قراءة في كتاب
طه جزاع: منعته الرقابة
بحسب ما ذكره الرسام البارز بسام فرج المقيم في هنغاريا منذ أربعين عاماً حتى وفاته في العشرين من آذار 2021، فإن مساحة رسوماته الصحفية الساخرة كانت تظهر فارغة نهاية الستينيات وعليها عبارة “منعته الرقابة”، وفي السبعينيات كانت تُرسل إلى المطبعة بموافقة رئيس التحرير، مؤكداً أنه امتلك حرية الرسم أكثر من أي وقت مضى منذ عمله في صحيفة المدى عام 2010. جاء ذلك في سياق مقابلة اجراها معه عبر صفحته على الفيسبوك الباحث عدنان سمير دهيرب وهو يعد لكتابه الذي صدر مؤخراً عن دار العالي، متخذاً من رسومات فرج في الصحيفة اختياراً لبحثه الصحفي الذي قدم له الدكتور وليد شاكر النعاس ووصفه بأنه نتاج قلم أكاديمي تمرس البحث العلمي الدقيق.
يقسم دهيرب دراسته إلى محورين يتناول اولهما المعالجة الصحفية الساخرة للفساد، ويحلل فيه سبعة من رسومات فرج الكاريكاتيرية، فيما يتناول الثاني المعالجة الصحفية الساخرة لحرية التعبير والرأي، مثلما عبر عنها الرسام في سبعة كاريكاتيرات أخرى، فيصبح مجموع الرسومات التي شملها الإطار التطبيقي لدراسته أربعة عشر رسماً كاريكاتيرياً أخضعها للفحص والتفسير والتحليل، ليتوصل من خلالها إلى جملة نتائج من أهمها فضح الأساليب المتعددة والملتوية التي يعتمدها الفاسدون، والتحذير من تضخم وتغول وخطورة الفساد المستشري في البلد، والتنبيه إلى خطورة الأساليب القائمة على استغلال القضايا الإنسانية والدعم الدولي لسرقة الأموال، واستمرار الصراع بين حرية الصحافة والتعبير والرأي والسلطة، واعاقة حصول الصحفيين على المعلومات الصادقة، وغياب الشفافية بالخداع والحيل، وتحذير الصحفيين من الدعاوى الكيدية، وضرورة التأني في الكتابة والنشر، وكذلك تراجع حرية الصحافة والتعبير والرأي إثر إلغاء محكمة النشر والإعلام. مؤكداً في النتيجة الأخيرة على أن الرسام بسام فرج قد استخدم كل أشكال وخصائص الكاريكاتير، كي يمنح المتلقي التفاعل مع هذه الإشكالية التي تُعدّ أحد أركان النظام الديمقراطي، ويعني بها على وجه التحديد إشكالية السلطة وحرية الصحافة والرأي والتعبير.
عدا عن العملية التحليلية لرسومات فرج التي أنجزها المؤلف بتأنٍ ودقةٍ وإيجاز، وبراعةٍ تُحسب له، فإن الباحث لم يهمل التأطير النظري لتاريخ الكاريكاتير في الصحافة العراقية، معتمداً على دراسات سابقة أهمها تلك التي أنجزها أستاذ الإعلام الراحل الدكتور حمدان خضر السالم، ومنها “ صحافة السخرية الفكاهية في العراق 1909 – 1939”، و”الكاريكاتير في الصحافة”، فضلاً عن مصادر أخرى مثل “حبزبوز في تاريخ صحافة الهزل والكاريكاتير في العراق” لجميل الجبوري. أما بقية المصادر والمراجع العربية والأجنبية من كتب وصحف ومقالات ومقابلات، فقد غطت مساحة واسعة تتعلق بالفن ورسالة الإعلام، وخصوصية الفن العراقي، وحرية الصحافة، ومزايا رسام الكاريكاتير، وجذور الصورة الفنية في العراق، وخطاب الصورة.
إن كان العراق قد عرف صحافة الهزل والفكاهة منذ الانقلاب العثماني وصدور الدستور عام 1908 الذي وفر حرية نسبية لإصدار ثلاث صحف في كل من ولايات بغداد والبصرة والموصل كما يذكر فائق بطي في موسوعته الصحفية، أو أنه شهد بداية ظهور الرسوم الكاريكاتيرية عام 1923 كما يرى حمدان السالم، فإنه مما لاشك فيه أن تلك الرسوم الساخرة تشكّل “وسيلة تواصل شعبية فاعلة”، وهي شكل من أشكال انتقاد الأوضاع الاجتماعية والسياسية بأسلوب ساخر وهزلي يسعى الفنان من خلاله إلى “ الهروب من قمع السلطات” على رأي نبيل ديجاني في كتابه “إشكاليات في الإعلام العربي” وهو واحد من المصادر التي اعتمدها دهيرب في كتابه من بين أكثر من أربعين مرجعاً ومصدراً عدا الصحف والمقابلات. كتاب عدنان سمير دهيرب يضيف للمكتبة الصحفية الساخرة، ولتاريخ فن الكاريكاتير في العراق، مصدراً معاصراً مهماً تحت عنوان “خطاب الصورة الكاريكاتيرية في الصحافة العراقية”، كما يقدم لطلبة الإعلام والباحثين فيه، تجربة علمية رصينة لكيفية استخدام الأطر التطبيقية في دراساتهم النظرية.
***
د. طه جزاع – كاتب أكاديمي