قضايا
بورزيق خيرة: رؤيتان لعالم الغد.. وأي غد؟!
![](/images/1/khaira_bourzak.jpg#joomlaImage://local-images/1/khaira_bourzak.jpg?width=&height=)
مقدمة: نعي جميعا أن حاضر ومستقبل العالم يصور رؤيتين متباينتين من حيث الخلفيات والأساليب، إلا أنهما تشتركان في قدرة التأثير على الأحداث العالمية من خلال خططهما الاستراتيجية لإدارة القوة والنفوذ. مثل هذه الرؤى الطموحة تبدو وكأنها موجهة نحو تحقيق التقدم والتغيير، لكن النظر إلى ذلك بشكل أعمق يكشف نوايا أقل إشراقا وأكثر تركيزا على السيطرة والنفوذ. هاتان الرؤيتان وإن اختلفتا في أساليبهما إلا أنهما تشتركان في رغبة لفرض السيطرة على العالم حتى لو كان ذلك على حساب المصالح العامة أو الحقوق الفردية.
1) الرؤية الأولى: الطموح التكنولوجي والهيمنة الاقتصادية
تُعرف الرؤية الأولى بقدرها الكبير من الطموح وتجاوز الحدود التقليدية للسياسة، فهي تعتبر العالم كسوق ضخم يمكن استغلاله لتحقيق الإبداع والتقدم التكنولوجي. بالنسبة لهذه الرؤية فإن المستقبل يكمن في دمج الإنسان مع التكنولوجيا لتحويل طريقة حياته بشكل جذري، وفي الأخير بناء إمبراطورية تكنولوجية تهدف إلى تغيير وجه الاقتصاد العالمي. تعمل هذه الرؤية على توسيع نطاق نفوذها من خلال الاستثمار في مجالات مثل الفضاء، الطاقة النظيفة، والنقل السريع، وتؤمن بأن الحلول للتغلب على المشاكل العالمية تكمن في الابتكار وليس فقط في السياسة، من تم تتميز بالجرأة والمخاطرة وخلق ثقافة جديدة قائمة على الكفاءة والإنتاجية.
هذا مجرد "ادعاء" ... فعلى الرغم من أن ذلك قد يبدو مستقبليا ومثيرا إلا أنه يخفي رغبة (واضحة) في الهيمنة على الأسواق العالمية والاستحواذ على الموارد التقنية. وذلك من خلال: (السعي إلى جمع بيانات هائلة عن الأفراد والمجتمعات بغرض التأثير على السلوك الإنساني، استخدام التكنولوجيا كأداة للسيطرة إذ يمكن أن تصبح المجتمعات معتمدة بشكل كامل على منتجاتها وخدماتها من تم جعلها رهينة لقرارات هذه الرؤية، العمل على بناء شبكة ضخمة من الشركات والمشاريع التي تهيمن على مجالات حيوية كالذكاء الاصطناعي والفضاء والطاقة). بالنتيجة يؤدي هذا النهج إلى تقليل التنوع الاقتصادي والتكنولوجي عندما تصبح الشركات الصغيرة والمتوسطة غير قادرة على المنافسة، ويؤدي الاستخدام المفرط للتكنولوجيا إلى تآكل الخصوصية وتقويض الحريات الشخصية، كما يتم خلق حالة من عدم المساواة حينما تتمركز الثروة والقوة في أيدي قلة قليلة.
2) الرؤية الثانية: القومية والسيطرة السياسية والعسكرية
في المقابل هناك رؤية أخرى تتخذ من السياسة أداة لتحقيق أهدافها، وتؤمن بأن الأولوية يجب أن تكون فقط لصالح أقوى بلد في العالم الذي يرى أن القوة الاقتصادية والعسكرية هي الأساس لتحقيق الاستقرار العالمي. تركز هذه الرؤية على تعزيز القوة من خلال سياسات تهدف إلى زيادة الإنتاج المحلي لذلك البلد القوي وتقليل الاعتماد على الأسواق العالمية، وتسعى إلى إعادة تشكيل النظام الدولي بما يتماشى مع مصالحها، حتى لو كان ذلك على حساب العلاقات الدولية، وتدعي الدفاع عن حقوق المواطنين ضد ما تسميهم بالأعداء الخارجيين.
هذا بعينه "اعتداء".. فما تتميز به هذه الرؤية يؤدي إلى زعزعة الاستقرار العالمي من خلال زيادة التوترات وخلق بيئة من عدم الثقة بين الدول مما يجعل التعاون الدولي أكثر صعوبة، بالإضافة إلى تهميش حقوق الإنسان والحريات الديمقراطية بإضعاف الشفافية والمساواة، واستخدام اللغة المباشرة والقوية والأساليب الاستقطابية للأنصار، كما تركز على تحقيق نجاحات سريعة ومرئية لتثبت للعالم مدى قوتها، واستخدام الخطاب الشعبوي لتعزيز الولاء في حين تعمد على تطبيق سياسات الانقسام والعزلة على المستوى الدولي.
خاتمة:
يبدو جليا أن في الرؤية الأولى ادعاء بالتقدم وفي الثانية اعتداء مباشر وكلاهما لا يبشر بخير. في نهاية المطاف يبقى السؤال المهم: أي هاتين الرؤيتين ستكون الأكثر تأثيرا على مستقبل العالم؟ وهل ستتحقق غايتهما المتمثلة في الاتحاد من أجل السيطرة على كل الدول؟ الإجابة ليست واضحة في الوقت الحالي، لكن ما هو مؤكد أن العالم سيظل مراقبا لهاتين الرؤيتين أو بالأحرى "الشخصيتين" ومدى تأثيرهما على مجريات الأحداث في العالم وقضايا السلام بين الدول.
***
بقلم: الدكتورة بورزيق خيرة
أستاذة جامعية، محامية ومتخصصة في مجال المسؤولية الاجتماعية / الجزائر