قضايا
بتول فاروق: المدونة الجعفرية حين تكون نتاجا لفقه فردي ويراد تطبيقها في دولة

مادام قد أُخذ رأي واحد من بين اجتهادات متعددة في كل مسألة فقهية، وجُمع في مدونة، ليُفرض لاحقًا كقانون على جميع أتباع المذهب الجعفري،
- في مخالفة صريحة لأبجديات الفقه الإمامي - وجعلوه قانونا لجميع الجعفرية، كان المفترض، مادام والأمر كذلك، أن يتم اختيار أكثر الاجتهادات المناسبة والملائمة للعصر الحاضر، فيأخذون الاجتهاد الذي ينظر لملابسات الحاضر وواقع الناس في العراق في هذا الزمن، فهناك اجتهادات جعفرية تورث المرأة من العقار مثلا، بما ينسجم مع وضع المرأة الحالي التي هي المنفقة الأولى في البيت، أو تساهم بشكل كبير فيه، سواء عبر عملها المجاني، أوعملها خارج البيت الذي تنفقه بالغالب على أسرتها، فهذه الأموال التي يمتلكها الزوج اليوم هو نتيجة عمل الزوجين معا. فالزوج اليوم لايجلب مرضعة ولامربي للأطفال، ولا خادم وخادمة ولا "عبيد وأماء" يقدمون الخدمة للزوجة، حتى يستقيم الحكم الأولي في هذه المسألة، لتسجل كل الممتلكات باسمه، الواقع يقول أن الزوجة مشاركة معه لكن العرف الذكوري يسجل كل المال بأسم الزوج ظلما وعدوانا أو حتى غفلةً.
فبدلا من القيام بالتفتيش في الكتب الفقهية فقط، كان يجب قراءة الواقع العراقي الذي يريدون صب الأحكام عليه.
وهذا مافعلته إيران فهي لم تجلب فتاوى من الكتب دون ملاحظة واقع الأسرة الإيرانية، لذلك نجد أنهم يدمجون الواقع مع الحكم عند التطبيق.
فالمرأة مواطنة في دولة وهي في عقد مع الدولة قبل أن تكون في عقد مع الزوج، وهذا العقد متجدد في كل واقعة، فلايجوز أن تعقد المواطنة عقدا يخالف عقدها الأولي مع الدولة، وعلى الدولة أن تلتزم للمرأة بالتزاماتها حول حماية حقوقها الإنسانية كفرد مستقل، فالدولة حين تنفق مالا كثيرا على تعليم الفتاة مثلا، تطلب منها أن ترد هذا المال عبر العمل في قطاعاتها، فلا يحق لأحد منعها من الخروج للعمل، وهي في حالة عقد سابق مع الدولة وهو عقد ملزم، فالعقد اللاحق مع الزوج لايجوز أن يتم به منعها من العمل، مادام يعرف أنها مواطنة متعلمة بمال الدولة، وعليها رد هذا المال بحسب العقد المبرم ابتدائيا كمواطنة.
هذه الاجتهادات مما يدور في بعض الأروقة الإيرانية. هل يملك الزوج صلاحية هدم التزامات الزوجة لمجرد أنه يريد أن يحولها الى " إداة جنسية "؟، (في رؤية مستحكمة لكيان المرأة وحصره بها) ينتفع بها طيلة الوقت متناسيا أبعاد الزوجة الأخرى والتزاماتها، من حيث كونها مواطنة لها حقوق وعليها واجبات.
أن الفقه الفردي المتحكم في عقلية " المجلس العلمي"، - والذي جعل من المرأة ملكية (انتفاع) كاملة للزوج- قد تناست أو غفلت عن الوضع القانوني للإنسان اليوم، وهو كونه مواطن في دولة، له حقوق وعليه واجبات ولا يجوز للإنسان الدخول بعقد يخالف مباديء المواطنة.
وأن الفقه الفردي حين يراد له أن يطبق على مجتمع ودولة بقانون حديث يحكم أبناء اليوم، كان ولابد أن يدرس الأمور من جميع جهاتها ولايكتفي بالنقل الحرفي من المدونات الفقهية التي هي تدور في نطاق الفرد المكلف، والذي عليه تقع مسؤولية تشخيص الموضوع ويراعى فيه النية لينطبق عليه أغلب الأحكام، وهذا لايتواجد بالضرورة في القوانين التي تسن للجميع.
فهل انتبهوا لذلك !.
***
ا. د. بتول فاروق - النجف
١٤/ ٩/ ٢٠٢٥