قضايا
عصام البرّام: توحيد الخطاب الإعلامي في مواجهة الأزمات
إن عملية توحيد الخطاب الإعلامي في مواجهة التحديات والأزمات التي تواجه أي دولة، يعدّ أداة استراتيجية تُستخدم لتحقيق أهداف متعددة لا تقف على موضوع محدد، من أجل الحفاظ على الاستقرار المجتمعي وتوجيه الرأي العام وتوفير المعلومات الدقيقة للجمهور والسعي لأستمرارية البناء والتنمية المستدامة، لذا ينبغي التخطيط وإتخاذ السُبل والآليات لتوحيد الخطاب الإعلامي. فأي دولة، تتعرض خلال سنوات تأريخ حكمها الى العديد من الأزمات، فإن لم تكن القيادات السياسية والإعلامية وبقية مؤسسات الدولة المنضوية تحتها لا تمتلك الستراتيجية والعمق الفكري في رسم مساراتها الراهنة أو المستقبلية، فقد تواجه تحديات عديدة ومتنوعة تكون غير مؤهلة لحظة مواجهة الأزمة، لأن سوء الفهم والتقدير، قد يأتي بعواقب وخيمة، خاصة في الأوقات التي تشهد فيها العلاقات الدولية توترات وأزمات وصراعات.
فوسائل الإعلام السابقة قبل ظهور شبكات الانترنت والفضائيات وانتشارها، كانت تمثل قوة مثلها كالقوة العسكرية؛ حيث سيطرة الدولة عليها والتحكم بها والسيطرة على كل ما تسعى الدولة من بث ونشر من معلومات للجمهور، والتحكم بمشاعره وتوجيه أفكاره او حتى التلاعب بأهواه.
إلا إن التطور التكنولوجي وظهور العولمة وانتشار الفضائيات وشبكات ومنصات التواصل الاجتماعي، أصبحت خارج سيطرة الدولة والتحكم بها (في أغلب الاحيان) كما كانت عليه في العقود السابقة، وأصبحت الدول المضادة والمعادية أكثر قوة وتأثير في ما تسعى اليه لنشر ما تنوي نشره من معلومات مضللة من خلال هذه الشبكات والمنصات.
لذا ينبغي التنسيق بين وسائل الإعلام الحكومية والخاصة، وتحديد الرسائل الأساسية وتنسيق الخطاب بشكل يتماشى مع الاهداف والاولويات الوطنية والرسمية، ويتم ذلك من خلال إنشاء منصات للتواصل وتبادل المعلومات بين الإعلام الرسمي والإعلام الخاص؛ بهدف توحيد الرسائل وتجنب التضارب بينهما، وأن تحمل الرسائل معاني موحدة لا اختلاف بين الفريقين، كي لا يؤدي الى ردود أفعال لا يحمد عقباها إن كان على الجانب الحكومي أو الخاص.
كما إن توفير مصادر معلومات موحدة وموثوقة تقع على مسؤولية الحكومة، إذ ينبغي لها أن تؤسس مراكز إعلامية تكون هي المصدر الرئيسي لتزويد وسائل الإعلام بالأخبار والمستجدات حول الأزمة، مثل المركز الإعلامي والصحفي الحكومي أو منصات رسمية عبر شبكات الانترنت، يرافقها التوجيهات الإعلامية الرسمية، وذلك من خلال إصدار التوجيهات لوسائل الإعلام حول كيفية تناول الإحداث وتقديمها بما يتناسب مع المصلحة الوطنية، ويتضمن ذلك تجنب الشائعات والتركيز على المعلومات الموثوقة.
فضلاً على التدريب المستمر للعاملين في مجال الإعلام، حيث يختار من أساتذة الإعلام من الأكاديميين والخبراء والمستشارين بتدريب كوادره على كيفية التعامل مع الأزمات، وتوفير التدريب اللازم للمتحدثين الرسميين للدولة والإعلاميين لضمان قدرتهم على نقل الرسائل بفاعلية، ويشمل ذلك من خلال التدريب على التواصل الجيد، والتحكم بالمشاعر، واستخدام لغة عالية الدقة كي يستوعبها المتلقي، وتطوير مهاراتهم في توجيه الرسائل التي تعزز من وحدة الصف الوطني، وتعزيز الثقة في الدولة وبوسائلها الإعلامية.
كما يقتضي العمل بغية توحيد الخطاب الإعلامي، الى إستخدام لغة موحدة ومصطلحات مشتركة بين الإعلام الرسمي والخاص، تتبناها وسائل الإعلام؛ وهي لغة إعلامية تتسم بالوضوح والتوازن والاعتدال، والاستناد الى المعلومات والحقائق المدعومة بالبيانات والأرقام والحقائق الموثوقة، لكي يعزز المصداقية، وتقبل الجمهور بكل ما يطرح من مفاهيم غير مبالغ فيها، فضلاً عن تجنب المصطلحات التي قد تؤثر وتثير التوتر أو الفهم الخاطيء لدى المتلقي من الجمهور، وهنا يكون التعاون مع الجهات الأكاديمية والمختصين، من خلال إستضافة خبراء من مجالات مختلفة لتقديم تحليلات ووجهات نظر تتفق مع الخطاب الوطني، وتساعد الجمهور على فهم أبعاد الازمة.
ومما لا شك فيه، فأن أستخدام وسائل التواصل الاجتماعي كجزء من الاستراتيجية الإعلامية، إذ يعد الإعلام الرقمي من أسرع الطرق للوصول الى الجمهور، لذا ينبغي إستخدام تلك المنصات بذكاء للتفاعل مع الجمهوروتقديم المعلومات أولاً بأول، ومواجهة الشائعات، حيث يتم نشر الرسائل الرسمية والرد على الاستفسارات؛ لتهدئة الجمهور وطمأنتهم بشكل مباشر وسريع، فتلك الوسائل والمنصات المختلفة تلعب دوراً كبيراً بالتأثير، خاصة بين شرائح الشباب والمراهقين؛ الذين يقضون أوقات كبيرة بين تلك الوسائل، تتوزع بين المتابعة لإشباع الرغبات الذاتية، أو بغية البحث والدراسة أو للتواصل المختلف.
ولابد من الإشارة الى أن وضع الرقابة على الشائعات والمعلومات المضللة مسؤولية في غاية الأهمية، ولابد من وضع وتطبيق القوانين والإجراءات اللازمة؛ لمنع نشر الاخبار الكاذبة وتحديد وتحجيم مصادر الشائعات؛ بهدف حماية الرأي العام من التضليل، وتعزيز ثقتهم بالوسائل الرسمية، وأن تكون هناك آلية سريعة لرصد الشائعات والأخبار المغلوطة وكيفية الرد عليها بوضوح؛ لمنع وتجنب انتشارها والسيطرة عليها قبل ان تتسبب في تزايد القلق أو التشويش.
إن الرسائل التي تسعى الى بثها ونشرها عبر وسائل الإعلام المختلفة، لابد من تكون محكمة من قبل المرسل المسؤول على الوسيلة، وأن يفهم طبيعة الجمهور المستهدف، على ان تكون هذه الرسائل وفقاً لإحتياجاتهم وأهتمامهم ومستوى فهمهم، مما يسهم في تحقيق أستجابة أفضل وتفاعل أكبر وتحقيق نتائج أعلى.
وليس هذا فقط، بل أن يكون هناك متابعة وتقييم لتأثير الخطاب الإعلامي بشكل دوري، بغية التعرف على على مدى تحقيقه لأهدافه، وإجراء التحسينات اللازمة، بالأضافة الى الأخذ بعين الاعتبار، في إتخاذ تحقيق التوازن بين الشفافية والحذر، فمن الضروري أن يكون الخطاب الإعلامي شفافاً، لكن مع الحذر أيضاً في الإفصاح عن المعلومات التي قد تؤدي الى تفاقم الأزمة أو نشر الذعر بين شرائح المجتمع المختلفة، ففي حالات المواقف الحرجة تستدعي بعدم الافصاح عن تفاصيل الرسالة، فقد تؤدي الى رد فعل سلبي.
إن هذه الآليات تهدف الى ضمان أن تكون الرسالة الإعلامية موحدة وموضوعية، مع إظهار الالتزام الوطني بمواجهة التحديات والأزمات بطرق تضمن الأستقرار، وتغرس الثقة بين الدولة ومواطنيها، لتوحيد الخطاب الإعلامي لأجل دقة المواجهة، وإتباع السُبل التي تساهم في تحقيق التأثير المرجو منه في إيصال الرسائل بفاعلية ووضوح.
إن توحيد الخطاب الإعلامي يتطلب التنسيق والتعاون بين جميع الأطراف المعنية، الإعلامية بالدرجة الأولى وغير الإعلامية ثانية، كما يتطلب مرونةً وآستعداداً للتكيف مع تغيرات الموقف وتحدياته، لضمان بقاء الجمهور على إطلاع ودراية، فالأزمات والتحديات التي تواجه العالم، تقتضي رسم سياسات إعلامية عالية الدقة تتناسب وحجم هذه التحديات.
***
د. عصام البرّام - القاهرة