قراءات نقدية
استبرق عزاوي: نفحات المسيح الالهية للدكتور شادي سعد
دراسة ترتكز على مقاربات حول شخصية المسيح في ضوء فلسفات دينية وتاريخية مختلفة.
عن دار اروقة للدراسات والترجمة والنشر في القاهرة مطبوع جديد للدكتور شادي سعد ويحمل العنوان نغحات المسيح الالهية - اليقظة الروحية والصفاء الذهني واكتشاف اسرار مملكة السماء الابدية.
ويتضمن الكتاب خمسين فصلا بعناوين مختلفة حاول خلالها المؤلف د. سعد أن يغوص في تلابيب مفهوم المسيح من خلال دراسة ثيولوجية تعتمد على المقاربات والمقارنات وبعض الاساليب الاجرائية التي وظف خلالها اراء اتباع العقيدة المسيحية من القساوسة وغيرهم لاستجلاء معنى المسيح وتجنب الباحث تطويع بحثه لمضمار الاراء الدينية النابعة من تعاليم الشرائع الدينية واحكامها فيما يتعلق برؤيتها الشرعية لشخصية المسيح عيسى بن مريم عليه السلام الذي ننظر له بوصفه رسول الله ونبيه وهو من اولي العزم حيث ركز على ما هو مشاع عن شخصية المسيح بوصفه ايقونة التسامح والسلام ونافذة روحية لملكوت السماء وقد عمد الكاتب عبر فصوله الخمسين الى تناول وجهات نظر لعقائد دينية غير سماوية كالهندوسية والبوذية محاولا ربط فلسفاتها او ما ترتكز عليه من شخصية محورية بشخصية تناظر شخصية المسيح. ومن خلال لغة الباحث و مضيه في اثبات عناصر الربط بين الشرائع الدينية والاديان برزت تجليات رغبته في اظهار تشابه تلك العقائد الدينية مستشهدا ببعض الامثلة والشخصيات التي تمثل ايقونات دينية لدى الجماعات المؤمنة بها. ولاشك أن شخصية المسيح عيسى بن مريم عليه السلام تحظى بمكانة رفيعة لدى المسلمين وبقية اتباع الشرائع الدينية الكتابية من خلال النصوص الدينية الواردة في القرآن او الكتب الدينية الاخرى.ولكن ما يثير التساؤل في هذه الدراسة أن خطوة الولوج في مقاربات لمفاهيم دينية ضمن فضاء متشعب العقائد والتوجهات والشرائع يعد امرا صعبا ومعقد وذلك لان المرء لا يمكنه تحقيق قناعة راسخة حول شخصية او ظاهرة او حدث تاريخي لدى جميع اتباع الديانات والمعتقدات ولاسيما لدى معتنقي العقائد الدينية غير السماوية لان الطيف الاكبر لا يؤمن بما جاء في الرسالات السماوية. فكيف يمكن ربط مفاهيم لديهم او مقاربتها مع مضامين تلك العقائد السماوية ؟ وبغض النظر عن رغبة المؤلف في اثبات زعمه بأن كافة أبناء المجتمع الانساني يؤمنون بإله واحد ولكن السؤال الاهم كيف يعبر هؤلاء عن فكرة عبادة هذا الاله. وفق اي منهاج او شريعة وهل ثمة تقبل من تلك المجتمعات الانسانية لبعضها البعض؟ واعتقد أن هذه الدراسة المعمقة والتي تناولت كل ما يتعلق بالمسيح ورسالته ومقاربات اخرى مع اديان الى جانب تناوله مفاهيم كالملكوت.الخلاص. التأمل. اليقين. الوجود. وغيرها من تفاصيل دقيقة شكلت مادة لفصول الكتاب ومضمونا لمتنه. ويمكن القول أن السواد الاعظم من اتباع الشرائع والديانات عرفوا المسيح والمسيحية من خلال نصوص كتبهم المقدسة وتأتي هذه الدراسة بوصفها خطوة لكشف التقاب عن فكرة تشابه وجود شخصية المسيح في العقائد الدينية الاخرى واعتقد أن ثمة إقحام لهذه الفكرة. لان كل عقيدة تستند الى مفاهيم وقواعد. وقد لا يعترف اتباع عقائد معينة بفكرة المسيح ورسالته ورسائل انيياء اخرين ولكن ماورد في هذا الكتاب ثمة محاولة لاقناع الناس بأن ما يعتقدونه له اساس واحد. وهي رسالة غير مباشرة من الباحث د. سعد للمجتمع الانساني مفادها انكم جميعا تعبدون الها واحدا وتتنوع مفاهيمكم حيال الممارسات الدينية .
نفحات المسيح الالهية
وحري بنا القول أن الباحث د. سعد تجنب اخضاع طرحه الفكري حيال شخصية المسيح لمنهج فقهي او وجهة نظر شرعية دينية كي لا يصطدم بما هو وارد حيال المسيح في النصوص الدينية وفضل تناوله من وجهة النظر الفلسفية والتاريخية لذلك تنتمي هذه الدراسات الى خانة الدراسات الثيولوجية المعنية بالمعتقد والله والانسان الى جانب اهتمامها بالفلسفات المرتبطة بها دون التركيز على الاحكام الدينية الشرعية لكل ديانة حيال مفاهيم المسيح ورسالته وغيرها من الطروحات. وتجدر الاشارة أن الباحث د. شادي سعد الذي عبر عن شغفه خلال الاحتفاء بصدور الكتاب عبر في البحث بين ثنايا المفاهيم الدينية وتاريخها وقوانينها واثرها في المجتمع البشري ضمن سياقها الزمني الذي ظهرت خلاله لاسيما انه يتبنى فكرة مفادها أن ثمة قاسم مشترك لدى جميع البشر الا وهي فكرة الاله الواحد. وبإعتقادي أن الفكرة جذابة ولكنها تصطدم بقناعات متباينة وجدل متشعب وآراء مختلفة. يذكر انه سبق للمؤلف الباحث د.شادي سعد قد اصدر كتابين ضمن ذات السلسلة من الدراسات المعنية بالمعتقد والله والانسان. والاديان والثقافات الخاصة بالمجتمعات. وما يحسب للدكتور سعد هو توقه النييل في تقليص الهوة بين بني البشر ومحاولة ربطهم بخيوط روحية قائمة على التسامح والسلام والمحبة.
***
استبرق عزاوي - ديترويت