قضايا

ثامر الحاج أمين: نظرة كونفوشيوس الثاقبة

منذ القدم ظهرت الى الوجود تيارات أيديولوجية وفلسفية عديدة أكدت على قيم الحرية والعدالة والمساواة حيث لم تكن هذه القيم يوما أحادية المصدر ومرتبطة بدين سماوي معين او حكرا على فلسفة او ايدلوجية معينة انما ظل الانسان وعلى مر التاريخ  دائم البحث عن ايجاد قواعد سلوك تكفل للبشرية الاستقرار والعيش اللائق، فمنذ أكثر من 500 سنة قبل الميلاد وضع الفيلسوف الصيني "كونفوشيوس" فلسفته القائمة على القيم والاخلاق الشخصية والتي كان لها التأثير العميق ليس على الفكر والحياة الصينية فحسب انما انتقل تأثيرها الى عدد كبير من شعوب آسيا وشعوب اخرى من العالم لما فيها من نظرة ثاقبة ودقيقة لحركة التاريخ واستشراف المستقبل، لقد وضع كونفوشيوس أصبعه على الجرح واختصر اشواط من البحث عن أسباب الفساد والتدهور في حياة المجتمعات وذلك في قوله (اذا صلح القائد فمن يجرؤ على الفساد) فهل من شك في تشخيصه هذا عندما اعتبر ضعف الحاكم وتردده في اتخاذ القرارات الحازمة بحق المفسدين أحد اسباب انتشار الفساد وخراب المجتمع؟ . فهو ــ أي كونفوشيوس ــ كان من أوائل الذين نجحوا في تشخيص اسباب الفساد ورسم الخطوات السليمة للتخلص من هذه الآفة التي تنخر كيان المجتمعات وتمتص ثرواتها ومن بينها مجتمعنا العراقي، وهل هناك من هو أكثر دقه منه في معالجة هذه المشكلة عندما دعا الى تغيير البيئة التي يجد فيها الفساد حاضنة للنمو وبالتالي تجفيف هذه البيئة هي من أولويات الإصلاح وذلك في قوله (اعظم حيتان البحر ليس لديها أي قوة في الصحراء)  فتجفيف وتغيير بيئة الحيتان سوف يجعلها غير قادرة على العيش في البيئة الجديدة وهي اشارة الى ان الفساد ينمو ويتسّيد في البيئة التي يجد فيها من يمده بالقوة والمساعدة، فالمعروف عن فلسفة كونفوشيوس انها لم تقتصر على الجانب الأخلاقي فقط بل تعدتها إلى الجانب السياسي وقد قامت فلسفته على مجموعة من المبادئ والتعاليم كان الهدف منها إصلاح الفرد والمجتمع فهو يرى (إنَّ الحكومة الصالحة تُحقق السعادة للشعب، والسعادة هي الخير، لأنَّ هدف الحكومة أخلاقي في نهاية الأمر) . ولا ضير في اعتبار تعاليم كونفوشيوس تنظير سياسي فقد كانت هذه التعاليم كفيلة ببناء مجتمع قوي ومتماسك كما كان لها  تأثيرا كبيرا على العديد من الحضارات و ساهمت في تطور العديد من المجتمعات .

***

ثامر الحاج امين

في المثقف اليوم