قضايا
حاتم حميد محسن: هل الديمقراطية سفينة أغبياء؟

كتاب الجمهورية للفيلسوف اليوناني افلاطون والذي كُتب عام 375ق.م حدد معالم الفكر السياسي الغربي. اليونان عُرفت بـ "مهد الديمقراطية". ليس فقط لأنها شهدت اولى ديمقراطية في العالم، وانما لأن الكلمة ذاتها تأتي من كلمة ديموس اليونانية (الناس) وكراتوس (حكم). غير ان افلاطون يجادل بلاهوادة ضد فكرة الديمقراطية. يقول سقراط "الديمقراطية شكل ساحر للحكومة، مليء بالتنوع والاضطراب، ويوفر نوعا من المساواة بين اللامتساوين." اعتقد سقراط ان ليس كل شخص له الحق في التصويت. هو اعتبر التصويت مهارة تُكتسب بالحكمة. هذا ربما يثير الدهشة نظرا لأن الغربيين يعتقدون عادة انه من المهم جدا ان يعيشوا في ظل حكومة ديمقراطية. تقريبا جميع الدول الغربية هي ديمقراطية. وفي آخر انتخابات في الولايات المتحدة، كل من ناخبي ترمب وهاريز ادّعوا انهم "مدافعون عن الديمقراطية". وفي المملكة المتحدة، تعهدت حكومة العمال الحالية بتوسيع حق التصويت ليشمل منْ هم بعمر 16 سنة.
اذاً ما هي حجة افلاطون؟ وهل يمكن ان تكون سببا لفهم تراجع الثقة في الديمقراطية الحالية في الغرب؟
يشبّه افلاطون الديمقراطية بسفينة تضم عدد من المسافرين، كل واحد منهم يرى له الحق في قيادة السفينة ورغم ان الملاح ماهر في مهنته لكنه لا يستطيع إقناع الركاب الآخرين ولهذا تسود الفوضى والشغب وتنتهي الرحلة بحالة من الاضطراب والإستياء. وحتى لو حصلت انتخابات صغيرة لاختيار الملاح، فان المسافرين الاخرين سيجادلون بان ذلك الشخص (الملاح) لا يستطيع تعلّم الملاحة، وان أي شخص آخر يمكنه القيام بذلك؟ او الادّعاء كذبا بان الملاحين هم دائما ينظرون الى اللوحات ويقومون بإجراء عمليات حسابية ولا يهتمون حقا بمخاوف المسافرين يوميا. او ان النسبة الاكبر من أصوات المسافرين اُعلنت بسرعة من خلال الرشاوي والصفقات والأكاذيب.
الحجج التي يعرضها افلاطون ضد الديمقراطية في كتاب الجمهورية جرى الحديث عنها من جانب الفيلسوف سقراط معلم افلاطون ومرشده. لكن النظام الذي يرفضه سقراط – في ديمقراطية أثينا في القرنين الخامس والرابع ق.م يختلف كثيرا عن الديمقراطية النيابية المعاصرة.
في ديمقراطية أثينا، المواطنون فقط يستطيعون التصويت على القوانين وانتخاب المسؤولين. الرجال يتناوبون على بعض المناصب في الدولة التي يتم اختيارها اعتباطيا بطريقة اليانصيب. لا كلمة للنساء والعبيد والناس الأجانب حتى لو كانوا يشكلون النسبة الاكبر من السكان. ديمقراطية اثينا ربما تكون وحشية. في كل سنة، يستطيع المواطنون التصويت على نفي شخص ما من المدينة لمدة عشر سنوات، والنظام الديمقراطي اتخذ قرارات فظيعة، مثل إعدام سقراط ذاته وارتكاب مجازر خطيرة.
لكن سقراط لايركز على لاعدالة ديمقراطية اثينا. جداله مبسط وأكثر عمومية. الحكم هو تجارة ماهرة. وكأي تجارة اخرى، كما يقول، ليس كل شخص لديه الموهبة او التدريب ليكون جيدا فيها.
في الوهلة الاولى، هذه المقارنة التي جرى تبنّيها من الجمهورية، تؤكد ان الديمقراطية لاتضمن وصول قادة ماهرين للحكم. لكن ذلك ينطبق ايضا على الانظمة الاخرى. الدولة ربما محظوظة في امتلاكها ملك لديه مواهب للحكم، ولكن يُحتمل ايضا ان تكون الدولة سيئة الحظ ويحكمها دكتاتور وحشي وغير كفؤ.
لذا، يحتاج سقراط الى حجة أفضل ضد الديمقراطية. االكتاب الثاني – الى الرابع من الجمهورية يعرض جدالا اكثر تركيزا. هنا يقول سقراط ان الحكم هو تجارة ماهرة تفتقر اليها غالبية الناس. فقط اولئك المهرة في التجارة ينبغي لهم الحكم. لكن بما ان الغالبية هي التي تحكم في الديمقراطية، لذا لا يجب ان تكون لدينا ديمقراطية.
هذا الشكل من الجدال يبدو يعمل ضد الديمقراطيات عموما، وليس فقط ديمقراطية اثينا ولا النسخ الحديثة للديمقراطية. وكما في رحلة السفينة، كذلك في حكم البلد. مثلما نحتاج الى كابتن ماهر للطيران وليس الاغلبية، نحن ايضا نريد حكام مهرة وليس الاغلبية لحكم الدولة.
المعارضون لحجة سقراط
هناك ثلاث مشاكل في هذا الجدال.
1- هل الحكم حقا مهارة مثل قيادة السفينة الطائرة؟ يجيب افلاطون بان مهارة الحكم تتطلب بالضرورة معرفة ما اشار اليه بـ "معرفة جيدة حقا". الجواب لايبدو مقنعا جدا.
2- حتى لو كان الحكم مهارة، فلا يعني ان اكثر الناس يفتقرون لهذه المهارة. هناك العديد من الحكام المهرة يتخذون قرارات في جميع مناحي الحياة، ليس فقط في السياسة. في الحقيقة، نحن ربما نعتقد ان القرارات الجمعية هي اكثر مهارة لأنها من غير المحتمل ان تعكس المعرفة والتجربة او التحيز لجماعة صغيرة.
3- اذا كان الحكم تجارة ماهرة، وان معظم الناس يفتقرون حقا لهذه المهارة، هناك اسباب لضم اولئك الذين يفتقرون للمهارة في عمل القرارات السياسية. بضمهم ربما نستطيع تدريبهم على المهارة. من الانصاف ادخال كل او معظم الناس في عمل القرارات، والانصاف ربما اكثر اهمية من الحصول على "أحسن" قرار. وحتى عندما يكون سقراط صائبا بان الديموقراطيات احيانا تفرز حكاما غير ماهرين يتخذون قرارات سيئة وربما شريرة، ذلك لا يعني وجوب رفض الديمقراطية.
ولكن حتى لو صرفنا النظر عن فرضية الحكم كتجارة مهارة،هناك عدة انتقادات هامة للديمقراطية تتمثل بالتالي:
1- أغلبية تتعارض مع الحرية
الديمقراطية يراها البعض هي النقيض للحرية. ان أساس وحجر الزاوية في الحرية هو الملكية الخاصة، اما حكم الأغلبية فهو لا ينسجم مع هذا المبدأ. الذين يديرون الدولة في النظام الديمقراطي يصلون الى الحكم عن طريق الانتخابات التي يفرض بها صوت الاغلبية الهيمنة على الاقلية. 51% من السكان يمكنهم السيطرة على 49% الاخرين. اذا كان سكان الولايات المتحدة 322 مليون شخص اي بمعنى 164 مليونا يستطيعون اجبار الـ 158 مليون الاخرين للامتثال لاوامرهم. كذلك عند النظر للاحزاب المتنافسة. لو كان هناك ثلاثة احزاب متنافسة في الانتخابات وفاز احد الاحزاب بـ 50% من الاصوات بينما فاز الثاني بـ 35% من الاصوات، والحزب الثالث فاز بـ 12% من الاصوات. هنا سيكون الحزب الاول هو الفائز لأن لديه أعلى الاصوات 50% بينما تُعتبر الـ 47% من من مجموع الاصوات (35 +12) اصواتا خاسرة رغم ثقلها داخل جمهور المصوتين.
2- عدم وجود منافسة: اذا كانت المنافسة في السوق تحسّن نوعية الخدمات، فان المنافسة ضمن النظام السياسي للدولة تقوم بالعكس. التحسينات تحدث فقط في الافعال غير الاخلاقية كالخداع والغش والكذب والسرقة. وبالتالي فان اولئك الذين هم الافضل في هذه الصفات يتفوقون في مثل هذا النظام السياسي. انه لا يعتمد على الحكماء بطبيعتهم او ذوي الانجاز.
3- الناخبون والمستهلكون: هناك مشكلة اخرى في الديمقراطية، حيث ان سلوك الافراد كمستهلكين ومستثمرين يختلف كليا عن سلوكهم كمصوتين لأن هيكل الحوافز مختلف كليا. في السوق الحر، قرار المستهلك في الشراء او عدم الشراء لسلعة معينة بسعر معين هو عرضة لموافقة المنتج والبائع، وهذا لا يتطلب موافقة أغلبية الناس او ممثليهم. تأثير قرار الشراء هذا على حياة المستهلك اكثر بكثير من تأثير قراره بالتصويت على قضية معينة في الانتخابات.
***
حاتم حميد محسن