قراءة في كتاب
معاذ محمد رمضان: جامع الحيدر خانة وأثره في الحركة الوطنية
صدرت الطبعة الثانية من كتاب "جامع الحيدر خانة وأثره في الحركة الوطنية العراقية"1 للدكتور معن فيصل القيسي2، وهو كتاب فريدٌ من نوعه، وقد إختاره القيسي كإطروحة للدكتوراه، ولكن لم تتم الموافقة عليه3.
قَسّم القيسي كتابه لمقدمة وأربع فصول وخاتمة:
الفصل الأول "نشوء ومراحل تطور جامع الحيدر خانة" بثلاثة مباحث: الأول "فكرة التأسيس"، والثاني "المساحة والتصميم والترميمات"، والثالث " أبرز المدرسين والخطباء فيه ومكتبة الجامع وأبرز كتبها".
الفصل الثاني "بغداد والدور الريادي في مقاومة الاحتلال البريطاني البغيض" بثلاث مباحث: الأول "جمعيات الحركة الوطنية العراقية المقاومة للاحتلال في بغداد 1914 ـ 1920"، والثاني "الجامع الثائر والمواقف المناهضة للاحتلال والانتداب البريطاني للعراق 1920 ـ 1932"، والثالث "النشاطات الدينية والاجتماعية والثقافية في جامع الحيدر خانة".
الفصل الثالث "مذكرات القادة البريطانيين والتقارير والوثائق البريطانية ووثائق الحركة الوطنية العراقية" بثلاثة مباحث: الأول "مذكرات القادة البريطانيين وألمس بيل"، والثاني "الوثائق البريطانية"، والثالث "وثائق الحركة الوطنية العراقية".
الفصل الرابع "تراجم الشخصيات الوطنية التي كان لها دور بارز في الأحداث التي جرت في جامع الحيدر خانة" بثلاثة مباحث أيضاً: الأول "الخطباء والشعراء"، والثاني "رجال السياسة"، والثالث "علماء الدين".
لا يمكن للقارىء الجاد أن يطمئن لكتاب خالٍ من الاستشهادات والاحالات، والدكتور القيسي "خبير" بهذا المجال، فكانت مصادره:
1ـ الكتب العربية: عددها 61 كتاباً، منها على سبيل المثال لا الحصر: أمين المميز "بغداد كما عرفتها"، جلال الحنفي "المغنون البغداديون والمقام العراقي"، جعفر الخليلي "هكذا عرفتهم"، دليل الجمهورية العراقية 1960، دليل المملكة العراقية 1936، مذكرات سليمان فيضي، علاء موسى نورس "حكم المماليك في العراق"، عبد الله فياض "الثورة العراقية الكبرى ...
2ـ الكتب المعربة: أربع كتب منها: آرنولد ولسن "الثورة العراقية"، كوتلوف "ثورة العشرين التحررية" ...
3ـ المجلات والصحف: عددها 11، وقد رجع القيسي الى عدد من الصحف القديمة: صدى بابل 1912، العراق 1920، العالم العربي 1930 ...
جامع الحيدر خانة هو أفخم جوامع بغداد بناءً وأتقنها رونقاً وبهاءً، وقد تواترت أقوال المؤرخين الذين عرضوا لتاريخ بناء الجامع على أن الوالي داود باشا المتوفي سنة 1850م هو الذي أسّسه4، وقد شُيدَ بطابوق وجص، ويتصف بناؤه بمتانة وضخامة ظاهرة، ويزيد سُمك جدران بيت الصلاة على المترين، وقد بُنيت بهذه الصورة لتتحمل ثقل القُبة الضخمة التي تغطي بلاط المحراب وتفصل بين أساكيب المصلى5، وكانت قبته من أكبر قباب مساجد العراق السابقة وأجملها من حيث الشكل والتحليات الزخرفية التي تُزينها من الداخل والخارج6.
وأبرز من دَرّس فيه: العلاّمة الشيخ سعيد أفندي السويدي، أبو الهدى البندنيجي7. وأبرز من خطب فيه: العلاّمة الشيخ عبد الفتاح الواعظ، الشيخ عبد العزيز البدري، الشيخ عبد الوهاب الطعمه8.
سَلّط القيسي الضوء على أروع فصل في حياة هذا الجامع، فقد كان جامع الحيدر خانة المركز الرئيسي للاجتماعات التي يعقدها الوطنيون لمقاومة السلطة البريطانية، وقد تم أول اجتماع في أواخر شهر شعبان سنة 1338 للهجرة الموافق 11 آيار 1920م 9، فكان جامع الحيدر خانة بحق مركزاً للوعي في ميزان التحرر والانعتاق يقصده الناس ولو فصلتهم عنه مسافات ليشهدوا زعماءهم السياسيين وهم في عنفوان جهادهم ينشدون الشعر ويُلقون الخطب الحماسية10. وركّز القيسي على التعاون الذي تم بين السُنة والشيعة آنذاك في مظاهرة 19 مايس 1920 11، مُعرّجاً على فتوى محمد تقي الحائري الشيرازي الشهيرة 12.
أما عن الشخصيات التي كان لها دور بارز في أحداث هذا الجامع فهي كثيرة، وقد تَعَرّض لها القيسي، منها على سبيل المثال لا الحصر:
1ـ الخطباء والشعراء13: الدكتور محمد مهدي البصير، معروف عبد الغني الرصافي، عبد الكريم العلاّف، محمود الملاّح.
2ـ رجال السياسية14: جلال بابان، سامي شوكت، سامي خوندة، صادق البصّام، عبد المحسن شلاش، عبد المجيد كَنّه والذي قام البريطانيون بشنقه في فجر 25 أيلول 1920، علي البازركان، جعفر أبو التمن، علي جودة الأيوبي، محمد باقر الشبيبي.
3ـ علماء الدين15: الشيخ أمجد الزهاوي، محمود شكري الآلوسي، السيد محمد الصدر، محمد بهجة الأثري، الشيخ يوسف السويدي.
وفي ختام هذا المقال المتواضع نقول: نحن مع الدكتور عادل البلداوي، فقد استطاع القيسي فعلاً ان يُعيد البريق التاريخي لجامع الحيدر خانة 16، والرائع في القيسي أنه يؤكّد دائماً على الموضوعات "المهمشة" التي لا تحظى باهتمام كبير من قِبَلِ المؤرخين.
***
بقلم: معاذ محمد رمضان
.........................
الحواشي:
1ـ معن فيصل القيسي: جامع الحيدر خانة وأثره في الحركة الوطنية العراقية 1914 ـ 1920 "دراسة تاريخية"، دار ومكتبة البيارق للنشر والتوزيع بغداد ط2 2021
2ـ وُلِدَ الدكتور القيسي في بغداد القديمة 29 آب 1964، أكمل الدراسة الإعدادية في بغداد 1982، دخل الكلية العسكرية في تشرين الأول 1982 ومُنح رتبة ملازم ثان في الجيش العراقي في 14 تموز 1984، وهو خريج كلية الأركان في 12 تموز 1994، وأُحيل الى التقاعد برتبة عقيد ركن بموجب قرار الحاكم المدني الأمريكي بريمر. يُنظر: المصدر السابق ص227
3ـ المصدر السابق ص14 مقدمة الدكتور عادل البلداوي، ومما يجدر ذكره هنا أن أطروحة الدكتور القيسي موجودة في مكتبتنا وهي:
معن فيصل القيسي: وزارة الدفاع العراقية 1920 ـ 1958 "دراسة تاريخية"، مراجعة: الدكتور محمد كامل الربيعي، دار البيارق مطبعة الكتاب بغداد 2020.
4ـ القيسي: جامع الحيدر خانة ص23
5ـ المصدر السابق ص40 و 41
6ـ نفس المصدر والصفحة
7ـ المصدر السابق ص46 و 47
8ـ المصدر السابق ص51 الى 55
9ـ المصدر السابق ص79
10ـ المصدر السابق ص79 و 80
11ـ المصدر السابق ص81
12ـ المصدر السابق ص88 و 89 وقد أكّدَ لنا الدكتور القيسي شخصياً على أهمية هذه الفتوى.
13ـ المصدر السابق ص147 الى 156
14ـ المصدر السابق ص157 الى 172
15ـ المصدر السابق ص173 الى 186
16ـ المصدر السابق ص14