قضايا

سعاد درير: بطلُ الرفض الاجتماعي في ظل المحرقة الكبرى

يوما بعد يوم تَتَّسِعُ الفَجوة وتَزداد الهُوة بينك وبين الآخرين، تتساءل أنتَ «لماذا؟»، لماذا أنتَ دون الآخرين، لكنك لا تَدري شيئا.. لا تَدري كيف وصلتَ إلى هذه الحقيقة الْمُرَّة التي لا تَستكثرها عليكَ تجربتُكَ في الحياة.

الحياة هذه التي تَسلبك حقك في الحياة ما أشقاها ما أشقاها! وأنتَ الواقف فيها على قدم واحدة تنتظر لحظة سقوطك الحقيقية بعد أن سَقَطْتَ من عين الأغلبية دون أن تُضْمِرَ حِقدا أو تُبَيِّتَ نِية.

نِيةُ الغَوْغَاء والرِّعَاع والهَمَج الذين يَزحفون على أرضك زحفا نهايتُها الطمع في مَسحك من الوجود عن إصرار، وأنتَ لا تدري لِمَ هذه الضغينة التي تَجعلك غير مرغوب فيه، بل تَجعلك بطلَ الرفض الاجتماعي.

الرفض الاجتماعي نتيجة، أما السبب الخَفِيّ فلا يخرج عن البطولة المطلقة التي يَلعبها واقعيا هُواةُ نَقْلِ الكلام الذين يُجَنِّدُونَ نُفوسَهم الأمَّارة بالسوء وقلوبَهُم التي أعماها الحِقد، يُجَنِّدُونَها للمَجزرة التي تُذْبَحُ فيها أنتَ وإحساسك، يُجَنِّدُونها للمحرَقة الكبرى التي يُحْرَقُ فيها قلبك وعيناك الباحثتان عن شيء مِن العدل لإنصافك في غير زمن العدل الذي صَنَعَ الأبطال.

أبطال لُعبة نَقْلِ الكلام يَتَسَلَّوْنَ بِمَضْغِ إحساسك ليَزْرَعُوا الفتنة الأكبر من القتل وهُمْ يُفَجِّرُون المشاكل الْمُفْتَعَلَة بينك وبين الآخرين ويَقطعون العلاقات بينك وبين الآخرين ويُعَبِّئُون ضِدَّك (بالبُغض) قلوبَ الآخرين لِتَحْدُثَ القَطيعة.

القطيعة تَبْدَأُ مِن حيث انتهى نَقْلُ الكلام الذي لا يُؤَدِّي إلى غير الحرب الباردة والخصام، وإذا بكَ تسأل نفسك: أينَ هُم مِن مَداخِل العِزَّة وتَحصين النفس؟! أين هُم من قاعدة «لا أرى، لا أَسمع، لا أتكلم» التي يُنْتَظَرُ مِن المسلِم أن يَعمل بها وهو الذي يَجْدُرُ به أن يُسَلِّمَ أمره لله حتى يَسْلَمَ.

يَسْلَمُ حقيقةً من سَلِمَ لسانُه وعيناه وأذناه، يَسلَم من نأى بنفسه عن أن يكون من صُنَّاع نَقْل الكلام، يَسلم من لا تَستدرجه عيناه إلى مُسْتَنْقَع الهَمْز واللَّمْز رغبة في السخرية والانتقاص من سواه (ويل لكل هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ)، يَسلم من لا يُسَلِّمُ أذنيه لغيره وهو يَجتهد في تفصيل القِيل والقال طلبا لإعفاء مَن لا يستحق مِن حقه في التقدير والاحترام سواء.

سواء بالـ«كوليرا» أم «الطاعون» أم «سارس» أم «كورونا» أم بالفقر الملعون، فإننا كُلنّا إلى الله راجعون.. راجِعٌ إلى الله أنتَ وليس في انتظارك أكثر مِن حُفرة، حُفرة تَتَمَدَّد فيها وحدَك: لا مال ولا «عيال» ولا ذَوات الحُسْن والجَمال ولا ذهب أصفر ولا أسود.. وحدَها حَسَنَاتُك تُضيء قبرَك المعتَّم إن لم تَسبقك إليه ذُنوبك ومعاصيك لتَفْتَرِشَها وتَلْتَحِفَها وتَتَوَسَّدَها مِن حيث تدري أو لا تدري.

نافِذَةُ الرُّوح:

- «بَريق الدنيا كاذِب».

- «كُنْ أكثرَ صلابة مِن الأرض التي تَقف عليها حتى تَصمد في وجه الأيام».

- «مَعتوه مَن يرى جَنَّتَه في إحراق سِواه».

- «شَتَّانَ بين الورد واليَد الخَشِنَة التي لم تَتَعَلَّمْ كيف تُحافظ عليه!».

- «بين شَفَتَيْن موتُك أو حَياتُك».

- «نَسِيتَ أنْ تُرَتِّبَ حُجراتِ عَيْنَيْكَ بعد جريمةِ قَتْلٍ لَمْ تَنَمْ».

- «الإِبَادَةُ الحقيقيةُ بَطَلُهَا فَمُكَ».

***

د. سعاد درير

 

في المثقف اليوم