قضايا

علجية عيش: حول مخطوطات الجامع الأعظم بالجزائر

(تسليم مكتبتين وقفيتين لفائدة جامع الجزائر الأعظم)

تمثل المخطوطات في رأي عميد جامع الجزائر الأعظم الشيخ محمود مأمون القاسم الحسني كنز من كنوز الأمة لأنها ذاكرة الأمة وجب العناية بها والحفاظ عليها وهذا لما تحمله من معاني تاريخية وحضارية وهي تحتاج إلى تسليط عنها الضوء من قبل الباحثين والمؤرخين وعدم الوقوف عليها سطحيا في المناسبات فقط ، حت لا تتعرض للتلف والضياع ، كما حدث منذ زمن في الجزائر حين ضاعت ثروة علمية من المخطوطات كانت محفوظة في المساجد والزوايا في عهد الإحتلال الفرنسي بدافع أحقاد صليبية عنصرية تجاه كل ما له علاقة بالعلوم الدينية والثقافة العربية الإسلامية وتم ترحيلها إلي متاحف باريس وأخر تم حرقها، لولا شيوخ الزوايا الذين سعوا إلي تهريب ما تبقي منها إلي جهات أمنة.

فالمخطوطات كموروث ثقافي تاريخي حضاري، كانت لها إسهامات في الحضارة الإنسانية، إلا أنها لا تزال غير مرتبة ومرقمنة بالنسبة للعائلات التي تملك هذه المخطوطات، لأن عملية الصيانة تحتاج إلي يد فنية متخصصة وعتاد وما إلى ذلك، هو ما أشار إليه عميد جامع الجزائر في مداخلة له خلال مراسيم تسليم مكتبتين وقفيتين تحتوي علي مخطوطات وكتب مطبوعة ذات قيمة علمية وفكرية، الأول تعود للمحامي والباحث الدكتور المرحوم سليمان الصيد وهو مؤرخ وأديب وتضم 13 ألف كتاب و 370 مخطوط في مختلف التخصصات والمجالات ومكتبة الدكتور موهوبي حسان والتي تضم ما يقارب 1000 عنوان تنازلت عنها عائلة الفقيدين  بحضور شيوخ زوايا ، رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين وموس اسماعيل رئيس المجلس العلمي لجامع الجزائر، هنية قمراوي مسيرة مكتبة جامع الجزائر ، أئمة وإطارات جامعية و السلطات المدنية والعسكرية ، والشيخ سليمان بن بلقاسم الصيد من مواليد مدينة طولقة ببسكرة جنوب الجزائر عام 1929 شغل عدة مناصب مهنية من أستاذ الحقوق بجامعة منتوري قسنطينة ، قبل ان يلتحق بسلك العدالة عام 1964 وحصل علي لقب عميد، ولقب مؤرخ من خلال إنجازاته العلمية منها كتاب عن تاريخ الجزائر وعلمائها ، وكتب مدرسية موجهة للتلاميذ، أما الشيخ موهوبي فهو استاذ الحديث بجامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية وله مخطوطات ذات قيمة علمية.

أراد الشيخ محمود مأمون القاسم الحسني التنويه بأن الكتاب الورقي والمخطوط الوسيلة العلمية الأكثر أمانا وثقة في نقل المعلومة، وهذا بالمقارنة مع الكتاب الإلكتروني الذي سرعان ما يطاله النسيان والتلاشي، والتنازل علي هاتين المكتبتين من شانها أن إضافة لمكتبة جامع الجزائر التي هي قيد التأسيس بعد أن تنازلت عائلة العلامة عبد الحميد ابن باديس عن مكتبة الشيخ المتكونة من 1800 مؤلف لفائدة مكتبة جامع الجزائر ، علي أن يحرص الخبراء علي دراسة هذه المخطوطات وصيانتها ورقمنتها ، مع فتح ورشات تكوينية متخصصة لطلبة الدراسات العليا ووضع بيبليوغرافيا للمخطوطات الجزائرية داخل وخارج الوطن، وهذا لتوثيق الصلة التاريخية بين الجزائر ومحيطها الإفريقي والعالمي، الاستعانة بجديد البحث العلمي في قضايا جرد المخطوطات وفهرستها وكذا رقمنتها ومناهج بحثها، كما هو الشأن بالنسبة لمكتبة الشيخ نعيم النعيمي التي أهديت لجامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية، فقد سجل التاريخ في حواضر العلم مكتبات علي غرار دار الحكمة ببغداد التي كان يرعاها الخليفة العباسي المأمون، التي تعرضت للحرق بعد سقوط غرناطة وضياع الأندلس، ومكتبة الطاهر بن صالح السمهوني الصنهاجي وفي بجاية ومكتبات أخري في القاهرة والعراق وفاس ومنها الخزانة لملكية للشيخ عبد الحي الكتاني وفي بجاية وكل بلاد المغرب العربي.

الرسالة التي وجهها عميد جامع الجزائر الشيخ محمود مأمون القاسم الحسني إلي من يمتلكون هذه الكنوز العلمية وحتي المقيمين في الخارج إقناعهم بتسليمها لتكون محفوظة في مكتبة الجامع والوصول إلي مليون مخطوط وكتاب لتكون في متناول الطلبة والباحثين وينتفع بها المسلمون في كل البلاد العربية، وجامع الجزائر الأعظم يعدّ مركزا دينيا علميا وثقافيا وسياحيا ، يضمّ مسجِدا ضخما للصّلاة، يسع لأزيد من 32 ألف مصلي وتصلُ طاقة استيعابِه إلى 120 ألف مصلٍ عند احتساب صحنه وباحَاته الخارجيّة، وهو بين المساجد الأكبر والأضْخَم عبر العالم، بل هو ثالث أكبرِ مسجدٍ في العالم بعد الحرَمين الشريفَين بمكة المُكرّمَة والمدينَةِ المنوّرَة، كما يعدّ أكبر مساجد أفْريقيا على الإطلاق، نشير هنا أنه توجد مخطوطات جزائرية في الجامعات العربية على غرار المكتبة الوطنية التونسية، وما تزال آثار العلماء الجزائريين في القارة السمراء خصوصا الذين تركوا بصمات تؤكد على أن الجزائر حاضرة بعد دخول الإسلام المنطقة عن طريق قوافل التجارة وحركة العلوم والمعارف لكنها مركونة في الأرشيف دون إخضاعها للدراسة والبحث، كون هذا العلم يفيد مُرَمِّمِي المخطوطات، ويبين لهم كل الجوانب المادية للمخطوط، كما يفيد المؤرخ بشكل كبير للتعرف على مخطوطات أهمل أو أغفل ذكر تاريخها ومنطقتها أو صاحبها.

***

علجية عيش - الجزائر

في المثقف اليوم