قضايا

فارس الحداد: ما وراء الخطاب الديني ضد العلمانية والتنوير؟

العلمانية ليست فكراً دينياً ولا سياسياً ولا اقتصادياً ولا اجتماعياً واحداً بل انها مشروع بناء ونهضة متكامل شقت طريقها لانقاذ الشعوب وتحرير المجتمعات من كل الايدلوجيات الدينيه المتطرفة والمتناحرة وتنتشلة من واقع عالمي ومحلي مليء بالتناقضات والتناحر والصراع الديني والسياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي والعسكري الذي اسقط بضلاله وتاثيراته الكارثية على حياه الملايين من ابناء البشرية وفي الاخص شعوبنا العربية والافريقية والاسيوية بشكل عام فكان من نتائجة ضياع الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية وحرية الراي والتعبير وغابة العدالة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية بين ابناء البشرية او على مستوى الشعب الواحد والوطن الواحد وانتشر الفساد السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي والقضائي والاعلامي وووالخ فمتهنت كرامات وشاع الجهل سواء كان على مستوى بنية الدول والانظمة السياسية القائمة او على مستوى الافراد والكيانات وانتشرت كل ما يهدم قيم الإنسانية من جرائم الانتهاكات الرهيبة لحقوق الانسان بكل اشكالها وصورها المختلفة ودمُرت مستقبل اجيال وامم باكملها واغرقت شعوب في مستنقعات متعدده اما في حروب نزاعات مدمره او في وحل الافكار والديولوجيات والمعتقدات الشيطانية والمتطرفة وحوربت كل قيم العلم والثقافة والتنوير والتنويريين بكل نخبهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية على المستوى الدولي او على مستوى الشعوب والاوطان لتحل محلها ثقافة الجهل واستجهال وتجهيل الشعوب من خلال فرض افكار ومعتقدات وايدلوجيات دينيه وجهوية وفئوية متطرفة اصبحت تتحكم بمصائر الشعوب والاوطان فاغرقت الاوطان والشعوب في ازمات وحروب طاحنة فكان من نتائجها تلك الاثار التي ما زالت شاهده الى اليوم في اكثر من بلد في العالم وان الواقع الكارثي الذي تعيشه معظم شعوبنا العربية والافريقية والاسيوية وشعوب العالم اليوم لم يكن الا امتداد لذلك الواقع الذي عاشته اوروبا في فتره حكم الكنيسه الدينيه الماضي التي اغرقتها في حروب ونزاعات طويله وتسببت بكوارث يندى لها جبين الإنسانية

وما ان بدات العلمانية وثورات التنوير تمد جسورها لعبور الشعوب والمجتمعات للخروج من ازماتها وصراعاتها ومشاكلها المختلفه والمتنوعة الى واقع اكثر امناً واستقراراً ونهوضاً وتقدماً وازدهاراً بفكرها المدني التنويري القائم على فكرة رفض الواقع ودعواتها للتغيير نحو بنائها وبناء دولها وانظمتها وحكومتها وافرادها ومجتمعاتها بناءاً سليماً للكل لا للجزء مستفيداً من تجارب واخطاء غيرها في الماضي بهدف عدم تكرارها في الحاضر والنظر للمستقبل بنظره واسعه ورؤية ثاقبة وسياسه ناجحة تبني لا تهدم بما يتلائم ويتوافق مع تطلعاتها وامالها ويخدم الانسان والوطن الواحد برؤية تنويريه وثقافيه علمية فقط لا مجال لتدخل الدين أو الفكر والمعتقد في سياسة وشؤون وقرارات الدولة إطلاقاً وفق اسس النظام والقانون واركان ومبادئ العدالة بين الكل واحترام حقوق الانسان وارساء قيم الحرية الفردية وتعميق منهج التعايش بين كل الاجناس والاديان والمذاهب والمعتقدات والافكار والافراد والكيانات وتكريس ثوابت الديمقراطية وتدعيم قيم الحرية وحق التعبير واحترام الراي والراي الاخر في الفكر والمعتقد وارساء دعائم البناء والاكتفاء الذاتي بجميع المجالات كخياراً عالمياً وشعبياً وخصوصاً مع بدايه صحوة الافراد والشعوب بكل نخبه و ومفكريه ومثقفيه وطلائعه الرافضة الواقع فبدات حملات شيطنتة العلمانية وتعالت الاصوات والصرخات وانشات مئات المواقع والصحف والمجلات الاخباريه وصرفت ملايين الدولارات لشراء الذمم لمحاربة العلمانية وقيمها النبيله وتشويهها فكتبت الاف الكتب والمجلدات التي حملت في طياتها ومعانيها كل ما يسي ويشوه العلمانية ويظهرها بمظهر القبح امام الشعوب والمجتمعات بهدف الكذب والتظليل على الناس بهدف ابقائها في واقعها الكارثي ومع ذلك فشلوا في الماضي وسيفشلوا في الحاضر والمستقبل في محاربتها .

وعلى الرغم ان الهجمات الاعلامية والدعائية وحملات الاساءه والتشوية ضد ثورة العلمانية والتنوير مستمرة الى عصرنا ويومنا هذا باصواتها المأزومة وابواقها المأجورة وخطاباتها الضاله وكلماتها الجاهله وكتاباتها التحريضية ضد العلمانية فهناك من يقول العلمانية الصهيونية واخر علمانية الحاد وكفر واخر علمانية لبرالية وغيرها من الاوصاف والاقوال اذا العلمانيه تحترم رأيك والراي الاخر ويبقى رايك وقولك وكتابتك تعبير عن وجهة نظرك انت لكني اتساءل هنا على اي استناد وعلى اي اساس قلت وحكمت ان العلمانية صهيونية وانها الحاد وكفر وليبرالية يا هذا أو ذاك؟؟ في الحقيقة لا يوجد هناك شيء اسمه علمانية صهيونية او علمانية لبرالية او علمانية الحاد وكفر او علمانية شرقية او غربية فالعلمانية قد تكون موجوده وفق المكان هنا وهناك وهذا شيء طبيعي لكنها تحكمها الاهداف النبيله والمبادئ الساميه الثابتة والموحدة فصل الدين عن الدولة ليس أنها ضد الاديان إطلاقاً ولكنها تحترم الدين اكثر من غيرها ولا تسمح باستغلاله والمتاجرة به ولماذا لا تفرق بين العلمانية والصهيونية؟ وهل تؤمن ان العلمانية فكر مدني وان الصهيونية فكر ديني نقيض للعلمانية؟ بكل تاكيد انما يقال من اقوال واوصاف واصوات وما كتب وكتابات وخطابات جائرة بحق العلمانية لا يمكن ان يقبلها عقل او يفسرها منطق وقد يكون ناتج عن جهل مركب او احكام طائشة وهامشية مسبقة او لتعصب مقيت او دليل على ازمة وعي أو افلاس معرفي أو فقر ثقافي بأصول وقيم العلمانية ورحها المدني وقيمها النبيله ورسالتها الانسانية.

وعلى الرغم ما قال ويقال بحق العلمانية لكنها حتماً ستنتصر للشعوب والمجتمعات.

***

د. فارس قائد الحداد - صحافي وحقوقي يمني

محاضر دولي في الاعلام والقانون الدولي

في المثقف اليوم