قراءات نقدية

علي حسين: صديقتي المذهلة "لألينا فيرانتي" أجمل روايات هذا القرن

في استفتاء اجرته صحيفة نيويورك تايمز عن افضل 10 روايات صدرت منذ بداية هذه الالفية، حازت رواية " صديقتي المذهلة " للكاتبة الايطالية صاحب الاسم المستعار " إلينا فيرانتي " على المركز الاول.  وقد استطلعت الصحيفة  آراء شعراء ونقاد وصجفيين وقراء  وشاعر وقد اجمعوا على ان رواية فيرانتي هي الاجمل. صديقتي المذهلة هي الجزء الاول من " رباعية نابولي" التي صدرت ترجمتها العربية باربعة " " صديقتي المذهلة.. حكاية الاسم الجديد..الهاربون والباقون..حكاية الطفلة الضائعة " ترجمها الى العربية معاوية عبد المجيد

من يقرأ روايات إيلينا فيرانتي المولودة في نابولي عام 1943، يدرك كيف استعارة هذه الروائية اللغز حياة الآخرين والتظاهر بانها لم تكتبها فـ:" الكتب، بمجرد كتابتها، لا تحتاج إلى مؤلفيها"، هكذا تكتب في ردها على أسئلة القراء المتلهفين لمعرفة من هي هذه السيدة التي شغلت الايطاليين منذ ربع قرن.

قبل ان تجرب كتابة الرواية، كانت تملأ دفاترها المدرسية بيومياتها:" وانا فتاة صغيرة. كنت مراهقة خجولة. وكل ما كنت أجيد قوله هو كلمة نعم، ومعظم الأحيان كنت أبقى صامتة.اما في مذكراتي، فقد كان الامر مختلفا، كنت اترك لنفسي العنان وأسرد بالتفصيل ما يحدث لي يوميا، حتى الأشياء الخاصة جدا والغاية في السرية وكل ما كان يخطر ببالي من أفكار جريئة كنت ادونه على الورق". ولانها خجولة كانت تخاف ان تقع هذه الاوراق في ايدي الاخرين:" كنت خائفة جدا مما كنت افعله: فقد كنت أخشى أن تكتشف تلك المذكرات وتقرأ ".

في العشرين من عمرها قررت التوقف عن كتابة المذكرات، وتحولت رغبة الكتابة عندها إلى: " كتابة قصة من بنات خيالي "، ورغم انها لم تجد الوقت الكافي للكتابة كل يوم، الا ان اصرارها على الكتابة جعلها تنهي اول رواياتها، تبدأ رحلة البحث عن ناشر، وستعثر عليه بعد اكثر من 25 عاما حيث قرر احد اصحاب دور النشر ان يجازف وينشر روائية لكاتبة مجهولة، رفضت ان تضع اسمها الحقيقي على غلاف الكتاب واختارت اسم " إيلينا فيرانتي ".

العام 2011 يصبح حاسماً في حياة فيرانتي حيث تصدر روايتها " صديقتي المذهلة "، والتي ستصبح فيما بعد الجزء الاول من رباعية نابولي الشهيرة حيث باعت اكثر من عشرة ملايين نسخة – ترجمها الى العربية معاوية عبد المجيد -.كانت في البداية تريد ان تروي جانبا من حياة مدينتها نابولي من خلال تتبع حادثة اختفاء لينا او ليلا كما تسميها صديقتها المقربة إيلينا، ففي صباح احد ايام عام 2010 تتلقى إيلينا اتصالاً هاتفيا من ابن صديقتها ليلا يخبرها ان والدته البالغة من العمر 60 عاما اختفت منذ اسبوعين، ولا احد يعرف اين ذهبت، وتدرك إيلينا ان اختفاء صديقتها عمل لم يات من فراغ، وان هناك اسباب لايعرفها سوى ليلا المختفية. في تلك الليلة تبدأ إيلينا في وضع كل ما يمكن أن تتذكره حول ليلا على الورق، ابتداء من عام 1950 في نابولي عندما بدأت صداقتهما في اللحظة التي قررتا فيها صعود السلالم المؤدية الى شقة الدون آخيل. بعدها تكبر الرواية لنجد انفسنا في حي فقير من احياء مدينة نابولي نتتبع حكاية الطفلة العبقرية ليلا من خلال صديقتها إيلينا التي تنجح في ان تصبح روائية..لنتعرف على سيرة مدينة خلال فترة زمنية تجاوزت النصف قرن، ونشعر ونحن نتابع بلهفة مصائر الأبطال خلال الاجزاء التتالية من الرواية (الاسم الآخر – الهاربون والباقون – حكاية الطفلة الضائعة) كأن الاحداث في المدينة أبدية لاتنتهي، حيث تقع ليلا وألينا في الحب والزواج والخيانة والبحث عن دور في العالم، والتمييز، والولادة، وتربية الأطفال، وأحيانًا تكون الحياة سعيدة، وأحيانًا غير سعيدة، وتتعرضان لتجربة الخسارة والموت..ووسط حي عمالي بائس تاخذنا فيرانتي في رحلة مشوقة، يمتزج فيها الحب والطموح بظلال ما بعد الفاشية، ومعارك اليمين الإيطالي ضد اليسار واغتيال ألدو مورو والألوية الحمراء في السبعينات من القرن الماضي، لكن الشيء المدهش هو وصف حياة النسوة داخل هذا الحي، مشاعر الغيرة والعلاقات الجنسية والصداقة التي تختلط احيانا بالغيرة، والشجاعة المتعلقة بالامل، حتى تبدو لنا فيرانتي مهمومة بالعالم النسوي اساسا حيث تبدو الرباعية وكانها دفاع عن عالم المراة في مواجهة عالم ذكوري عنيف وعبثي وخلال مقابلة اجريت مع فيرانتي قبل اشهر من خلال بريدها الالكتروني قالت:" أن النساء - أمهات أو عازبات - يعانين الأمرين في الموازنة بين إدارة متطلبات الحياة اليومية وبناء مساحات الإبداع الذاتي، وهن غالبًا ما ينتهين إلى التضحية بطموحاتهن من أجل مشاعرهن نحو الشركاء والأبناء".

على مدى اربع سنوات تواصل فيرانتي اصدار الأجزاء الاخرى من الرباعية لتختمها بالجزء الاخير " حكاية الطفلة الضائعة "، وعند سؤالها عن جزء خامس قالت:" كان من الصعب أن أستيقظ ذات يوم أفكر، لقد انتهت قصة ليلا وأيلينا". صحيح انني انتهيت من ذلك. لكن الامر مثل الولادة فقد ة تملكني شعور فظيع بالفراغ وكانني وسط طريق طويل، لكنني أعرف قصصًا أخرى وأتمنى أن أتمكن من كتابتها".

عندما سألت أين تكتب؟ اجابت:" أنا أكتب في أي مكان. ليس لدي غرفة خاصة بي. أعلم أنني أحب المساحات الخالية، مع جدران بيضاء فارغة. لكن هناك حقيقة مهمة وهي عندما أكتب، سرعان ما أنسى أين أكون.

تكتب فيرانتي:" أن المرء عندما يقرر ان يكتب فليس من المنطقي أن يخفي او يكتم شيئأ، او يفرض رقابة على نفسه، ونتيجة لذلك فان اغلب الاشياء التي كتبت عنها - وربما كانت تلك هي الاشياء الوحيدة التي رغبت في الكتابة عنها – هي تلك الاشياء التي كنت أفضل أن ألتزم الصمت عندما يدور الحديث عنها والجأ من بين أمور أخرى إلى تلك المفردات التي لم اكن اجرؤ على استخدامها في حديثي مع الاخرين "

قالت في واحدة من مقابلاتها الصحفية إن الخجل  هو السبب الذي دفعها إلى عدم الكشف عن هويتها الحقيقية، وأنها تتوجس كثيراً الخروج من العتمة إلى النور.

***

علي حسين – رئيس صحيفة المدى البغدادية

في المثقف اليوم