قضايا
خالد اليماني: التهجين الثقافي بين القلق الهُوَوِي وحتمية الانصهار

تمهيد: أكثر ما يخشاه الإنسان دائمًا هو التغيير، تغير مناخ البيئة، الأحوال، ونمط الحياة، رغم قدرته على التكيف والتأقلم التي تُميّزه عن سائر الكائنات الحية. مع ذلك، يظل الإنسان يهاب المجهول والتغييرات المفروضة عليه التي تنتزع منه سلامه الاجتماعي والثقافي المتعارف عليه، ويجد صعوبة بالغة في قبول واقع الحياة كونها صيرورة - تتصير من شيء إلى آخر، من حالة إلى أخرى.
التهجين الثقافي وإمكان الاستقلالية:
تدفق المعلومات وتداخل الثقافات اليوم يبعث لدى الكثيرين القلق الهُوَوِيّ؛ قلق الهوية والانتماء. وهذا القلق الذي يحاول أن يبقى راسخًا على ما اعتاد عليه من رؤية للوجود، ونمط التفكير، يصعب عليه المران على طرق تفكير مغايرة، حديثة، متجاوزة؛ فما بالك إذا كانت مناقضة ومعارضة للرؤية الوجودية والفلسفية السابقة؟
ومع ذلك، يثبت لنا التاريخ، من خلال تراكم الأحداث والتقلبات السياسية والتداخلات الثقافية على مر العصور: أن الإنسان قادر على الحفاظ على ما هو عليه، على فلسفته في الحياة، وعلى نمط جوهري من التفكير رغم هذه التداخلات المتواصلة. على سبيل المثال – والأمثلة بالمئات – المسلمون في الهند، رغم احتكاكهم مع غير المسلمين من ناحية، واختلاف ثقافة وانماط الحياة والمعيشة تمامًا من ناحية أخرى، لم يخسر الفرد والعائلة المسلمة جوهر الإسلام.
وعليه وجب التفريق بين: الجوهري والعارض؛ الجوهري هو ما نؤمن به بالأعماق ويعطي لحياتنا معنى، ولها أثر أو حمولة ثقافية متجذرة فينا؛ بينما العارض: هو كل التغيرات المؤقتة التي لا تغير في جوهر الإنسان، بما في ذلك الثقافة ذاتها، إذ أن الجزء الأكبر من الثقافة غير معني فقط بالدين، وعليه يبقى تأثيرًا عارضًا، وقبوله والتماشي معاه لا يتعارض بالضرورة الجوهر؛ وهذا التمييز الدقيق يسهم في تقبل التغييرات في العالم دون الشعور بالخوف والذعر لأن ما يمثل هويتنا الثقافية والدينية جوهرياً لن يتغير بتغير العوارض.
حتميّة التهجين الثقافي:
وعلى الجانب الآخر، هناك جوانب الأصل فيها التغيير والصيرورة، بسبب التداخل الثقافي والحوار والتوليف، وهذا يحصل على المدى القريب في عالمنا اليوم، لا المدى البعيد. كل العالم يتشكل من كل شيء آخر في الوقت نفسه، وهذه الانصهارات تشمل: العلم وطبيعة التعلم وبناء المعارف والفنون وغيرها.
كل هذه الجوانب قائمة على التأثر والتأثير والتهجين، خصوصًا في عصرنا هذا سريع التداخل والتأثر.. وأي محاولة لإجهاض هذه الظاهرة تعد تحديًا لطبيعة سير التاريخ والعالم، وهو سلوك مجتمعي غير مجدٍ وقد أثبت فشله في عصور الظلام. إن الانفتاح الواعي على الثقافات، مع فهم الديناميكية الحتمية الحاصلة، يشكل اليوم الضمانة الوحيدة للبقاء.
خاتمة وتأمل:
وعند إدراكنا أن الهوية والجوهر يتطوران بتطور وعي الإنسان عبر الزمن والتجربة وتراكم المعارف، ندرك أن أدوات المعرفة تطور أدوات الفهم، وعليه فإن الحفاظ على الجوهر لا يكون بتجميده في قالب محدد، إنما يتحقق من خلال مسؤولية جماعية وتاريخية تستوعب الهوية والدين والحقيقة والثقافة كمشروعات مستمرة من الكشف المتجدد عبر المعرفة والتجربة والزمان.
***
خالد اليماني