قراءات نقدية

رسول عدنان: دراسة في تفكيك سرقات عبد الرزاق عبد الواحد من شعر الجواهري

الجو العام: تتعدد ضروب الأدب العربي بتعدد أغراضه فقد وصل لنا من العصر الجاهلي عدة أنواع من الأدب العربي شعرا ونثرا ومنها: المنافرات والمعارضات والسجع والشعر أما ما يخص مفهومالمعارضات فتعرف بنظم شعرٍ موافق لشعرٍ آخر في موضوع معين، حيث يلتزم نظم الشعر الآخر في قافيته، وبحره، وموضوعه التزاماً تامّاً يحرص فيه الشاعر على مضاهاة الشاعر المعَارَض في شعره إن لم يتفوق عليه، وقد يلجأ الشاعر إلى هذا النوع من الشعر عندما يرى في شعر غيره من الشعراء ما يمتاز به من فصاحة، وروعة صياغة، أو صور معبرة، وغيرها من أمور تثير في نفسه العجب.

وأروع ما وصل لنا من الأدب الجاهلي من معارضات هي معارضة الزير سالم أبو ليلى المهلهل الى قصيدة الحارث بن عباد تقريبا ل 10 قبل عام الفيل حيث أرتبطت بقصة مؤلمه جدا في حرب البسوس عندما أرسل ابن عباد وهو رجل فارس وحكيم من بني بكر بن وائل أبنه بجير بوفد صلح في محاولة لأنهاء الحرب بين بكر وتغلب لكن الزير سالم قتله فقط لأنّه من بكر بن وائل بل تمادى وتشفى بقتله عندما قال له بوء بشسع نعل كليب !! فثارت ثائرة أبوه وكل بكر من ورائه من سابقة قتل رسول فقال أبوه يرثيه بقصيدة زيّنت صدر الأدب العربي منذ ذلك الزمان اسمها النعامة نسبة الى فرسه الكريمة:

قل لأمّ الأغرّ تبكي بجيرا - - ما أتى الماء من روؤس الجبال

قرّبا مربط النعامة مني -- - لبجير فداه عمي وخالي

قرّبا مربط النعامة مني - - لا نبيع الرجال بيع النعال

فردّ عليه الزير سالم بمعارضة أسمها المشّهر نسبة الى حصانه فقال:

قرّبا مربط المشهر مني - - قرّباه وقربا سربالي

قربا مربط المشهر مني - - لكليب الذي أشاب قذالي

قرّبا مربط المشهر مني - - أنّ قولي مطابق لفعالي

اما في العصر الحديث فالمعارضات كثيرة جدا منها معارضة الجواهري لقصيدة المتنبي والتي قالها في مصر لهجاء ملكها كافر الأخشيدي

عيد بأية حال عدت يا عيدُ – - بما مضى أم لأمر فيك تجديدُ

فقال الجواهري في مصر أيضا وذات الموضوع في هجاء جمال عبد الناصر

ما زلت يا مصر والأيام ترديدُ - - يسومك الخسف كافر وأخشيدُ

و معارضات أحمد شوقي معروفة وكثيرة وأهمها معارضته لقصيدة

يا ليل الصب متى غده - - أ قيام الساعة موعده

للحصري

عارضها شوقي ب مضناك جفاه مرقده - - وبكاه ورحّم عوده

السرقات الشعرية لا تعتبر معارضات لأنها لم تستوف شروط المعارضة التي تصاغ على ذات الوزن والقافية والموضوع بل أهمّ من كل ذلك ان يعلن الشاعر رسميا بأنّ قصيدته هي معارضة لقصيدة شاعر آخر ولا يكتم الأمر ويقوم بسرقة صوره وطريقة صياغته وموضوعته ولا يصل الأمر الى توظيف تقنيات شعره وتتبع كل اساليبه في القصيدة الأصل لأنّ هذا يعتبر سرقة واضحة وليست معارضة.

فعلى سبيل المثال لا تعتبر قصيدة نزار قباني البائيّة في دمشق معارضة لقصيدة الجواهري البائيّة في رثاء أبي العلاء المعري حتى وان كان كلاهما من ذات البحر البسيط وذات القافية البائيّة مع ألف الأطلاق والسبب لأن التيمة لا تتطابق في القصيدتين وحتى وان كان مكان ألقائهما واحد وهو دمشق لكن التيمة مختلفة تماما فقصيدة الجواهري كانت في موضوعة أبي العلاء المعري أما تيمة نزار قباني فكانت في دمشق وأنتمائها وحبه لها وبالتالي لا يمكن أسقاط مفهوم المعارضة على القصيدتين بأيّ شكل من الأشكال

يقول الجواهري:

قفْ بالمعرّةِ وأمسحْ خدَّها الترَبا    

 وأستوحي مَنْ طبّبْ الدنيا بما وَهبا

أمّا نزار فيقول:

فرشْتُ فوق ثراكِ الطاهرِ الهُدُبا        

فيا دمشُقّ لماذا نبدأ العتبا

دلالة العنوان للقصيدتين

انّ موضوع هذه الدراسة هو سرقات عبد الرزاق عبد الواحد من شعر الجواهري من قصيدة الجواهري آمنت بالحسين والتي صاغ عبد الرزاق قصيدته في رحاب الحسين على منوالها

كلا القصيدتين من ذات البحر وهو المتقارب وبذات الموضوع التيمة وهو الأمام الحسين غير أنّ قصيدة الجواهري ذات قافية عينّية وقصيدة عبد الرزاق ميمية

وما أظّها صدفة بل محاولة من عبد الرزاق للمراوغة والأيهام وأبعاد مفهوم السرقة عنه حيث عمد السارق الى توظيف قصيدة الجواهري الأخرى في رثاء أخيه والتي كانت أيضا على ذات النسج وذات التيمة الرثاء وذات البحر المتقارب وذات القافية الميمية غير أنّه نظمها في رثاء أخيه الشهيد جعفر وهي التي وظّفها عبد الرزاق في قصيدته حيث عمد الى أستغلال ثلاث قصائد دفعة واحدة للجواهري فقد أخذ القافية والبحر من قصيدة أخي جعفر وأخذ البحر والتيمة، الأمام الحسين، والصور من قصيدته آمنت بالحسين وأخذ الديباجة الأستهلالية في المقاطع من قصيدة المقصورة والتي كانت أيضا على ذات البحر المتقارب وقام بتوظيفها كلها دفعة واحدة عبر عنصريّ الأيهام والمراوغة لتضليل القارئ والناقد معا

لكن بمجرد تتبع دقيق لأبيات القصائد الأربع سوف نجد تلك السرقات التي عمد أليها عبد الرزاق حيث أستخدم السارق ثلاث قصائد للجواهري وظفها مرة واحدة في قصيدته وكل هذه القصائد من بحر واحد هو المتقارب وهي:

أستخدم الجواهري لفظة سلامٌ في قصيدته المقصورة 5 مرات

بينما أستخدم عبد الرزاق لفظة سلامٌ في قصيدته في رحاب الحسين 11 مرة

المقطع الأول

يقول الجواهري في مطلع قصيدته آمنت بالحسين مبتداً بجملة أبتدائية اسميّة محذوفة المسند اليه (فداء لمثواك)

ليحوّرها عبد الرزاق الى جملة أبتدائية أسمية محذوفة المسند ايضا

(سلام لمثواك)

في عجز البيت الثاني لتفادي التطابق في المطلع فقد حوّر فداءٌ على وزن فعولن الى سلامٌ مأخوذة من قصيدة المقصورة ووظفها في قصيدته في رحاب الحسين فقد جمع ديباجتين للجواهري وهما قصيدته المقصورة والتي كرر بها اللفظ سلامٌ خمس مرّات ليوظفها عبد الرزاق مع قافية قصيدة الجواهري في أخي جعفر الميمية المضمومة بينما أبتعد عبد الرزاق في قافيته قليلا ليجعلها ميمية مكسورة وكما أسلفت يستخدم عنصريّ الأيهام والتضليل بتوظيفه لثلاث قصائد جواهرية تعتمد على وزن واحد هو المتقارب ليوظفها في قصيدته الميمية في رثاء الأمام الحسين من باب الخداع السيميائي وهذا يدلّ على أن الرجل لا يستطيع نظم شئ الا على قوالب جواهريّة جاهزة بتغير الخلطة اللفظية والديباجة لكل قصيدة تم توظيها وكأنّ قصيدته بدت خليط من عصارة شعرية الجواهري لكن جاءت بدرجة أقل بكثير لأنّ ديباجات شعر الجواهري وألفاظه أقوى وأكثر عمق وبلاغة وصياغته لجملته محكمة البناء بينما بدت صياغة عبد الرزاق مثل هاوي مقلد حيث الركاكة وضعف الصياغة والصور المنقولة والأفكار المسروقة فلا تحسب له أيّة نقطة لأنّ قصيدته جاءت من حيث الألفاظ والصور والتراكيب والفكرة والتيمة وأقتفاء التقليد لدرجة التطابق في صور وابيات كثيرة بدت كل هذه كمن يحاول ان يسرق لوحة مشهورة فيعمد الى أستخدام ألوان مختلفة لذات الفكرة والموضوع والوجوه التي بدت في اللوحة الأصل بأستخدام مفهوم الذكاء الأصطناعي ولكن جاء عبر عاملي اللغة والخيال.

المقطع الثاني

ينتقل الجواهري في المقطع الثاني من قصيدته الى مخاطبة الحسين بأستخدام حرف النداء ياء مرتين اذ يقول:

فيا ايُّها الوِتْرُ في الخالِدينَ

فذّاً، إلى الآنَ لم يُشْفَع

ويا عِظَةَ الطامحينَ العِظامِ

للاهينَ عن غَدِهمْ قُنَّع

تعاليتَ مِن مُفْزِعِ للحتُوفِ

وبُورك قبرُكَ مِن مَفْزَع

تلوذُ الدُّهورُ فمِنْ سُجَّد

على جانبيه. ومِنْ رُكَّع

و هذا المقطع يخاطب الجواهري الحسين بصفاته الراقية مثل الوتر، فذا، عظة، مفزع، وهي محاولة لأظهار خصال المرثيّ التي تظهر مكانته في قومه وفي أتباعه وكيف صار عضة للطامحين وتحوّل قبره الى مزار للمؤمنين اذ يعمد الجواهري الى وصف المرثي بقوله مستخدما حرف النداء الياء ويا عضة الطامحين العظام

وهكذا يتنقل عبد الرزاق الى ذات المعطى فيقول في هذا المقطع فيما يخص نسب الحسين المقطع الثاني ليستخدم

ويا سيّدي يا أعَزَّ الرجال

يا مُشرَعاً قَطُّ لم يُعجَمِ

ويا بنَ الذي سيفُهُ ما يَزال

إذا قيلَ يا ذا الفَقارِ احسِمِ

تُحِسُّ مروءَ ةَ مليونِ سيفٍ

سَرَتْ بين كَفِّكَ والمَحْزَمِ !

لاحظ كيف عمد عبد الرزاق الى أستخدام حرف النداء الياء وكيف قام بأقتفاء أثر الجواهري في وصف الحسين ب أعزّ، ومشرعا، ويا ابن الذي، وهذا أقتفاء لفظي بل سيميائي لمقاطع قصيدة الجواهري وكأنّ الرجل لا يستيطع أن يصوغ قصيدته بلا تتبع أثر الجواهري لفظيا او صياغة او فكرة.

المقطع الثالث

لاحظ قول الجواهري في هذه المقطع:

وجَدْتُكَ في صورةٍ لـم أُرَعْ          

بِأَعْظَـمَ منهـا ولا أرْوَعِ

*

وماذا! أأرْوَعُ مِنْ أنْ يَكُون        

لَحْمُكَ وَقْفَاً علي المِبْضَـعِ

*

وأنْ تَتَّقِي - دونَ ما تَرْتَئـِي          

ضميرَكَ بالأُسَّـلِ الشُّـرَّعِ

و لاحظ كيف تتبع عبد الرزاق أبيات الجواهري وقام بأعادة صياغتها مع أستبدال بعض الألفاظ مستخدما مفهوم الخداع اللفظي حيث يقول:

وإنَّكَ مُعْتَصَمُ الخائفين

يا مَن مِن الذَّبح ِ لم يُعصَمِ

وخُضْتَ وقد ضُفِرَ الموتُ ضَفْراً

فَما فيهِ للرّوحِ مِن مَخْرَمِ

وَما دارَ حَولَكَ بَل أنتَ دُرتَ

على الموتِ في زَرَدٍ مُحكَمِ

أ لَستَ الذي قالَ للباترات

خُذيني..وللنَّفسِ لا تُهزَمي؟

وطافَ بأولادِهِ والسيوف

عليهم سوارٌ على مِعصَمِ

فَضَجَّتْ بأضْلُعِهِ الكبرياء

وصاحَ على موتِهِ: أقدِمِ !

مرّة أخرى يستخدم الجواهري الأختصار البلاغي في وصف صورة الأمام ومقتله وكيف وظّف الجواهري مفردتي ،ضميرك، و,الأسل، أي انّ الحسين سرعان ما أختار الموت دون ان يبيع ضميره وهذه الرماح تنهال عليه دون ان يتزحح من موقفه وظل صامدا ولم يبع ضميره

لكننا نرى الصورة التي قلبها عبد الرزاق مستخدما ذات الفكرة من الجواهري في وصف تصدي الأمام الحسين الى موته المحقق فعمد الى أستبدال الأسل وهي الرماح الى الباترات وهي السيوف ومرة أخرى يلتجأ الى عاملي الأيهام والمراوغة للتغطية على سرقة فكرة الصورة التي رسمها الجواهري حول الكيفية التي تصدى بها الأمام الحسين للموت فحوّل صورة الجواهري في

لَحْمُكَ وَقْفَاً علي المِبْضَـعِ

الى:

وَما دارَ حَولَكَ بَل أنتَ دُرتَ

على الموتِ في زَرَدٍ مُحكَمِ

و هكذا وكأنّ عبد الرزاق لا يستيطع ان يصوغ قصيدتة دون تتبع الى كل أبيات وصور الجواهري وأعادة صياغتها وأستبدال ألفاظ وأعادة رسم الصورة بألفاظ أخرى مثل على سبيل المثال كيف بدل الأسل ب الباترات وهكذا.

المقطع الرابع

سَلامٌ عليكَ حَبيبَ النَّبيِّ

وَبُرْعُمَهُ..طِبْتَ من بُرعُمِ

*

حَمَلتَ أعَزَّ صفاتِ النَّبيِّ

وفُزْتَ بمعيارِهِ الأقوَمِ

وهكذا قد صاغ هذا المقطع على منوال قول الجواهري الذي يتطرق به الى نسب الحسين وكيف كانت أمّه فاطمة الزهراء البتول ويكفي ذكر أسمها ليعرف الآخر من تكون أنّه بضعة من نبي الله محمد ص أما أبوه فهو الأمام علي والذي وصف الشاعر ب البطين

يابنَ البتـولِ وحَسْبِي بِهَا

ضَمَاناً علي كُلِّ ما أَدَّعِـي

*

ويابنَ التي لم يَضَعْ مِثْلُها

كمِثْلِكِ حَمْـلاً ولم تُرْضِـعِ

*

ويابنَ البَطِيـنِ بلا بِطْنَـةٍ 

ويابنَ الفتي الحاسـرِ الأنْـزَعِ

*

ويا غُصْنَ "هاشِـمَ" لم يَنْفَتِحْ

بأزْهَـرَ منـكَ ولم يُفْـرِعِ

كل ما فعل هو انه لم ينسبه الى البتول او البطين أبيه الأمام علي او جده هاشم من باب التضليل بل أستخدم الرسول حيث قال حبيب الرسول وبرعمه في محاولة للأبتعاد عن صورة الجواهري في نسب الأمام الحسين

المقطع الخامس

في مقطع آخر من القصيدة يقول به عبد الرزاق في قصيدته في رحاب الحسين:

سلامٌ على آلِكَ الحوَّمِ

حَوالَيكَ في ذلك المَضرَمِ

وَهُم يَدفعونَ بِعُري الصدور

عن صدرِكَ الطاهرِ الأرحَمِ

ويَحتضنونَ بكِبْرِ النَّبِّيين

ما غاصَ فيهم من الأسهُمِ

و هذا المقطع تتبع الى مقطع الجواهري الذي يتحدث عن آل بيت الحسين بقوله

وأن تُطْعِمَ الموتَ خيرَ البنينَ

مِنَ "الأَكْهَلِيـنَ" إلي الرُّضَّـعِ

*

وخيرَ بني "الأمِّ" مِن هاشِمٍ

وخيرَ بني " الأب " مِنْ تُبَّـعِ

ثم ينتقل عبد الرزاق الى مقطع آخر يصف به كيف يصدّ أصحاب الحسين السهام بصورهم العارية وهو أيضا مأخوذ من صورة للجواهري بذات المعنى فيقول:

وَهُم يَدفعونَ بِعُري الصدور

عن صدرِكَ الطاهرِ الأرحَمِ

و هذه الصور مأخوذة من صورة الجواهري التي يصف بها كيف تصدى أصحاب الحسين للسهام بصدورهم ليكونوا وقاءا للأمام بصدورهم وأذرعهم

وخيرَ الصِّحابِ بخيرِ الصُّدُورِ

كَانُـوا وِقَـاءَكُ ، والأذْرَعِ

و في مقطع أخرى يصف أبا الأمام الحسين الأمام علي فيقول:

ويا بنَ الذي سيفُهُ ما يَزال

إذا قيلَ يا ذا الفَقارِ احسِمِ

عليُّ..عليَّ الهُدى والجهاد

عَظُمتَ لدى اللهِ من مُسلمِ

و هذا أيضا قد صيغ على منوال قول الجواهري في أبي الأمام الحسين الأمام علي وأستخدم ذات حرف النداء الياء في بيت الجواهري بقوله الملاحظ كيف أستخدم حرف النداء مرّتين تماما كما فعل الجواهري

ويابنَ البَطِيـنِ بلا بِطْنَـةٍ

 ويابنَ الفتى الحاسـرِ الأنْـزَعِ

حيث يستفيض عبد الرزاق في تفكيك صدر هذا البيت في وصف حالة الفقر التي كان عليها الأمام علي والتي أختصرها الجواهري بصدر بيت فقط حيث عملت البلاغة الى أيصال الصورة كاملة دون أستفاضة مثلما فعل عبد الرزاق أذ يقول:

وَيا أكرَمَ الناسِ بَعدَ النَّبيّ

وَجهاً..وأغنى امريءٍ مُعدَمِ !

مَلَكتَ الحياتَين دُنيا وأ ُخرى

وليسَ بِبَيتِكَ من درهمِ !

فِدىً لِخشوعِكَ من ناطقٍ

فِداءٌ لِجوعِكَ من أبْكَمِ !

حيث كان بيت الجواهري أكثر بلاغة وأروع من حيث الصياغة سواءا من حيث جزالة اللفظ ودلالة المعنى بينما أحتاج عبد الرزاق الى كل هذه الأبيات ليلحق بصدر بيت واحد للجواهري وهنا يكمن الفرق في الشعرية وقوة الشاعرية بين الأصل والتقليد.

الأختلاف الوحيد في القصيدتين

في نهاية قصيدة عبد الرزاق والتي كتبها وألقيت ١٩٩٥ ليوظف موضوع الحصار بهدف التقرب الى السلطة التي كان لسان حالها وشاعر الطاغية الأول حيث وظف مغزى الشكوى وإن كانت موجهة من السلطة ليشرح فيها خذلان العرب للعراق وهكذا لا يتورع شاعر السلطة من أستخدام موضوع الحسين المقدس الى خدمة مولاه وسيّده الصنم المقبور لكي ينال المزيد من عطاياه ومكرماته حيث يقول:

لَئِن ضَجَّ من حولكَ الظالمون

فإنّا وُكِلنا إلى الأظلَمِ

وإن خانَكَ الصَّحبُ والأصفياء

فقد خانَنا مَن لهُ نَنتَمي!

بَنو عَمِّنا..أهلُنا الأقرَبون

واحِدُهُم صارَ كالأرْقَمِ !

تَدورُ علينا عيونُ الذِّئاب

فَنَحتارُ من أيِّها نَحتَمي!

لهذا وَقفنا عُراةَ الجراح

كباراً على لؤمِها الألأمِ

و في هذا المقطع فقط وجدت الأختلاف بين القصيدتين حيث لجأ اليه عبد الرزاق للمراغة عن سرقاته ولأظهار ان قصيدته من بنات أفكاره من جهة وأخرى للتقرب والتودد الى سيّدة الصنم ليستزيد من عطاياه على حساب جثث الشعب العراقي الصابر المبتلى.

عوالم القصيدة

أثتبنا في هذا التحليل ان عبد الرزاق قد حشد ثلاث قصائد دفعة واحدة من قصائد الجواهري ووظفها معا في قصيدته في رحاب الحسين وهذه القصائدة هي:

1 - آمنت بالحسين أخذ منها البحر المتقارب والتيمة الحسين

2 - أخي جعفر أخذ منها البحر المتقارب والقافية الميمة والموضوع الرثاء

3 - المقصورة وأخذ منها البحر المتقارب والديباجة وتكرار مفردة سلامٌ

أن أهم ما يستقف القارئ هي الظواهر السيميائية اللغوية في القصيدتين لما لها من دور يمكن أستخدامها كعلامات سيميائية لأساليب لغوية متنوعة تم توظفيها بشكل فني لتخدم الغرض العام للفكرة والقصيدة وهي الثبوت والدوام- والإيمان بالحسين وموقف اصحاب الحسين وتصوير المأساة في الطف.

ويشكل التكرار ظاهرة واضحة برزت من خلال التراكم الكمي الذي عمل على ايجاد التماسك بين مفاصل النص وأصبح الظاهرة المهيمنة وجعل القصيدتين ترتفعان بالإيقاع الداخلي وقد ورد التكرار في القصيدة بأشكال أخرى مثل تكرار حرف الجر (من) في قصيدة الجواهري والمقاطع الصوتية وكذلك لقصيدة عبد الرزاق حيث كرر اللفظ سلامٌ أحدى عشر مرة وبدا كمن يريد ان يلقي التحية او الوداع الأخير

***

د. رسول عدنان

شاعر وناقد عراقي

 

في المثقف اليوم