قضايا
زهير الخويلدي: معايير منح جائزة نوبل

في العلوم والاقتصاد والطب والآداب والسلام.. بين التشريف السياسي والاستحقاق الأكاديمي
"إن أعظم سر للنجاح هو تحديد هدف وعدم الابتعاد عنه أبدًا"
مقدمة: تُعتبر جائزة نوبل واحدة من أرفع الجوائز العالمية التي تُمنح في مجالات العلوم (الفيزياء، الكيمياء، الطب)، والاقتصاد، والأدب، والسلام. أسسها ألفريد نوبل عام 1895، وتُمنح سنويًا منذ عام 1901 (باستثناء جائزة الاقتصاد التي بدأت عام 1969) بناءً على وصيته التي أكدت على تكريم "الذين قدموا أعظم إسهامات للبشرية". ومع ذلك، أثارت عملية اختيار الفائزين جدلًا واسعًا حول ما إذا كانت المعايير تعكس استحقاقًا أكاديميًا خالصًا أم تخضع لاعتبارات سياسية واجتماعية. تهدف هذه الدراسة إلى تحليل معايير منح جائزة نوبل في المجالات المختلفة، مع التركيز على التوازن بين التشريف السياسي والاستحقاق الأكاديمي، واستكشاف التحديات التي تواجه هذه العملية. فماهي معايير اسناد جائزة نوبل؟ ولماذا لم يحصل عليها من يستحقها؟ وهل هناك تحيزات ايديولوجية وثقافية ومجاملات سياسية وفئوية؟
خلفية تاريخية ومعايير جائزة نوبل
وفقًا لوثيقة ألفريد نوبل، يجب أن تُمنح الجوائز للأفراد أو المؤسسات الذين قدموا إسهامات بارزة في مجالاتهم. المعايير الأساسية لكل جائزة هي:
الفيزياء والكيمياء: اكتشافات أو اختراعات علمية ذات تأثير كبير على المعرفة أو التطبيقات العملية.
الطب أو علم وظائف الأعضاء: إسهامات تعزز فهمنا للجسم البشري أو تقدم حلولًا طبية مبتكرة.
الأدب: أعمال أدبية متميزة ذات قيمة فنية وتأثير إنساني عميق.
السلام: جهود لتعزيز السلام العالمي، تقليل النزاعات، أو تعزيز التعاون الدولي.
الاقتصاد: إسهامات نظرية أو تطبيقية في العلوم الاقتصادية (أُضيفت هذه الجائزة لاحقًا برعاية بنك السويد).
على الرغم من وضوح هذه المعايير، فإن تطبيقها يثير تساؤلات حول مدى موضوعيتها، خاصة مع وجود لجان تقييم مختلفة لكل فئة (الأكاديمية السويدية للأدب، الأكاديمية الملكية للعلوم للفيزياء والكيمياء، معهد كارولينسكا للطب، ولجنة نوبل النرويجية للسلام)
الاستحقاق الأكاديمي: المعيار الأساسي
في مجالات العلوم (الفيزياء، الكيمياء، الطب) والاقتصاد، تُعتبر الجوائز غالبًا معيارًا للتميز الأكاديمي. على سبيل المثال:
في الفيزياء، حصل ألبرت أينشتاين (1921) على الجائزة عن تفسيره للتأثير الكهروضوئي، وهو إسهام أكاديمي أحدث ثورة في فهمنا للضوء.
في الطب، حصل العالمان جيمس واتسون وفرانسيس كريك (1962) على الجائزة لاكتشاف بنية الحمض النووي (DNA)، مما مهد الطريق لتطورات طبية هائلة.
في الاقتصاد، حصل بول كروغمان (2008) على الجائزة عن تحليله لأنماط التجارة العالمية، وهو عمل نظري ذو أثر كبير.
هذه الأمثلة تُظهر أن الاستحقاق الأكاديمي يعتمد على معايير مثل:
الأصالة: تقديم اكتشاف أو نظرية جديدة.
التأثير: التأثير العملي أو النظري على المجال.
التكرار والتحقق: القدرة على التحقق من الإسهامات من خلال التجارب أو التطبيقات.
ومع ذلك، حتى في هذه المجالات، يمكن أن تؤثر عوامل مثل الانحياز المؤسساتي أو الجغرافي على عملية الاختيار. على سبيل المثال، تشير إحصاءات نوبل إلى أن غالبية الفائزين في العلوم ينتمون إلى دول غربية، مما يثير تساؤلات حول إغفال إسهامات من مناطق أخرى.
التشريف السياسي: السلام والأدب
في مجالي السلام والأدب، تظهر الاعتبارات السياسية بشكل أوضح
جائزة نوبل للسلام
تُمنح هذه الجائزة من قبل لجنة نوبل النرويجية، وغالبًا ما تُثير قراراتها جدلًا بسبب تأثرها بالسياقات السياسية. على سبيل المثال:
حصل ياسر عرفات، إسحاق رابين، وشيمون بيريز (1994) على الجائزة عن اتفاقيات أوسلو، رغم استمرار الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي.
منح باراك أوباما (2009) الجائزة بعد أشهر قليلة من توليه الرئاسة، بناءً على "رؤيته" للسلام بدلاً من إنجازات ملموسة، مما أثار انتقادات واسعة.
هذه القرارات تشير إلى أن الجائزة قد تُستخدم كأداة لدعم أجندات سياسية، مثل تعزيز عمليات السلام أو الترويج لقيم معينة. ومع ذلك، هناك أمثلة أخرى تعكس استحقاقًا واضحًا، مثل منح الجائزة لمالالا يوسفزاي (2014) عن نضالها من أجل تعليم الفتيات.
جائزة نوبل للأدب
تُمنح هذه الجائزة من قبل الأكاديمية السويدية، وتُثار حولها تساؤلات بشأن تأثير الاعتبارات السياسية والثقافية. على سبيل المثال: حصل بوريس باسترناك (1958) على الجائزة عن روايته "دكتور زيفاغو"، لكن الجائزة اعتُبرت بمثابة رسالة سياسية ضد الاتحاد السوفيتي.
منح بوب ديلان (2016) الجائزة أثار جدلًا حول ما إذا كانت الأغاني تُعتبر "أدبًا" بالمعنى التقليدي، مما يشير إلى تأثير الثقافة الشعبية.
تشير هذه الحالات إلى أن معايير الأدب قد تتجاوز الجودة الفنية لتشمل التأثير الثقافي أو السياسي.
في المقابل، تواجه عملية منح جائزة نوبل عدة تحديات:
الانحياز الجغرافي والثقافي: غالبية الفائزين ينتمون إلى الولايات المتحدة وأوروبا، مما يثير تساؤلات حول عدالة التمثيل العالمي.
التأثير السياسي: خاصة في جوائز السلام والأدب، حيث تُستخدم الجائزة أحيانًا لدعم قضايا سياسية أو إرسال رسائل دبلوماسية.
التقييم الذاتي: تعتمد عملية الاختيار على قرارات لجان بشرية، مما يجعلها عرضة للتحيزات الشخصية أو المؤسساتية.
التأخر الزمني: في العلوم، قد يستغرق الاعتراف بالاكتشافات عقودًا، مما يؤدي إلى استبعاد بعض العلماء الذين توفوا قبل التقييم.
التنوع: نقص التنوع الجنسي والعرقي بين الفائزين، حيث تشير الإحصاءات إلى أن أقل من 6% من الفائزين هم من النساء.
التوازن بين التشريف السياسي والاستحقاق الأكاديمي
يُظهر تحليل معايير نوبل أن هناك توازنًا دقيقًا بين التشريف السياسي والاستحقاق الأكاديمي:
في العلوم والاقتصاد، تظل المعايير الأكاديمية مهيمنة، لكن الانحيازات المؤسساتية قد تؤثر على اختيار الفائزين.
في الأدب والسلام، تتداخل الاعتبارات السياسية والثقافية بشكل واضح، حيث تُستخدم الجائزة لتعزيز قيم معينة أو دعم قضايا عالمية.
تُظهر بعض الحالات، مثل منح الجائزة لمنظمات مثل الصليب الأحمر أو برنامج الغذاء العالمي، محاولة لتجنب الانحياز الفردي والتركيز على إسهامات جماعية.
خاتمة
"الفشل أساس النجاح، فهو أيضًا مصدر إلهام، إذ يُنظر إليه غالبًا على أنه حجر الأساس"
تظل جائزة نوبل رمزًا للتميز العالمي، لكن معايير منحها تعكس توازنًا معقدًا بين الاستحقاق الأكاديمي والتأثيرات السياسية والاجتماعية. في العلوم والاقتصاد، تُعتبر الجائزة معيارًا للإنجاز الأكاديمي، بينما تتأثر جوائز الأدب والسلام بسياقات أوسع. لتعزيز مصداقية الجائزة، ينبغي للجان التقييم معالجة الانحيازات الجغرافية والثقافية، وضمان شفافية أكبر في عملية الاختيار. في النهاية، تظل جائزة نوبل انعكاسًا للقيم الإنسانية والعلمية في عصرها، مع تحديات مستمرة لتحقيق العدالة والموضوعية. فهل اصابت لجان التقييم عند عزوفها عن منح جائزة نوبل السلام للرئيس الأمريكي دونالد ترامب؟ ولماذا يتم منحها للموالين للكيان الصهيوني وحجبها عن المبدعين الداعمين للمقاومة الفلسطينية والعربية والأممية؟
***
د. زهير الخويلدي - كاتب فلسفي