعبّر عن التناقض الداخلي بين الحب والألم، كما يطرح فكرة أن الألم قد يُعاش ويُستمتع به من خلال التعود عليه.

الخاتمة:

إن نصّ /التسكع في ليالي الشراب: كم هو حزن لذيذ؟/ هو نصّ شعري يعكس معاناة الوجود البشري في لحظات من الفقد والحزن، ويطرح تساؤلات حول علاقة الإنسان بالألم واللذة. من خلال استخدام الرمزية، التكرار، والصور الشعرية الغنية، تقدّم الشاعرة رؤية معقدة لحالة الإنسان في مواجهة الأزمات الوجودية والنفسية. النصّ يعبر عن فراغ داخلي عميق يغذي خيبة الأمل ويبحث عن ملاذ في الخيال، بينما يستمر السؤال الأهم في الترديد: كيف يمكن أن يكون الحزن لذيذاً؟

***

بقلم: د. كريم عبد الله – العراق

...............................

التسكع في ليالي الشراب

كم هو حزن لذيذ؟!

عدد يتركني

الطبيب في ردهة العشق

وصف لي قراءة القصائد وجبتين

وثلاث ليالي ارق

زمنٌ أعطاني المهجر

لأخبئه تحت وسادتي

وأهجر الصباحات

وكأس من الخيال الثمل في المساءات

وفي الليل خيبة أمل

وثلاث وجبات من تركيبة الصبر

من وطن التردد

انه لا يعرف

إن غياب الحبيب في سكرات الموت

إشارة لعدم نضوج التفاح

في بستان القلب

لا يفهم أبداً

إن المشي مع القصيدة (الملاذ الوحيد)

والتسكع في ليالي الشراب

كم هو حزن لذيذ؟!

تَذَكُّر عبق الورود

لو لم يكن في ظلك

هو خيال وصفر في اليد

ثلاث وجبات من الذنب

يجعل من القلب سوق الهرج

يفتح المزاد على لِقائَيْ عمري

أَوَكَمْ مرة أخبرتك؟!

إن تذكر الوطن

وعدم حضور الحبيب في سكرات الموت

إشارة لعدم نضوج التفاح

في بستان القلب

سيجارة تتركني

والطبيب المخدوع في مجانين العشق

وصف لي قراءة القصائد وجبتين

وثلاث ليالي أَرقْ

***

شـــــــــعر: چــــــنور نامــــق

ترجمة عربية: لقمان منصور

 

في المثقف اليوم