قضايا
زهير الخويلدي: فلسفة الطوفان بين تصويب بوصلة الطريق

نحو تدشين التحرر الوطني واستكمال الاسترجاع الحضاري للأمة المضطهدة
مقدمة: في سياق القطيعة الكارثية التي أحدثها طوفان الأقصى، التي تتميز بالتحديات العسكرية، الاقتصادية، البيئية، الاجتماعية، السياسية والثقافية، تظهر فلسفة المقاومة والالتزام بالثورة والتغيير كأداة حاسمة لإعادة صياغة الوعي الإنساني والوطني والعالمي. يُشير مصطلح "طوفان الفلسفة" إلى التدفق الغزير للأفكار الفلسفية الجذرية التي تهدف إلى نقد الهيمنة العالمية وإعادة بناء الهوية الحضارية، بينما تعبر "فلسفة الطوفان" عن مقاربة فلسفية استردادية تتناول الأزمات السياسية الكبرى كفرصة للتجديد والتحرر. في سياق الأمم المضطهدة، التي عانت من الاستعمار والاستيطان والاستغلال، تصبح الفلسفة الانسانية التقدمية أداة لتصويب بوصلة الطريق نحو التحرر الوطني واسترجاع الهوية الحضارية. تستلهم هذه الدراسة أفكار يوسف كرم حول العقل والوجود، مع ربطها بسياق ما بعد الاستعمار وتحديات القطيعة الكارثية، لتحليل كيف يمكن للفلسفة أن تُسهم في تحرير الأمة المضطهدة واسترجاع دورها الحضاري.
طوفان الفلسفة وفلسفة الطوفان
يُمثل "طوفان الفلسفة" تدفق الأفكار الفلسفية التي تحمل إمكانية التغيير الجذري، مستلهمة من مفهوم العقل عند الفلاسفة الوجوديين، الذين يرون أن العقل أداة لإدراك الوجود وتجاوز الطبيعة إلى ما بعدها. أما "فلسفة الطوفان" فهي مقاربة ميتافيزيقية تستلهم من الأزمات الكبرى، مثل القطيعة الكارثية، لإعادة صياغة الوضع البشري . في سياق الأمم المضطهدة، تتجسد هذه الفلسفة في نقد الهيمنة الاستعمارية والعولمة، كما وصفها إدوارد سعيد (1978) في تحليله للاستشراق، وفي السعي نحو استرجاع الهوية الحضارية. يتطلب التحرر الوطني والاسترجاع الحضاري تصويب بوصلة التفكير الفلسفي نحو العدالة والاستقلال.
طوفان الفلسفة: إعادة صياغة الوعي الوطني
نقد الهيمنة العالمية:
يُشكل طوفان الفلسفة أداة لنقد الهيمنة الثقافية والاقتصادية التي فرضتها العولمة الاستعمارية. يرى سعيد أن المعرفة الاستشراقية شكلت أداة للهيمنة على الأمم المضطهدة، مما يستدعي فلسفة نقدية لتفكيك هذه السرديات. يمكن للفلسفة أن تُعيد صياغة الوعي الوطني من خلال تعزيز التفكير النقدي.
العقل كأداة تحرر:
يُعتبر العقل أداة أساسية لإدراك الوجود وتجاوز العروض الحسية إلى المعاني المجردة. في سياق الأمم المضطهدة، يمكن للعقل أن يُساهم في نقد الروايات الاستعمارية وبناء هوية وطنية مستقلة.
التفكير متعدد التخصصات:
يتطلب طوفان الفلسفة دمج الفلسفة مع العلوم الإنسانية، كما في دراسات ما بعد الاستعمار، لفهم تأثير العولمة على الهوية الحضارية. هذا التمازج يعزز القدرة على تصويب بوصلة التفكير نحو التحرر.
فلسفة الطوفان: الأزمات كفرصة للتجديد
القطيعة الكارثية كمحفز:
تُشكل القطيعة الكارثية، بما فيها من أزمات بيئية واجتماعية، فرصة لإعادة التفكير في الوضع البشري. يرى فريتيوف كابرا (1996) أن الأزمات البيئية تتطلب نهجًا شموليًا يدمج الفلسفة مع العلوم لفهم الأنظمة المعقدة. فلسفة الطوفان تستلهم من هذه الأزمات لتجديد الهوية الحضارية.
التحرر الوطني:
تُقدم فلسفة الطوفان إطارًا للتحرر الوطني من خلال إعادة صياغة الرؤية للعالم. يشير فرانز فانون (1961) في معذبو الأرض إلى أن التحرر الوطني يتطلب تحرير الوعي من الهيمنة الاستعمارية، وهو ما يمكن تحقيقه من خلال الفلسفة النقدية.
الاسترجاع الحضاري:
يتطلب استرجاع الهوية الحضارية إعادة بناء المعرفة المحلية التي هُمّشت بفعل الاستعمار. يمكن لفلسفة الطوفان، باستلهام من كرم، أن تُعيد الاعتبار للعقل العربي الإسلامي كأداة للنهضة.
دور الفيلسوف في تصويب بوصلة الطريق
كما ذكرت في تعليقاتك السابقة، فإن دور الفيلسوف لا يقتصر على إشهار المعرفة، بل يمتد إلى التعريف بأنماط إنتاجها، وهو ما ينسجم مع طوفان الفلسفة وفلسفة الطوفان.
تعزيز التفكير النقدي:
يمكن للفيلسوف تعليم طلاب الحقيقة كيفية نقد الروايات المهيمنة، مستلهمًا من فوكو (1980)، الذي يربط المعرفة بالسلطة.
التعليم الفلسفي الملتزم:
يُساهم دمج فلسفة كرم في المناهج في تعزيز وضوح الرؤية، كما ذكرت في تعليقك حول "التدرب على وضوح الرؤية وسط التباس العالم"، مما يساعد في بناء هوية وطنية مستقلة.
التعليم متعدد التخصصات:
يمكن للمربي دمج الفلسفة مع العلوم الإنسانية لفهم تأثير العولمة على الأمم المضطهدة.
استخدام التكنولوجيا:
يمكن استخدام منصات مثل X لنشر أفكار فلسفية نقدية تشجع على التحرر الوطني واسترجاع الهوية الحضارية.
تحديات تصويب بوصلة الطريق
الهيمنة الثقافية:
تُعيق الروايات الاستعمارية استرجاع الهوية الحضارية.
التفاوت في التعليم:
يعاني العديد من الأفراد في الأمم المضطهدة من محدودية الوصول إلى التعليم النقدي.
التحديات التكنولوجية:
قد تُعزز التكنولوجيا الروايات المهيمنة بدلاً من نقدها.
الحلول المقترحة:
تطوير مناهج تعليمية تركز على نقد الهيمنة.
زيادة الاستثمار في التعليم في الأمم المضطهدة.
استخدام التكنولوجيا بشكل نقدي لتعزيز الوعي الوطني.
توصيات لتدشين التحرر الوطني واسترجاع الهوية الحضارية
دمج الفلسفة النقدية: إدخال أعمال كرم وسعيد في المناهج التعليمية لتعزيز التفكير النقدي.
التعليم متعدد التخصصات: ربط الفلسفة بدراسات ما بعد الاستعمار لفهم تأثير العولمة.
تعزيز الحوار العام: تنظيم منتديات فلسفية لمناقشة التحرر الوطني.
استخدام التكنولوجيا: تطوير منصات رقمية تنشر أفكارًا فلسفية تدعم استرجاع الهوية الحضارية.
إعادة إحياء التراث: التركيز على التراث الفلسفي العربي الإسلامي كأساس للنهوض الاجتماعي.
خاتمة
إن طوفان الفلسفة وفلسفة الطوفان يُشكلان إطارًا قويًا لتصويب بوصلة الطريق نحو التحرر الوطني واسترجاع الهوية الحضارية للأمة المضطهدة. من خلال دمج العقلانية الفلسفية الملتزمة، مع نقد الهيمنة العالمية، يمكن للفلسفة أن تُسهم في إعادة صياغة الوعي الوطني وبناء مستقبل مستدام وعادل. في زمن القطيعة الكارثية، تظل الفلسفة أداة لتحرير العقل العربي والوجود الإسلامي والضمير الانساني التقدمي. فكيف يمكن ان تستكمل فلسفة الطوفان عملية طوفان الأقصى البطولية على مستوى العقل والارادة وفي سياق النظر والفعل؟
***
د. زهير الخويلدي - كاتب فلسفي