قضايا
الطيب النقر: منظومة الأخلاق الرادعة

لعلي أستطيع أن أدلك على طبيعة العلة، وأن أقيم لك الدليل على تردي الأخلاق وتراجعها، فانهيار القيم التي يلوكها كل لسان في وقتنا الراهن، أزعم قبل كل شيء، أن عقلي المكدود لا يسيغ قط وجود أي قوة تدفعها، وتمضي بها نحو الأحسن، خلاف ثوابت ومعتقدات الدين الخاتم الذي تتجسد فيه أسمى الغايات الأخلاقية، التي ينبغي أن نتحلى ونتمسك بها، وندعو هذه الأجيال المستلبة التي يملأ وجوهها ضحكة ساخرة من سذاجة دعوتنا، أن تتشبث بها، وتحرص عليها، فهذه الأجيال المسكينة قد دبت الحياة في أعطافها، وهي مشدوهة ومأخوذة بسحر الحضارة الغربية، بعد أن ارتسمت في أذهانها صورة قوية رائعة عنها، ندعوها في الحق، للتمسك بالمفاهيم الأخلاقية التي بسطها الدين الإسلامي بسطاً وافياً، لأنها تحقق لها، ولكل المجتمعات البشرية، الغاية الحيوية التي ترسم توازنها، وتبني لها قاعدتها الصلبة التي تكفل تماسكها واستقرارها.
الأخلاق الركن المنيع الذي تعتمد عليه المجتمعات في صون حياتها الاجتماعية:
والأخلاق التي تضبط حياة المجتمعات، وتنظم سلوكها، لا أريد أن أبسط لكم هنا طبيعتها، أو أشنف أسماعكم، بأحاديث رتيبة مملة، عن أصولها وتوجيهاتها، التي بتنا لا نظهر لها الشغف البالغ، والانجذاب المحض، فنحن نعلم أنها هي التي تضع الأسس، والركائز الصحيحة للتمييز بين الخير والشر، والحق والباطل، وأنها بمثابة الدروع الواقية التي نحتذيها، في صد هجمات المتوغلين من "طغام" المجتمعات الذين غابت عنهم التصورات العقلية، والحجج المنطقية لنجاعتها، بوصفها الحصن الذي يقينا من الفوضى الغاشية التي أمسينا نتردى فيها، تلك الفوضى التي تريد هذه الفئات أن تتفنن فيها، وتكثر منها، باعثهم عليها النقص الذي يحيط بها، وكونها لم تتصل بكل قيم هذه التشريعات أو بعضها، اتصالاً ممكناً أو ضرورياً تحتمة ظروف النشأة، فليس في نشأتها ما يحملها على اكتساب واتخاذ معايير هذه القوانين ولوائحها، هذا هو الحاجز الذاتي الذي يفصل هذه الفئات عن مجتمعاتها، العامل الأخلاقي الذي نجده عند هذه الناجمة واهياً، شاحباً، ضعيفاً، لا يحمل صورة، ولا يؤدي معنى، ولن يزول هذا الحاجز الذي ليس له قاع، أو مستقر، إلا إذا بذلت هذه الجماعات جزءاً من قواها في سبيل التمكين لهذه الأخلاق، واضطرت لمسايرة المثل العليا، والمعايير الاجتماعية، وتخضع لها خضوعاً كلياً، يزيل عنها هذه الفوارق، ويحقق لها دوماً الانصهار في بوتقة مجتمعاتها.
العامل الأخلاقي في الإسلام:
والعامل الأخلاقي في الإسلام، الذي يعصم المجتمعات من الزلل، رأينا كيف تقاعست بعض الشرائح في أداء واجباته، بسبب نزعاتها الفردية، نزعم أن هذا العامل بدون أدنى شك، عقمت الأيام أن تلد مثل ه، فهو يصد النفس من أن تكون حافلة بمظاهر الجور، ويمنحها التصورات الصحيحة، والأحكام الصادقة، عن العواقب التي تتمخض عن هذه المظاهر، بعد أن وهبها صورة جلية واضحة، عن مآلات الروح بعد الرحيل، إذن العامل الأخلاقي يعلم أن الطرق بيننا وبين الخطايا قريبة كل القرب، وممهدة كل التمهيد، ولكن مع هذا القرب، وهذا التمهيد، نجد أن هذه الفجاج كثيفة منيعة، لا سبيل إلى اقتحامها، ولا إلى النفوذ منها، لأن مهجنا الوجلة المذعورة، لا تستطيع التخلص من براثن صورها المفزعة التي شخصتها لنا منظومة الدين، صور لا عزاء فيها ولا سلوى، لمن أراد أن يمضي وراء هتك الأخلاق، واصابتها في مقتل.
إن القواعد الأساسية التي ينهض عليها النظام الأخلاقي في الإسلام، لا يمكن ردها إلى عوامل أبسط منها، لأنها في غير ضجيج ولا عجيج، تستوفي جميع أنماط السلوك التي مهما اختلفت وتباينت من حيث مضمونها، فهي تسيطر على النفس، وتكبح جماحها، ولا تنحرف عن الطريق المرسوم الذي يربط شؤون الحياة العامة التي نضطرب فيها، ربطاً محكماً، وثيقاً، قوي الأثر، ويقي العادات، والمشاعر، والأفكار، من الغلو، والجموح، والتطرف.
***
د. الطيب النقر
الأربعاء 25/6/2025