قضايا
محمد الربيعي: كنز العراق الضائع
في مختبرات ارقى الجامعات العالمية، وفي مراكز الابحاث التكنولوجية والطبية المتطورة، تقف عقول عراقية عظيمة وراء بعض من اعظم الانجازات العلمية في عصرنا. انهم رجال ونساء حملوا معهم ارث بلد كان يوما منارة للعلم والمعرفة، ليصبحوا سفراء حقيقيين للعراق، ليس بالكلام، بل بالابداع والابتكار. لكن وراء هذه القصص الناجحة، تكمن ماساة مريرة: ماساة التهميش والاهمال من الداخل، واهمال مواهب كان من الممكن ان تنتشل البلاد من واقعها الصعب.
هؤلاء العلماء، الذين يشكلون ثروة وطنية حقيقية، يبدو انهم تحولوا الى "صادرات فكرية" يستفيد منها العالم المتقدم، بينما ترفض الجهات المعنية في بلدهم الام حتى الاصغاء اليهم. انه سيناريو مأساوي يتكرر يوميا: عقل عراقي يخترق المستحيل في الغرب، بينما ترمى ابحاثه ومشاريعه ومقترحاته التي يقدمها للجهات المختصة في العراق في "سلال المهملات"، ليس بسبب عدم جدواها، بل بسبب البيروقراطية القاتلة، والفساد، او ببساطة بسبب غياب الرؤية.
من هؤلاء الافذاذ؟ اسماء تضيء ساحات العلم العالمية
لنذكر بعض الاسماء التي اشرت اليها، بالطبع ليس حصرا، ولكن للتدليل على حجم الكنز المهدر من علماء لهم دور مهم بداخل العراق واسماءهم محفورة في سجل شبكة العلماء العراقيين في الخارج "نيسا" Members – Network of Iraqi Scientists Abroad (NISA) اذكر منهم، حكمت جميل: رائد الطب المهني والبيئة في جامعة ولاية ميشغان وحامد الرويشدي: البروفسور في هندسة الاتصالات في جامعة برونيل وجميل الخليلي: بروفسور الفيزياء في جامعة سري والمبشر لاعلام "اشراك الجمهور في العلوم" ومثنى الدهان: البروفسور في الهندسة الكيميائية والنووية في جامعة ميزوري للعلوم والتكنولوجيا ورياض المهيدي: البروفسور في الهندسة الانشائية في جامعة سوينبورن الاسترالية ورمزي محمود : البروفسور في الهندسة البيئية وادارة المياه في جامعة كاليفورنيا وعباس علي: البروفسور في الادارة في جامعة انديانا وحيدر الشكري: البروفسور في الجيوفيزياء والزلازل في جامعة اركنساس وكاظم اللامي: مكتشف الشبكية القلبية "Arteriozobe" وصباح جاسم: البروفسور في الرياضيات والحوسبة في جامعة باكينغهام وخضر وني حلو: البروفسور في التنوع البيولوجي النباتي في جامعة ولاية فرجينيا وعادل شريف: بروفسور هندسة المياه في جامعة سري ولؤي محمد: البروفسور في الهندسة البيئية والمدنية في جامعة ولاية لويزيانا ونوفل الظاهر: البروفسور في الهندسة الكهربائية في جامعة تكساس وسندس البدري: بروفسورة طب وجراحة اسنان الاطفال في جامعة ليفربول وبشير الهاشمي: بروفسور هندسة الحاسوب في جامعة لندن وضياء الجميلي: بروفسور الذكاء الاصطناعي في جامعة ليفربول جون مورز ورافد الخضار: بروفسور المياه في جامعة ليفربول جون مورز وحسين الريزو: بروفسور هندسة الانظمة في جامعة اركنساس ومصطفى الشاوي: بروفسور الادارة في جامعة سالفورد ومحمد الشيخلي: بروفسور العلوم النووية والاشعاع في جامعة مريلاند ومحمد الازري: بروفسور الطب النفسي في جامعة ليستر وحسين بهية: بروفسور هندسة المواد في جامعة وسكانسون وعبير حسين: بروفسورة علوم الحاسوب في جامعة ليفربول جون مورز ومنيرة كاظم: بروفسورة بيولوجية الاشعة في جامعة اوكسفورد بروكس واحسان اللامي: بروفسور الحاسوب والذكاء الاصطناعي في جامعة باكينغهام واسامة كريم: بروفسور الهندسة المدنية والبناء في جامعة تونته وحنان مهدي: بروفسورة الجيولوجي في جامعة اركنساس وعباس مهدي: بروفسور الادارة والمصادر البشرية في جامعة سانت كلاود وصباح مشتت: بروفسور هندسة العمارة في جامعة وليفرهامبتن وكمال رشيد: بروفسور العلوم البيوصيدلانية في كلية البيني للصيدلة والعلوم الصحية وفراس رسول: بروفسور الهندسة البيولوجية في جامعة كوينزلاند وحيدر رضا: بروفسور الهندسة الكهربائية والحوسبة في جامعة ولاية ميشيغان وسلوى السام: بروفسورة علوم الاحياء الدقيقة في جامعة اسيكس.
هؤلاء مجرد امثلة على "كنز العقول" العراقية التي لا تقدر بثمن. كل واحد منهم يمثل جامعة متكاملة، ومركز ابحاث، وحلما لمشروع وطني يمكن ان يغير واقعا.
لماذا هذا الاهمال؟ سؤال يبحث عن اجابة.
التساؤل الذي يفرض نفسه بقوة: لماذا يحدث كل هذا؟ لماذا ترفض الدولة استقبال هذه الكفاءات والاستفادة منها؟
قد يكون الفساد الاداري والبيروقراطية وغياب الرؤية الاستراتيجية والانشغال بالصراعات السياسية وقد يكون استقدام كفاءات خارجية محايدة ومستقلة بمثابة صدمة للنظام القائم، الذي يقاوم اي تغيير قد يقلب موازين القوى. قد تكون كل هذه العوامل اسباب للاهمال.
الحديث عن هؤلاء العلماء ليس للتباكي على الماضي، بل هو دعوة للعمل. هؤلاء ليسوا مجرد مهاجرين غادروا البلاد، بل هم ضحايا لظروف قاسية، وكل منهم يحمل في قلبه حبا عميقا للعراق وشوقا حقيقيا للاسهام في بنائه. كثيرون منهم حاولوا مرارا وتكرارا، ولكنهم اصطدموا بجدار من اللامبالاة.
ان الاستفادة من هذه الكفاءات لا تحتاج الى ميزانيات ضخمة، بل تحتاج الى:
- ارادة سياسية حقيقية تضع ملف العلماء في الخارج على رأس اولوياتها.
- انشاء هيئة او مجلس وطني خاص برئاسة شخصية وطنية مرموقة، للتواصل المباشر مع العلماء العراقيين في الخارج وتسهيل عودتهم او مشاركتهم عن بعد.
- شراكات استراتيجية بين الجامعات العراقية ونظرائها العالمية التي يعمل فيها هؤلاء العلماء.
- برامج زمالة واشراف لطلبة الدراسات العليا العراقيين تحت اشراف هذه الكفاءات.
- تسهيل الاجراءات وتقديم التقدير المعنوي والمادي اللائق.
العراق امام فرصة تاريخية. انه يمتلك ثروة بشرية هي الاغلى في العالم، ثروة قادرة على صنع المعجزات. كل ما هو مطلوب هو ان نمد ايدينا بصدق واخلاص لهؤلاء الافذاذ، ونقول لهم: نريدكم، بلدكم يحتاجكم. ان الاوان لوقف نزيف العقول، واستعادة بعض من نور كانا يوما نبراسا للحضارة الانسانية.
***
ا. د. محمد الربيعي






