قضايا

شيماء هماوندي: ديكارت وبكاء الكمبيوتر

يدين باحثو الدراسات العلمية والنفسية في مجال الإنفعالات بالفضل للفلسفة ومفاهيمها ونظرياتها، وبالأخص فلاسفة عصر التنوير، فقد كتب كل من ديفد هيوم، وآدم سميث، وتوماس ريد، بإسهاب عن المشاعر والعواطف، وقد إعتقد هؤلاء المفكرون أن الإنفعالات ضرورية لبقاء الفرد والمجتمع، ولم يؤسس "سميث" علم الإقتصاد فحسب، بل ساهم في" تأسيس علم المشاعر" ، أو مايسمى (علم نفس الإنفعالات)، ففي كتابه الأول" نظرية المشاعر الأخلاقية"، المنشور في عام 1759م، ذهب "سميث" الى أن الإنفعالات هي الخيوط التي تشكل نسيج المجتمع، وقد إعتبر هؤلاء الفلاسفة أمثال: (ديفد هيوم، وتوماس ريد، وآدم سميث) أن إختبار العواطف هو أمر عقلاني، وأن أي علم يدرس العقل لايكتمل دون أن يبحث في المشاعر أيضاً، على الرغم من إعتقادٍ قديمٍ عند بعض الفلاسفة والمفكرين أن الإنفعالات في جوهرها متعارضة مع المنطق ، إلا أن الإهتمام العلمي بالإنفعالات عاد من جديد في تسعينيات القرن العشرين، وظهر الرأي القائل بعدم تعارض الإنفعالات في جوهرها مع العقل، وأنها حليف العقل وليس عدواً له، حيث أن (الفعل الذكي) هو نتاج مزيجٍ متناغمٍ من الإنفعالات والعقل، وأن إنساناً بلا إنفعالات سيكون أقل عقلانيةً وليس العكس، وعلى الرغم من ذلك فإن هنالك أوقات ومواقف معينة يُستحسن فيها الإستماع الى إملاءات العقل بدلاً من القلب، فمعرفة متى نتبع مشاعرنا ومتى نتجاهلها هي موهبة يُطلق عليها في عصرنا إسم (الذكاء الإنفعالي).

ديكارت وبكاء الكمبيوتر

إن أحدث التخصصات التي إستخدمت المفاهيم الفلسفية وبالأخص مفهوم (الإنفعال) هو الذكاء الإصطناعي، فمنذ أوائل تسعينيات القرن الماضي، إزداد إهتمام علماء الكمبيوتر ببناء آلات إنفعالية، وأحرز العاملون في مجال الروبوتات بالفعل تقدمات ملموسة في هذا المجال، وتُجرى الآن الأبحاث الأكثر إثارة حول الإنفعالات من قبل الباحثين وعلماء الكمبيوتر، وليس الفلاسفة، أو علماء النفس، أو الإنثروبولوجيا، حيث يسعى المجال الجديد المعروف بإسم (الحوسبة الوجدانية) أو مايطلق عليه حالياً إسم (الذكاء الإصطناعي الإنفعالي)، الى بناء أنظمة وأجهزة قادرة على التعرف على الإنفعالات البشرية، ومحاكاتها، بل تنبأ بعض الباحثين بأن الآلات قد يصبح لها إنفعالاتها الخاصة، في يوم من الأيام، حيث وجد الباحثون أنه يمكن توظيف أجهزة الكومبيوتر وجعلها قادرة على التعرف على الإنفعالات البشرية، والإستفادة من هذه التقنية في أغراض متنوعة،حيث أصبحت هذه التقنيات قادرة على إستخلاص معلومات إنفعالية من معطيات بشرية مختلفة، مثل الصوت، وتعابير الوجه، والملامح، والبيانات الفسيولوجية، حيث يتم تصنيف الإنفعالات تحت مسمى محدد مثل: الغضب والخوف ، أو الحزن، والسعادة، على سبيل المثال، مما يتيح للأجهزة الذكية مراقبة وتحليل العلامات الحيوية، وتكوين فكرة عن المعلومات الإنفعالية للإنسان، ومن ثم محاكاتها، ودمجها مع الذكاء الإصطناعي، ويتم دمج كل ذلك داخل نظام إحداثي (ديكارتي )، يعتمد في الأساس على النظرية الديكارتية التي يتبناها ديكارت في تصنيف الإنفعالات.

إن المفهوم الديكارتي لتصنيف الإنفعالات يعود الى الفيلسوف الفرنسي (رينيه ديكارت)، ونظريته حول الإنفعالات التي كان (يفصل فيها بين العقل والجسد)، ويعتقد ديكارت ان العقل هو المكان الذي توجد فيه هذه الأفكار والإنفعالات، ولقد إستفاد علماء وباحثوا الذكاء الإصطناعي من المفهوم الديكارتي حول الإنفعالات، وقاموا بناءاً على ذلك بتصميم إنفعالات الكمبيوتر، والروبوتات، والذكاء الإصطناعي.

 ونظراً لسرعة تطور الأبحاث في هذا المجال، فإن السؤال الذي يفرض نفسه بقوة في عصرنا هو: هل ستنجح التكنولوجيا في بناء روبوتات تمتلك مشاعر مثلنا تماماً؟ وماهي العواقب الأخلاقية المحتملة لمثل هذه التكنولوجيا؟ ومما لاشك فيه أن دراسة الإنفعالات من منظور (فلسفي- نفسي، وعلمي) هو أمر ضروري في خضم التطور التكنولوجي الكبير والسريع، ولكن كل مانتمناه هو أن يتم توظيف هذا التقدم والتطور العلمي لخدمة الإنسان، وأن تكون التكنولوجيا سببا في سعادته وليس تعاسته.

***

شيماء هماوندي

الإختصاص\ الفلسفة والعلاج الفلسفي

أربيل/ جامعة صلاح الدين/كلية الآداب /قسم الفلسفة

في المثقف اليوم