قراءات نقدية

زكية خيرهم: الصراع والهجرة في أدب سيمون سترانجر: نظرة على ثلاثية الشباب

سيمون سترانجر هو كاتب نرويجي مبدع، معروف بتقديمه روايات تلامس قضايا حساسة ومعاصرة، مستخدمًا فيها أسلوبًا سرديًا يجمع بين الواقعية والخيال. أحد أبرز أعماله هو ثلاثية الشباب التي تتناول موضوعات الصراع والهجرة وتأثيرها على الأفراد والمجتمعات. هذه الثلاثية تشمل الروايات: "Barsakh"، "Verdensredderne"، و"De som ikke finnes". في هذا المقال، سنستعرض هذه الروايات الثلاث ونحلل كيفية تناول سترانجر لموضوعات الصراع والهجرة من خلالها.

Barsakh: البداية المأساوية

في روايته "Barsakh" (2009)، يقدم سترانجر قصة إيميلي، الفتاة النرويجية التي تلتقي بسامويل، المهاجر غير الشرعي من غانا، أثناء قضائها عطلتها في جزر الكناري. الرواية تعالج القضايا المتعلقة بالهجرة غير الشرعية وكيفية تأثيرها على الأفراد من كلا الجانبين: المهاجرين الذين يخاطرون بحياتهم بحثًا عن مستقبل أفضل، والمواطنين الذين يواجهون تحديات أخلاقية واجتماعية في التعامل مع هذه الظاهرة.

تظهر الرواية الصراعات الداخلية والخارجية التي يواجهها سامويل، بما في ذلك الخطر المستمر لحياته أثناء الرحلة وظروف الحياة القاسية التي يهرب منها. من ناحية أخرى، تعيش إيميلي تجربة غير متوقعة تؤدي بها إلى إعادة التفكير في حياتها المريحة ومعنى العدالة الإنسانية.

Verdensredderne: الشباب والوعي الاجتماعي

في "Verdensredderne" (2012)، يواصل سترانجر استكشاف قضايا الهجرة والصراع من خلال قصة تتبع إيميلي وصديقتها كارين، اللتين تسعيان للقيام بأعمال تطوعية ومساعدة الآخرين. تتناول الرواية موضوعات الفقر العالمي والظلم الاجتماعي، حيث تنتقل الشخصيات بين الحياة المترفة في النرويج والواقع المرير للمجتمعات الفقيرة.

تتسم الرواية بأنها ليست مجرد قصة مغامرة، بل هي دعوة للتفكير والتأمل في دور الشباب في مواجهة التحديات العالمية. يبرز سترانجر كيف يمكن للأعمال الصغيرة أن تساهم في إحداث تغيير كبير، وكيف أن الوعي الاجتماعي والشعور بالمسؤولية هما مفتاح لتحقيق العدالة.

De som ikke finnes: الأمل والمأساة

الجزء الأخير من الثلاثية، "De som ikke finnes" (2014)، يسلط الضوء على قضية اللاجئين غير المسجلين أو "الذين لا وجود لهم" كما يصفهم العنوان. تتعمق الرواية في حياة الأفراد الذين يعيشون على هامش المجتمع بدون حقوق أو اعتراف قانوني. تروي القصة حكاية سامي، الذي يهرب من الحرب والفقر إلى أوروبا، ليواجه تحديات جديدة تتعلق بالاندماج والحياة في ظل عدم الأمان القانوني. تُظهر الرواية الجوانب الإنسانية لهؤلاء الأشخاص، وتكشف عن الصعوبات اليومية التي يواجهونها، من البحث عن مأوى إلى تجنب السلطات. يطرح سترانجر من خلال هذه القصة سؤالاً عميقًا حول الإنسانية: كيف يمكن للمجتمعات المتقدمة أن تتعامل مع أولئك الذين يبحثون عن الأمان والكرامة؟ من خلال هذه الثلاثية، يقدم سيمون سترانجر رؤية شاملة ومعقدة لقضايا الهجرة والصراع. يستخدم شخصيات شابة لتجسيد البراءة والتفاؤل، ويواجهها بواقع قاسٍ يعكس تعقيدات العالم الحقيقي. تظهر الروايات كيف تؤثر السياسات الدولية والظروف الاقتصادية على الأفراد، وكيف يمكن للتعاطف والوعي أن يكونا أداة للتغيير. يبرز سترانجر في أعماله قدرة الأدب على التأثير في الوعي الاجتماعي وتعزيز فهم أعمق للقضايا الإنسانية. من خلال السرد الجذاب والشخصيات المعبرة، يقدم للقراء فرصة للتفكير في دورهم ومسؤولياتهم تجاه القضايا العالمية. تمثل ثلاثية سيمون سترانجر حول الصراع والهجرة عملاً أدبيًا مؤثرًا يجمع بين الواقعية والتأمل الفلسفي. بفضل أسلوبه السردي الفريد وشخصياته القوية، ينجح سترانجر في إلقاء الضوء على قضايا هامة ومعقدة، داعيًا القراء للتفكير في العدالة والإنسانية في عالمنا المعاصر. تعد هذه الثلاثية دعوة للتعاطف والعمل من أجل مستقبل أفضل وأكثر إنصافًا للجميع.

***

زكية خيرهم

في المثقف اليوم