قضايا
توفيق التونجي: الثرى عالم واحد أم عوالم
(وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ).. سورة القارعة
الفقير والغني تواجدا جنب الى جنب عبر العصور والأزمان منذ الخليقة الاولى. الصراع الإنساني وعبر العصور بين الفلاح والصياد في بلاد الرافدين احد تلك المظاهر. عودة الى أسطورة الخلق الاول وصراع الاخوان هابيل و قابيل احد اهم الروايات الإنسانية متمثلا بالصراع بين الغني والفقير..
ليس من الصدفة ان يكون هناك في كافة المجتمعات الإنسانية تدرج في الحالة الاقتصادية بين ابنائها متراوح بين الفقر، ذوى الدخل المحدود، الغني والأثرياء وفي عصرنا الحالي الثراء الفاحش. وجود البشر من الفقير والغني معا في المجتمعات الإنسانية و في كافة ألاطوار التاريخية التي مرت فيها البشرية، حالة طبيعية. الثروة بصورة عامة ياتي عادة عن طريق الوراثة. ومن ثم يكون لثروة الغني سببا و مسببا، ما يطلق عليه بالعامية ب(البخت) اي الحظ و القدر يلعب دوره في هذه المسالة كذلك. هناك ثروة تأتي صاجبها عن طريق مواهب الفرد (الفهلوة) العلمية الفنية و السياسية. اما الدراسة والاجتهاد ليس بالضرورة ان تكون مصدر للثراء وربما فقط ليكفي ما يحصله المرء من وظيفته لرزقه اليومي اي ذو الدخل المحدود. الاستثناء يؤكد القاعدة. لكن هناك ثراء اخر ليس في الحسبان اي تشتري ورق يانصيب وتغدو بتلك الورقة ثريا في يوم وليلة او تدخل اول حانة للقمار وتفوز بالجائزة الكبرى. اما الثراء الغير شرعي فكثير هي دروبه من الغش والتحايل والنصب والسرقة وامور كثيرة ونشاطات غير شرعية يصل بصاحبه الى الثراء واحيانا الثراء الفاحش.
الأذكياء اقل ثراء من الأغبياء كذلك وربما احدهم ذو قابلية فكرية وذكاء محدود يصبح لاعبا رياضيا ثريا. اما الثراء القادم مع النشاطات السرية من بيع الأسلحة وتجارة البشر بكافة انواعه وتجارة المخدرات وبيع اسرار الدولة والخيانة في الحروب والوشاية وامور اخرى كثيرة قد تصل بصاحبه الى الثراء السريع.
بالنسبة لنا نحن المسلمين نؤمن بان الله سبحانه وتعالي هو وحده عز وجل من يوزع الأرزاق بين البشر . بعيدا عن اي تحيز في الموضوع نرى بان الغرب والدول الكبرى هي الغنية على اقل في يومنا هذا. الثراء الفاحش للسياسيين لم يساعدهم في الخلاص من نهاياتهم المأساوية والجدير بالذكر ان ورثه هؤلاء من الأبناء والأحفاد لا يتمتعون ويتهنون بتلك الثروات وتصيبهم ما يسمى ب (لعنة الفراعنة) اجلا ام اجلا. لان "فرخ البط عوام" كما يقول المثل المصري ليس بصيح بين ابناء العلماء فهم ليس بالضرورة يصبحون علماء بعد موت أبيهم لانه وببساطة العلم والمعرفة لا يمكن توريثه. الا ان عند رجال الدين تكون الوراثة في العائلة على اساس الانتماء والنسب وليس العلم. هذا يشمل جميع السياسين وابنائهم وأقربائهم ممن اصبحوا اثرياء بين يوم وليلة بعد عام 2003 وودعوا بثرواتهم في بنوك تصورا بانهم في مأمن من اللصوص وتقلبات الاقتصاد والأيادي التي تتلاعب في الاقتصاد العالمي من اسهم وسندات تهبط وترتفع وبنوك تخسر الملاين وحتى يعلنون إفلاسهم. بالنسبة للبنوك هناك معلومة مهمة اذا سرق أي مصرف (بنك) في أي مكان في العالم فلا يقوم مديروها بإبلاغ الشرطة لكي لا يخسروا ثقة عملائهم والمودعين لديهم وحتى الجهات و الشخصيات السياسية ورجال عالم المال والأعمال وتجار الحروب والسياسيين والشركات التي يتعاونون معهم والعديدون من امثالهم. لكن القدر لهم بالمرصاد وسيعلمون اي منقلب سينقلبون ولو بعد حين.
لم تتمكن كافة الأفكار السياسية والأنظمة التي بنيت على تلك الافكار ان تزيل تلك الفوارق الاقتصادية بين مواطنيها. قال أستاذي الذي كان حميما في حديثه وصادقا وهو يحاورنا حول النظريات الاقتصادية ونحن كطلبة دكتوراه جالسون حول الطاولة الكبيرة في مكتبه وننظر الى شاشة التلفزيون الذي كان توا قد بدا البث فيه ابيض اسود بخطاب من ميخائيل گورباچوف وهو يعلن عن إصلاحاته المسماة) برستويكا. (قال الاستاذ ان ٧٥ من السنوات لم تكفي لنجاح تجربة مجتمع المساواة والعدل. نحن درسنا طلابنا في الجامعة خلال تلك السنوات ان الرأسمالية في حالة ازمة كبيرة و لا محال ستنتهي والية الى الانهيار وهي في ذلك تعيش مخاض نهايتها وايامها الاخيرة ليخرج لنا گورباجوف بان في واقع الحال ان النظام الاشتراكي هو في ازمة و في طريقها الى الزوال. نعم لم يمر الكثير من الزمن على ذلك الخطاب ليبدا دولة اشتراكية بعد اخرى تنهار وتتساقط كقطع الدومينو . تلك الانظمة الحديدية مع الحلف العسكري واعني حلف وارشو ويتحول حتى الحزب الشيوعي الى مجرد حزب صغير لا يؤيده ٩٩% بل مجرد نسبة ضئيلة من الشيوعيون أنفسهم بعد ان ترك المنافقين والمنتفعين الحزب. . العديد من رجال الأنظمة السابقة تحولوا الى تجار راسما لين كبار بثروات خيالية. للتاريخ حصل هذا طبعا لحزب النظام البعثي عشية احتلال العراق كذلك ولم يبق من يؤمن بتلك الأفكار ويخرج بنتائج ٩٩،% من اصوات الناخبين لرئيس هانه اقرب المقربين وكي لا ننسى كان هذا الرئيس يعتبر انتماءه للحزب وظيفة يؤمن قوت عيشه. لان خلال سنوات حكمه كان كل العراقيين بعثيين وان لم ينتموا فعليا للحزب. هذا يذكرني بما أجاب به الرئيس العراقي السابق عبد السلام عارف نظيره المصري جمال عبد الناصر عن عدد العراقيين المنتمين الى حزبه.
طبعا هناك محاولات لإعادة الساعة الى الوراء والعودة على الأقل بالنسبة للجناح السوري للحزب و النشط في العراق لكونها طبعا تدور في نفس الروح الطائفية الإيرانية او الخط الإيراني مرور من لبنان، سوريا، العراق، البحرين واليمن وصولا الى باكستان وافغانستان. تمعن فقط جيدا في ما أصاب المنطقة بأسرها من ويلات بعد انهيار ايران الشاهنشائي والى يومنا هذا.
اما في العراق فنرى اليوم صراع من نوع اخر وان الحوزة النجفية هي تاريخيا عاصمة التشيع في العالم وليست القم او أي مدينة اخرى حسب (مؤتمر النجف الاشرف). وان بني هاشم و ال البيت رضوان الله عليهم لم يكونوا الاعربا حتى لو غير البعض لون عمامتهم البيضاء الى السوداء الهاشمية الموسوية.
الرسالة المحمدية السماوية عالمية كدعوة للإيمان بوحدانية الخالق ولكن عالميتها في الإيمان ويبقى الأشراف من ال البيت هم من تم اختيارهم من قبل البارئ لحمل راية الرسالة المحمدية ونشرها في العالم. الجدير بالذكر ان المال والثروة كانتا وستبقيان لب جميع الصراعات والحروب ان كان على المستوى الشخصي بين الأفراد او الاحزاب والدول وهناك حتى صراع قاري بين الفقر والغناء الصور التي تلتقطها الأقمار الصناعية من الفضاء الخارجي للكوكب الأرضي في الليل أفضل دليل على تلك التناقضات. دول إفريقيا وبعض دول قارة آسيا تنام في ظلام دامس بينما نرى أماكن اخرى كقارة اوربا والولايات المتحدة واليابان ومناطق اخرى "منورة" كما يقول المصريون. كما ان تلك الدول أنظمتها بصورة عامة غير ديمقراطية وتحكمها الدكتاتوريات العسكرية وهي سابحة في الظلام. الديمقراطية واحترام التعددية والراي المخالف الاخر هو الطريق للتطور وفي كافة العصور والازمان.
هذه اللوحة نراه سياسيا كذلك وأعيد القول وكما نرى ان تلك الدول السابحة في بحر من الظلام لا تزال أنظمتها غير ديمقراطية احادية ويعبث العسكر المغامرين في مقدراتها . التعددية واحترام الرئ المقابل والمجتمعات التعددية المدنية المفتوحة طريق نجاة البشرية وزوال الدكتاتوريات وسيبقى البشر من الأغنياء والفقراء يعيشون جنبا الى جنب دون اي صراع على لقمة العيش ابد الآبدين.
***
د. توفيق رفيق التونجي - الأندلس
٢٠٢٤