قراءات نقدية

جودت هوشيار: أين الحد الفاصل بين الإيروتيكا والبورنوغرافيا في الأدب؟

الحب موضوع أبدي في الأدب العالمي، وقد ألهم الأدباء في كل العصور. وفي كل عصر كان يعبر عن قيم أخلاقية وجمالية معينة للشعب الذي ينتمي إليه الأديب. وهذا الشعور يمنح الإنسان السعادة والإلهام، أو يجعله يكابد ويعاني، وقد يكون سبباً في القيام بمآثر أو ارتكاب جرائم. ويحتل مكانة كبيرة في حياة كل إنسان، وهو شعور لا معنى للحياة دونه، وفي الوقت نفسه، يعيش في قلوب كل من الأشخاص الحقيقيين وأبطال الأعمال الأدبية. كل مظهر من مظاهر الحب فريد من نوعه في نص كل مؤلف.

لقد ولت منذ فترة طويلة الأوقات التي كان فيها تقبيل يد الفتاة، أو رؤية بعض مفاتنها هو الحلم النهائي لمن يعشقها، وبما أن الأدب هو غالبا انعكاس فني للواقع الذي خلق فيه، فليس من المستغرب أن تحتوي أي قصة حب على بعض المشاهد الصريحة في الأقل، إنها تحفز الخيال وتثير مشاعر قوية لدى القارئ. ومع ذلك، هناك احتمال كبير للوقوع ليس في الايروتيكا الجميلة، ولكن في البورنوغرافيا، أو الإباحية الكريهة، رغم وجود القيود القانونية العديدة في معظم بلدان العالم، التي تحد من نشر المواد الإباحية. ومثل هذه المواد لا تثير اهتمام الجميع، وتقابل بالسلبية والرفض من القارئ السوي.

تتمثل إحدى المشكلات في تطبيق المعايير، التي تحد من نشر المعلومات الإباحية وما شابهها، هي عدم اليقين في مسألة التمييز بين مفهومي الإيروتيكا والبورنوغرافيا، حيث لم يتم تعريفهما بشكل معياري في أي مكان، ولا يزال علماء الجنس يتجادلون حول هذا الأمر حتى اليوم. لفهم هذه المشكلة، من الضروري أولا وقبل كل شيء، التمييز بين ثلاثة مفاهيم ينبغي عدم الخلط بينها. الجنس هو الحياة الجنسية الحقيقية للإنسان بكل مظاهرها، ورغم اختلاف الثقافة الجنسية بين الأمم المختلفة، إلا أنها لا تزال تقوم على الغريزة الجنسية والحاجة إلى الإنجاب واللذة التي ينالها الإنسان، من تلبية هذه الحاجة.

الإيروتيكا وسيلة لعكس الجنس في الثقافة، وتختلف من ثقافة إلى أخرى ومن بلد إلى آخر، كما تختلف باختلاف المراحل التاريخية، وهي متميزة وفريدة في كل ثقافة، فعلى سبيل المثال يختلف مفهوم الإيروتيكا في الثقافة الهندية والصينية القديمة كثيرا عن هذا المفهوم في الثقافة الروسية أو العربية..

البورنوغرافيا قد تتجاوز الثقافة الإيروتيكية لبلد ما، لكنها لا تعد مواد بورنوغرافية في ثقافة أخرى أو بلد آخر، فعلى سبيل المثال هناك قيود قانونية في معظم البلدان الأوروبية، تحد من نشر المواد الإباحية، في حين أنها متاحة في هولندا، التي لا توجد فيها مثل هذه القيود، ولكن بغض النظر عن ذلك، ينبغي أن يؤخذ في الاعتبار أنه في أي مجتمع، وفي أي ثقافة، فإن الابتذال واستخدام الألفاظ النابية أو الفاحشة هما أساس البورنوغرافيا في الأدب، في حين أن الذائقة الجمالية، ونبل الأفكار شرطان لا غنى عنهما لإنشاء عمل إيروتيكي. إن معاداة الفن والفظاظة وابتذال الوسائل والتقنيات في حد ذاتها، يمكن أن تخلق تأثيرا إباحياً (بالطبع، إذا كانت هناك حبكة إباحية) حتى في الحالات التي لم يكن لدى المؤلف مثل هذا الهدف أو النية. وهذا ما يسمى بالإباحية العفوية، التي تصاحب دائما تدني مستوى ثقافة الأديب أو المجتمع ككل. تحدد نسبة الإيروتيكا والبورنوغرافيا في أي مجتمع من خلال مستوى ثقافة مواطنيه في المقام الأول. ولهذا السبب، تحديداً عندما يكون هذا المستوى منخفضاً، لا يمكن لأي رقابة أن تحد من نطاق انتشار المواد البورنوغرافية. وفي حالة وجود مثل هذه الرقابة فإنها تتخفى تحت الأرض. ومن الصعب التمييز بين مفهومين عندما لا يكون هناك حتى تعريف واحد متفق عليه بين علماء الجنس والباحثين لأي منهما. ومع ذلك، دعونا نكتشف أين هو الحد الفاصل بين الإيروتيكا والبورنوغرافيا في الأدب، الذي ينبغي للكاتب أن لا يتجاوزه إذا كان يعتمد على قارئ مهتم بالقيم الجمالية.

الإيروتيكا: فن نقل المشاعر الجنسية. في مثل هذه الأعمال هناك عنصر الإيحاء أو الإيماء بدلا من التصريح المباشر. تركز الإيروتيكا فقط على الجمال الجسدي والروحي، دون إثارة الرغبة في الاتصال الجنسي، وتصور الرغبات والأفعال الجنسية في شكل فني، وتهدف إلى التأثير على عواطف الشخص من أجل إثارة المشاعر والأفكار الجمالية لديه. وغالبا ما تكشف عن أعماق جديدة للوجود الإنساني، لم يتم فهمها أو قبولها بعد من قبل الأخلاق والوعي الجماعي.

أما البورنوغرافيا فإنها تربط كل شيء حصريا بالسرير، وهي مليئة بالوصف الطبيعي المباشر، وتنفي تماما العنصر الروحي للعلاقة بين الرجل والمرأة، وتجرد الإنسان من الإنسانية. علاوة على ذلك، قد تحتوي هذه الكتب على عناصر انحرافات مختلفة، بما في ذلك تلك التي يحظرها القانون.

إذا كانت الإيروتيكا تأخذ القارئ إلى مستوى جمالي جديد، وتجعله يحلم ويتخيل ويفكر، فإن البورنوغرافيا لا تترك مجالا للخيال، لأن التركيز هناك يكون على الاتصال الجنسي نفسه، ويترك كل شيء آخر جانباً. ونتيجة لذلك فإن مثل هذه الكتب تثير الرغبة وتكثفها، لكنها لا تقدم أي غذاء للعقل أو القلب. من الواضح أن الأدب البورنوغرافي (مع استثناءات نادرة) لا يمثل أدنى قيمة فنية، لأن المهمة الرئيسية لأي أدب هي التعبير عن المشاعر والتجارب الإنسانية. الأدب فن يجب أن يظل جميلاً وروحانياً للغاية، بغض النظر عن الانحرافات النفسية والسلوكية. الإيروتيكا قادرة على إشراك القارئ في تكوين أحكام أخلاقية، كما تستطيع استكشاف مجموعة واسعة من المشاعر والاستجابات العاطفية. الخوف والألم والشوق والإيمان والحب والكراهية والرفض والقبول ـ إن هذا النطاق لا نهاية له. أما البورنوغرافيا فإنها بطبيعتها ـ غير قادرة على القيام بأي من هذا بطريقة ذات معنى. الإيروتيكا هي الجسد والجمال، والبورنوغرافيا هي اللحم والسلعة» وبعبارة أخرى، فإن البورنوغرافيا غير حساسة، تلقائية، مثيرة، أي جنس مجرد تماما من الإنسانية. وإذا كان الشخص غير قادر على فهم هذا الاختلاف، فإن هذا يدل في المقام الأول على تدني مستوى ثقافته العامة والجنسية. ليس للإيروتيكا والبورنوغرافيا التأثير نفسه في المجتمع، وخاصة في النساء. ففي البورنوغرافيا يتم قمع النساء ومعاملتهن بعنف مثل الأشياء، بينما في الإيروتيكا لا يوجد مثل هذا القمع والعنف، بل هو مظهر من مظاهر المتعة التي يشعر بها الشريكان، وليس مظهرا من مظاهر العنف. الإيروتيك أو الإيروسية آتية من الإله إيروس، إلهُ الحُبِّ والجنس والخصوبة، وتعبر عن نشاط جنسي كامل قائم على المودة والرغبة المتبادلة بين شريكين متساويين، ونزع صفة الحيوانية عن الاتصال الجنسيّ، وتحويله عملاً فنياً يجتمع فيه الخيال والحساسية والفانتازيا.. أمّا البورنوغرافيا فإنها تأتي من جذر يوناني آخر ـ «بورنو» الذي يعني الدعارة وتعكس نشاطا جنسيا مجردا من المشاعر والخيال، قائما على هيمنة الذكور واستغلال النساء.

ولهذا السبب فإن كلمتي «متبادل» و«بين المتساويين» صريحتان بشكل خاص لأنهما تعنيان عدم وجود فرق بين الرجال والنساء في هذا المجال. لا يستعرض الرجال سلطتهم على النساء، بل على العكس من ذلك، هناك مفهوم المشاركة بين الشريكين.. هذه مشاعر إيجابية يعيشها كل زوجين في الحب. ونتيجة لذلك، تُظهر الإيروتيكا العلاقة الحميمة الطبيعية بين الزوجين. من ناحية أخرى تعكس البورنوغرافيا نشاطا جنسيا حيوانياً قائما على هيمنة الذكور واستغلال النساء. من وجهة نظر الحركات النسوية، الايروتيكا هي تصوير للعلاقات الجنسية المتساوية بين الرجل والمرأة، والبورنوغرافيا هي العلاقات غير المتكافئة التي تنتهك الرغبات الجنسية للمرأة.

إن ممارسة الحب يجب أن تكون جميلة ورومانسية وناعمة ولطيفة وخالية من الفوضى والابتذال والرغبة في التسلط، أو العنف من أي نوع. هذا هو السبب في أن المواد البورنوغرافية تخنق النساء فعلا. في الواقع، احترام المشاعر مهم جدا بالنسبة للنساء، ومعظمهن مدفوعات بمشاعرهن، بينما معظم الرجال مدفوعون بالغريزة. على سبيل المثال، ليس من الشائع والصعب بشكل خاص بالنسبة للنساء ممارسة الحب دون مشاعر بينما هو شائع لدى الرجال. وهذا هو السبب في أن رؤية الفعل الجنسي دون مشاعر، كما في الأفلام الإباحية ليس خانقا للرجال كما للنساء.

***

جودت هوشيار

في المثقف اليوم