قضايا
منى الصالح: مرض يغتالنا اسمه الخوف
في محفل ثقافي أشتد النقاش حول فكر شخصية مثيرة للجدل مابين مدافع ومعارض، كان النقاش كالحجر الصغيرة التي تحرك بحيرة عملاقة راكدة.
وفي نهايته المثيرة جاء سؤال خجول، رغم أننا كنا نقرأه في العيون (ماهو سبب طرح واثارة واختيار مثل هالشخصيات!؟ ولماذا اتعرف عليها، مادامي لا أتبنى هذه الأفكار ولا أؤيدها).
توقفت عنده كثيرا.. لماذا نخاف الخروج من الدائرة التي رسمناها أو رسمت لنا؟!، لم نتهيب صعود جبل؟!، وممارسة هواية جديدة ؟!، يرعبنا الاقتراب من الخطوط الحمراء وهي معتقداتنا وأفكارنا وما نؤمن به رغم أننا توارثناها دون بحث ودراسة، عاداتنا وتقاليدنا دوما نردد حين يحاول أحد أن يحرك الجامد منها (لماذا تريدون منا التخلي عنها، ما لضرر فيها، وهل كل جديد مفيد، ولم لا يكون وراءها من يحاول استلاب هويتنا).
لم دوما علينا طاعة ما نؤمر بدون أن يحق لنا التساؤل ما الهدف، ماوراء هذه الفكرة أو تلك العادة.
هل لأننا نخاف الرفض والنبذ خارج القطيع، أم كما يقول نيتشه أن هناك حاجة فطرية للخضوع لدى كل واحد منا، أفعل هذا دون نقاش وكما أشار لها فؤاد زكريا بإحدى مقالاته مرض عربي اسمه الطاعة، قد يكون وراء الحروب والنزاعات على مستوى كبير، وقد يكون هو وراء حالة العبودية وسي السيد وهي تتحمل ألوان من العذاب وتقاسي الأمرين وتأبى الإ الطاعة تحت العديد من المبررات، وما يحدث في أصغر شركة حين يستعبد المدير موظفيه، بل يمكن أن نراها بين طبيب ومريض ومعلم وطالب ..
هل هو حقا مرض عربي، أم حالة ثقافية يمكن أن تستشري في أي مجتمع ووراءها بعد نفسي عميق.
الخوف كما يذكر أنه أقوى المشاعر المحركة والمحبطة للإنسان .فهل يعقل أن يقتل فينا القدرة على التفكير والفعل ويشلنا ويختال كل قدراتنا بالنمو والتغير والتطور؟!
(يشرح كيركغارد أن الخوف والقلق يظهران عندما نواجه الإمكانية المطلقة للاختيار، فنرتعب من اتساع الحرية نفسها، فنهرب من الفعل ونتجمد).
فنحن نخاف الحرية التي هي مناط وجودنا ولم نخاف الحرية؟!
الحرية التي تعيدنا إلى ساحة طفولتنا حيث الأسئلة المحرمة، والسؤال يتبعه ألف سؤال، الدهشة التي تعطي للحياة ألف معنى، هل كنا أحرار لأن الخوف لم يتمكن منا بعد ؟!، وكبرنا وكبر السؤال وبدأنا نرى الخوف في أعين والدينا، نسأل ونتراجع حيث نقابل بألف أعتراض ولا، يأخذنا الحماس حيث يتوهج الفكر ثم ننزوي، نتقوقع على أنفسنا، نخفي الفكرة أو السؤال في أعمق كهف حفاظا على نظرة الأهل ومن ثم الأصدقاء، ثم الدائرة الأكبر، فيزحف الخوف كثعبان يخطف منا اللحظة الحرة، والفكرة الحرة، ودهشة البدايات ..
ويشير جان بول سارتر إلى جانب هام «الخوف ليس من الموقف، بل من أنفسنا ونحن نكتشف قدرتنا على الفعل فيه.»
يرى سارتر أن الخوف هو إدراكنا لمسؤوليتنا الوجودية، لذلك نشلّ أنفسنا لأن الحركة تعني أن نتحمل تبعات وجودنا بالكامل
إما مارتن هايدغر فيقول:
«الخوف يكشف لنا أن العالم لم يعد مألوفًا، وأننا نحن أنفسنا صرنا غريبين فيه.»
عنده الخوف ليس عدوًا فقط، بل لحظة وعي مرعب تكشف هشاشتنا في الوجود، مما يجعل بعض الناس يتوقفون عن التفكير أو المبادرة هربًا من تلك المواجهة.
إذن كم فينا من هشاشة وضعف بحيث لا نقوى على قراءة أو التعرف على شخصية تخالفنا بالرأي، تتسم بالحرية التي قد تعري جوانبنا المظلمة فنهرب من أنفسنا حين نهرب منها.
وهذا ما أكده عالم النفس فرويد:
«الخوف هو الطاقة التي نحاول كبتها حتى لا نرى حقيقتنا الداخلية.»
يرى فرويد أن الخوف يربطنا باللاوعي المكبوت، فإذا اشتدّ، يعيدنا إلى مرحلة الطفولة النفسية حيث نتجمد بدل أن نواجه.
حتى الركون لمربع الراحة مع أننا نرفضه، ونستاء منه، الروتين القاتل، الذي يسلب طعم الحياة،
كثير من القرارات التي نتخذها، كثير من الأسئلة التي نخنقها قبل أن تولد، الحصار الذي نحيط به من نحب، فنختال مواهبهم، إبداعهم، نشل حياتنا وحياتهم، بل نحن نختال لحظات الفرح، والسعادة.
الخوف في جوهره ليس مجرد انفعال، بل اختبار لحدود وعينا (لأننا نحتاجه بمقداره الطبيعي، فالحياة بلا خوف لا طعم لها). وحين يتضخم، يغتال القدرة على الاختيار، فيتحول من وسيلة بقاء إلى قيد داخلي يشبه الموت المؤجل.
***
منى الصالح






